أخبار

هكذا أواجه ظاهرة استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي في كتابة الأوراق

نشرت بتاريخ 15 سبتمبر 2025

ساورني الشك في أن يكون الطلاب قد اعتمدوا على «تشات جي بي تي» في كتابة أوراقهم، فرُحت أتتبَّع عملية الكتابة خطوةً خطوة لمواجهة هذه الممارسة التي باتت شائعة.

نيكيتا بيزروكوف

يقول نيكيتا بيزروكوف إن مراجعة سجل التعديلات كفيلة بالإفصاح عن تطوُّر الأفكار، وكشف تدخلات الذكاء الاصطناعي.

يقول نيكيتا بيزروكوف إن مراجعة سجل التعديلات كفيلة بالإفصاح عن تطوُّر الأفكار، وكشف تدخلات الذكاء الاصطناعي.
Credit:Jessica Wilson/ Science History Images/ Alamy Stock Images

كنتُ أصحِّح أوراق الطلاب المشاركين في حلقة دراسية – تعتمد على الكتابة إلى حدٍ بعيد – حول العدالة في تعلّم الآلة، حين بدأتُ أرصد في المراجع مشكلات غريبة وغير مألوفة: أول رابط فتحتُه أخذني إلى صفحة الخطأ (404)، والثاني فتح صفحة فارغة، ومقالة بدا عنوانها معقولًا إذا بي لا أجد لها أثرًا في أي قاعدة بيانات بحثت فيها. كان هذا هو الحال في أوراق عدة، فلم يكن من الصعب أن أتبيَّن أن هذه الأوراق لم يكتبها الطلاب، بل كتبها تطبيقٌ أو آخر من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

نعم، كان من السهل تمييز بصمة الذكاء الاصطناعي: فاللغة، وإن كانت سليمةً لا تشوبها شائبة، بدت متكلفة بعضَ الشيء، وبنية الفقرات كانت منضبطة أكثر من اللازم. وكانت الأوراق تفتقر إلى ذلك الإحساس بالمكابدة الفكرية، الذي يُشير عادةً إلى أن وراء هذه الكلمات أفكارًا حقيقية. لم أكن أفتح ملفًّا إلا وتراودني الأسئلة نفسها: هل هذه مجموعة بيانات حقيقية؟ هل لهذا المتخصص وجود حقًا؟ هل كتب الطالب أيًّا من هذا؟ وبعد أسابيع أمضيتها في التحقق من سلامة الاقتباسات والمصادر، وحتى من هويات المؤلفين، داخلني شعورٌ بأنني لم أعُد أعمل بالتدريس، بل أجري تحقيقات جنائية.

وفي واحدة من تلك الأوراق، توقَّفتُ عند خطأ مطبعي: كتب الطالب "monolinguistic speaker" (أي شخصًا يتحدث لغة واحدة)، والصواب: monolingual speaker، وهو خطأ لا يمكن أن يقع فيه نظام لغوي آلي. كان هذا الخطأ، على بساطته، دالًّا على أن إنسانًا، لا خوارزمية، هو من كتب النص. عندها تنفّست الصُّعداء، وأدركت فجأةً أنني بتُّ أتُوق إلى رؤية الأخطاء!

تتبّع التعديلات

في صباح اليوم التالي، وضعتُ قاعدةً جديدة وألزمتُ بها طلابي: لم يعد مقبولًا تسليم المهام في هيئة ملف نهائي بصيغة PDF فقط؛ لابد من تسليم نسخة تحتوي على سجل التعديلات، موضحةً بالتاريخ، حتى أتمكن من متابعة عملية الكتابة نفسها، لا المنتج النهائي فحسب. وقسَّمتُ الدرجة التي تُمنح للطالب عن الورقة إلى قسمين: القسم الأكبر (60% من الدرجة) مخصص لتقييم تطوُّر الأفكار كما تعكسها الكتابة والتعديلات، والقسم الأصغر (40%) مخصص لتقييم جودة النسخة النهائية.

بدا الطلاب متشككين في بادئ الأمر، وافترضوا أن الغاية من القاعدة الجديدة كانت فرض رقابة صارمة عليهم. اقترح زميل أن أشرح للطلاب أن الأمر أشبه ما يكون بعمل «سلسلة الكُتَل» blockchain، تلك التقنية التي تتيح مشاركة المعلومات بشفافية، فكان أن غيّر هذا التشبيه نظرة الطلاب على الفور. معظم الطلاب يعرفون أن هذه التقنية تتيح الاحتفاظ بسجل شفاف وغير قابل للتلاعب: كل "كتلة" تخزّن البيانات (المتعلقة بالمعامَلات مثلًا)، وترتبط بصورة مشفَّرة بالكتلة السابقة؛ ما يُشكّل سلسلة قابلة للتحقّق. وأي محاولة للتلاعب بسجلٍ من السجلات تظهر على الفور، مما يجعل السجل موثوقًا. حين نظر الطلاب إلى أدوات تتبّع التعديلات باعتبارها نوعًا من "سلسلة الكُتَل التعليمية"، سرعات ما تبدَّت لهم القاعدة منطقية، بل بديهية، لا عقابية.

