لا غنى للمجال البحثي عن الكوادر الفنية
12 August 2025
نشرت بتاريخ 10 أغسطس 2025
«مراجعة الأقران الموزعة» تختصر الوقت الذي تستغرقه المراجعة إلى أقل من النصف، وهي محصَّنة ضد محاولات الغش والتحايُل.
حقوق الصورة: : Daenin Arnee/iStock via Getty
أظهرَت نتائج تجربة مصغَّرة أن نظامًا لتحكيم الأبحاث (أو مراجعة الأقران) – لا يزال قيد التجريب – قد نجح في اختصار الوقت المستغرق لمراجعة طلبات تمويل الأبحاث إلى أقل من النصف. وهكذا فإن هذا النظام يمكن أن يساعد جهات التمويل على التعامل مع الكمّ الهائل من الطلبات بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
وهذا النظام، الذي يُعرف بنظام مراجعة الأقران الموزعة (distributed peer review)، يتطلب من الباحثين الذين يتقدمون بطلب للحصول على تمويل أن يقيّموا بعض الطلبات الأخرى. وهذا من شأنه أن يختصر العملية التقليدية التي تستغرق وقتًا طويلًا، التي تلجأ فيها جهات التمويل إلى البحث عن مراجعين خارجيين، وتُضطر إلى ملاحقة مراجعين كثيرًا ما يكونون مثقلين بالأعباء، فضلًا عن الجهد المبذول في ترتيب الطلبات.
أجرت التجربة «وحدة دراسة منهجيات البحث العلمي» Metascience Unit بالمملكة المتحدة، وهي هيئة حكومية تأسست في عام 2024 من أجل دراسة وتحسين طرق تمويل وإجراء الأبحاث العلمية. وقد أُعلن عن نتائج التجربة خلال مؤتمر «منهجيات البحث العلمي 2025» الذي استضافته العاصمة الإنجليزية، لندن، في الثلاثين من يونيو الماضي.
يقول توم ستافورد، الباحث المتخصص في دراسة العمليات الإدراكية بجامعة شيفيلد البريطانية، إن النظام يحقق مكاسب "هائلة ناحية الكفاءة وتسريع إجراءات الحصول على التمويل"، ويُثني على فريق الوحدة لاعتمادهم وسائل تمنع المشاركين من التلاعب، كأن يُعطي أحد المتقدمين للحصول على تمويل تقييمات سلبية لطلبات الآخرين، على سبيل المثال. ويضيف: "كل ما هنالك أنك لن تستفيد من إعطاء شخص آخر درجة منخفضة"، مشيرًا إلى أنه يُخضع هذا النظام للاختبار في أماكن مختلفة، ويصفه بأنه نظام "جديرٌ بالإعجاب حقًا".
طلبات التمويل في ازدياد
منذ وقتٍ طويل وجهات التمويل تسعى إلى إيجاد طرق للتعامل مع الزيادة الملموسة في عدد طلبات التمويل. هيئة البحوث والإبداع البريطانية (UKRI)، وهي أكبر جهة تمويل في البلاد بميزانية سنوية تقدَّر بحوالي 8.8 مليار جنيه استرليني (ما يعادل 12.1 مليار دولار أمريكي)، شهدت ارتفاعًا في عدد الطلبات من نحو 19,800 في عام 2021–2022 إلى ما يقارب 27,200 في 2023–2024. هذا في الوقت الذي خُفِّضت فيه الميزانية التشغيلية للهيئة بنسبةٍ تزيد على 15%، وفقدت المئات من موظفيها، وطالتها الانتقادات بسبب البيروقراطية وبطء الإجراءات. عادةً ما تستغرق مراجعة طلبات التمويل لدى الهيئة ما بين 4.6 و6.3 شهر من تاريخ التقديم حتى صدور القرار.
وقد جرى اختبار عملية مراجعة الأقران الموزعة أو اعتمادها في عدد محدود من الجهات الأخرى. على سبيل المثال، استخدم «المرصد الجنوبي الأوروبي»، المُقام في جارشينج بألمانيا، هذه الطريقة لتقييم الطلبات المقدمة للحصول على فرصة – عزيزة بطبيعة الحال – لاستخدام التلسكوب. كما شرعت «مؤسسة فولكسفاجن» Volkswagen Foundation، وهي جهة تمويل بحثي مقرُّها مدينة هانوفر الألمانية، في تجربة النظام أيضًا.