بحلول نهاية الفصل الدراسي، كنت قد تعلّمت من مراجعة سجل التعديلات أكثر مما كنت لأتعلّمه من أي نسخة نهائية. في حلقاتي الدراسية، يختار طلاب السنة الأولى في تخصصَي الهندسة وعلوم الحاسوب موضوعًا يتعلق بالتقنيات الجديدة، مثل العدالة في استخدام الطائرات المسيرة أو نظم القبول المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وكل خطوة تنبني على سابقتها: يرسمون مخطَّطًا للدراسات السابقة، ثم يطوّرون هذا المخطط إلى ورقة بحثية غنيّة بالبيانات، ليعيدوا تقديمها بعد ذلك في مقالات رأي أو تقارير موجزة. وحيث أصبحت كل التعديلات محفوظة، فقد اختفت شكوكي بشأن السرقة العلمية، ورأيت كيف تطوَّر كل مقطع نصي مع الوقت: من حيث المدة الزمنية المستغرَقة في الكتابة، وعدد الكلمات، ومن حيث عمق الفكرة ونضجها.

أما من جانبي، فقد أسهم ذلك في تحسين عبء العمل إلى حدٍّ بعيد. لم تعد جلسات التصحيح تشبه تحليلًا لمسرح جريمة، وأصبحت أقضي وقتًا أقل في تعقّب آثار الذكاء الاصطناعي، ووقتًا أكبر في تدريب الطلاب على أساليب الكتابة الأكاديمية. بل إن قاعدة تتبُّع التعديلات التي أرسيتُها شجّعت عديدًا من الطلاب على البدء مبكرًا والمراجعة باستمرار، إذ لم يكن من الممكن التستُّر على عمل تم على عَجَل قُبيل لحظات من الموعد النهائي. وكان لذلك أكبر الأثر في إحياء العادات التي لأجلها صُمّمت لها حلقات الكتابة الأكاديمية: التقدم المرحلي، والمراجعة المتأنية. وللمرة الأولى، كانت الأوراق في صيغتها النهائية أوراقًا بحثية بحق، لا مجرد نصوص مولَّدة بالخوارزميات.

أعد النظر في طريقة التقييم

إن كنتَ تعمل بالتدريس، أو تشرف على مختبر أو مجموعة كتابة، فثمة تغيير واحد عليك أن تفكر في إجرائه بدءًا من الفصل الدراسي المقبل: اطلب من طلابك الكتابة داخل مستند واحد يحوي سجلًا للتعديلات، باستخدام أدوات مثل «جوجل دوكس» Google Docs أو «ميكروسوفت 365» Microsoft 365 أو «أوفرليف» Overleaf. سيشكّل هذا التغيير أساسًا لاتباع منهجية تتبُّع تطور النصوص. وفي «جوجل دوكس» مثلًا، يمكن الاستعانة بخاصية «سجل التعديلات» Revision History، أو بأدوات مثل «درافت باك» Draftback و«دكيو فيز»DocuViz  في المشاريع التي يتشارك في تنفيذها أكثر من شخص، لتلخيص التعديلات بين النُّسخ وإعادة عرضها مجمَّعةً على الفور.

اجعل التحقُّق من أصالة النص المقدَّم وتطوير الأفكار معيارًا من معايير التقييم، وكن شفافًا مع طلابك بشأن سبب اعتماد هذا التغيير، وما الذي تتوقعه منهم. والحق أن الطلاب الذين يبذلون جهدًا حقيقيًا ويحرصون على العمل بأسلوب متدرج — من دون اللجوء إلى اختصارات الذكاء الاصطناعي — لن يُطلب منهم جهد إضافي.

وهكذا، لن تقضي الساعات الطوال في التفتيش وراء الطالب، والتساؤل عما إن كان تلقّى مساعدة خفية، وستوجِّه وقتك إلى التقاط فكرة غامضة وتحويلها إلى أخرى ناضجة وواضحة.

ذكّرني خطأ مطبعي واحد بأن التعلّم عملية تكرارية. من خلال تقييم التسلسل، لا النتيجة النهائية، حوّلت قلقي من الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى فرصة لجعل كل خطوة في عملية الكتابة تتم بشفافية. صرت الآن أتطلَّع إلى قراءة أوراق الطلاب، لأن كل ورقة تضم بين ثناياها خطوات رحلة فكرية، وهذه الرحلة هي ما ينبغي أن تحتفي به منظومة التعليم.

· هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 5 أغسطس 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.157