تتشكَّل وحدة دراسة منهجيات البحث العلمي من وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا وهيئة البحوث والإبداع في المملكة المتحدة. وكان من المفيد أن يشارك في تقييم النظام الجديد باحثون سبق أن تقدَّموا بأنفسهم بطلبات للحصول على تمويل لأبحاث في دراسات منهجيات البحث. في المجمل، جرى تقييم مئة طلب تمويل كانت تتنافس على حوالي 18 منحة بحثية بقيمة إجمالية قدرها 4 ملايين جنيه استرليني. كُلّف كل متقدّم بمراجعة 8 إلى 10 طلبات، وكان تقديم هذه المراجعات شرطًا لاستيفاء طلبه. يقول بن ستين، المدير المشارك لوحدة دراسة المنهجيات، وهو الذي عرض نتائج التجربة في المؤتمر: "الجميع له مصلحة مباشرة في النظام."
انتهت التجربة إلى أن مراجعة الأقران الموزعة قلّصت مدة المراجعة إلى 2.2 شهر في المتوسط، بانخفاض عن المدة المعتادة تتراوح نسبته بين 53% و65%. وفضلًا عن ذلك، أشار معظم المتقدمين إلى أن التجربة وسّعت معرفتهم في مجال تخصصهم، بحسب استطلاع أُجري بين المشاركين. يقول ستين: "معنى ذلك هذه المراجعة لم تكن مجرد عبء."
لا مكان للغش
يقول ستين إن "أول نقد" قد يوجَّه إلى النظام يتمثل في إمكانية تحايُل المشاركين. فقد يُقيّم أحدهم الطلبات الأخرى بشكل سلبي ليزيد من فرص قبول طلبه، أو يتفق شخصان سرًا على تبادل التقييمات العالية.
وللحيلولة دون حدوث ذلك، استعان فريق ستين بطريقتين: الأولى هي تقسيم المتقدمين إلى مجموعتين (أ) و(ب)، وكان لكل مجموعة نصف التمويل. وكان على المتقدمين في المجموعة (أ) مراجعة طلبات المجموعة (ب)، والعكس صحيح. وهذا يعني أن إعطاء تقييم سلبي لا يؤثر في فرص مقدم المراجعة في الحصول على تمويل.
ولمنع التواطؤ، صمم الفريق خوارزمية لتوزيع المراجعات بحيث تنعدم احتمالات الأزواج المتبادلة: فإذا قام (س) بمراجعة طلب (ص)، فإن (ص) لا يُسمح له بمراجعة طلب (س). وقال ستين إن الوحدة تأمل في تجربة نظام المراجعة هذا على مجموعات أخرى من مِنَح هيئة البحوث والإبداع، وقد أتاحت الخوارزمية لجهات التمويل الأخرى تجربتها أيضًا.
أما جيمس ويلسدون، الباحث في سياسات البحث العلمي بكلية لندن الجامعية، فيرى أن مراجعة الأقران الموزعة لا تنجح مع الطلبات متعددة التخصصات، التي تحتاج إلى رؤًى مستقاة من مجالات أوسع من تلك التي يتخصص فيها المتقدمون أنفسهم. يقول: "هي تعمل بشكل أفضل عند التعامل في إطار جماعة بحثية محددة".
هذه واحدة من عدة تجارب جرى عرضها في مؤتمر لندن. ويرى ويلسدون، وهو أحد منظمي المؤتمر، أن إقبال أكثر من 800 ممثل للجهات المختلفة على المشاركة المؤتمر يعكس تنامي الاهتمام بالبحوث التي تستهدف دراسة الممارسات البحثية. يقول: "إنه ليس مهرجان جلاستونبري الموسيقي الشهير، لكن يمكن القول إنه يحظى بنفس الزخم في مجال سياسات البحث العلمي".
* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 1 يوليو 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.130
تواصل معنا: