أخبار

من المُزارع «الطائر» إلى الرعي بالأقمار الصناعية: التقنيات الحديثة تعيد رسم المشهد الزراعي في إفريقيا

نشرت بتاريخ 6 أغسطس 2025

مع تصاعد الضغوط المناخية، يتجه المبتكرون الأفارقة إلى الوسائل الرقمية لزيادة المحصول، ومراقبة الماشية، وتقديم الزراعة الدقيقة إلى مجتمعات عانت كثيرًا من التهميش.

هاني زايد، ودان أوكوث

منسق ميداني يشرح للرُّعاة كيفية استخدام تطبيق
«أفريسكاوت».

منسق ميداني يشرح للرُّعاة كيفية استخدام تطبيق «أفريسكاوت».
حقوق الصورة: Afriscout

اقرأ المقال بالفرنسية

في الوقت الذي تعصف فيه مشكلات ندرة الموارد ونقص الغذاء بقارة إفريقيا، تبزُغ الزراعة الدقيقة (precision agriculture) — مدعومةً بتقنيات مثل «إنترنت الأشياء»، والطائرات المسيَّرة، والخرائط المعتمِدة على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والاستشعار عن بُعد، والذكاء الاصطناعي — لتعيد رسم المشهد بإدخالها تغييرات متسارعة على طرق زراعة المحاصيل، ومراقبتها، وإدارتها.

يرى عبد العزيز بلال، الذي يرأس الجمعية الإفريقية للزراعة الدقيقة، وهو رئيس شعبة التطبيقات الزراعية والتربة وعلوم البحار بالهيئة القومية المصرية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، أن تقنيات الزراعة المتقدمة يمكن أن ترسم الطريق إلى مستقبل مستدامٍ في القارة الإفريقية.

وأوضح بلال أنه باستخدام التقنيات الحديثة يمكن رصد التغيُّرات التي تطرأ على المحصول ومسبباتها، ومن ثم تحديد الحلول المناسبة. يقول: "بإمكان هذه التقنيات الكشف عن الآفات الزراعية، وتقدير حجم المحصول، وتحديد احتياجات التربة في الزمان والمكان المناسبَين".

وأضاف: "بإمكان الزراعة الدقيقة أيضًا مساعدة الدول التي تعاني من الجفاف، وذلك عبر تقنيات متقدمة من قبيل أنظمة الري الذكي، التي تعتمد على مستشعرات لاسلكية متصلة بالأقمار الصناعية لتحديد كمية المياه المطلوبة للمحاصيل، وكذلك لقياس مستوى الرطوبة بالتربة، ومن ثم المساعدة في الحد من هدر المياه".

دخلت هذه الأساليب الحديثة حيز التنفيذ في شتى أنحاء إفريقيا. في نيجيريا، نجد أن رائد أعمال في مجال تقنيات الطائرات المسيَّرة، يُدعى فيمي أديكويا، ويُلقَّب بـ«المُزارع الطائر»، يسخِّر المسيَّرات لمراقبة المحاصيل، ويدرِّب المزارعين من حوله على استخدام أحدث التقنيات الزراعية. وفي كينيا، تستعين الجماعات الرعوية التقليدية بالأقمار الصناعية في العثور على المراعي المثالية. أما باميلا بالي، الباحثة الكبيرة بالمعهد الإفريقي لتغذية النباتات في كينيا، فتعمل على ضمان أن تصل الوسائل الرقمية إلى النساء، اللاتي كثيرًا ما يُحرمن من هذه الحلول التقنية الحديثة.

وقد تحدَّثت «نيتشر أفريكا» Nature Africa إليهم لمعرفة قصصهم والاطلاع على تجاربهم.

فيمي أديكويا: المُزارع الطائر. 

فيمي أديكويا: المُزارع الطائر. 
حقوق الصورة: فيمي أديكويا

فيمي أديكويا: المسيّرات في خدمة الزراعة الدقيقة

أديكويا شابٌ نيجيري يعمل في القطاع الزراعي، ويحرص على تقديم حلول تقنية مبتكرة للمزارعين، كما يسهم في تعزيز الزراعة الدقيقة والرقمية في عموم قارة إفريقيا.

أسَّس أديكويا شركة «إنتجرايتد إيريال بريسيجن» Integrated Aerial Precision المتخصصة في تقديم الخدمات التقنية والطائرات المسيَّرة لخدمة الأغراض الزراعية. وأنشأ كذلك أكاديمية للزراعة الدقيقة تحمل اسم «بريسيجن فيلد أكاديمي» Precision Field Academy، يعلِّم فيها العاملين بالقطاع الزراعي ويدرِّبهم على التعامل مع التقنيات الحديثة، ومنها المسيَّرات، ونظام المعلومات الجغرافية (GIS)، والاستشعار عن بُعد، والذكاء الاصطناعي، وغير ذلك من التقنيات المبتكرة المطبَّقة في مجال الزراعة. أما رسالته فهي الدفع باتجاه تبنِّي الوسائل الرقمية المعزِّزة للزراعة الدقيقة في ربوع القارة، وتزويد شباب المزارعين بالمهارات التي يحتاجون إليها.

بعدما تلقَّى أديكويا تدريبًا على استخدام الطائرات المسيَّرة، قرر أن يستثمر مهاراته في توجيه دفة مستقبل الزراعة في نيجيريا.

يقول: "الوسيلة الوحيدة لتحقيق أمن غذائي مستدام لشعبنا الذي ينمو يومًا بعد يوم هو الأخذ بالحلول الذكية".

وزاد على ذلك بقوله: "عن طريق المتابعة المستمرة لنمو النباتات، يمكن للمزارعين اتخاذ القرارات بشأن التسميد، ومكافحة الآفات، والسيطرة على الأمراض استنادًا إلى البيانات الفعلية. والرصد المبكر للمشاكل الناجمة عن الآفات، أو الأمراض، أو العوامل البيئية من شأنه أن يتيح لهم الاستجابة بالسرعة اللازمة للحيلولة دون خسارة كميات كبيرة من المحصول".

معلِّقًا على الطريقة التقليدية في متابعة المحاصيل "كثيفة العمالة، وتستغرق وقتًا طويلًا، كما أنها عرضة للأخطاء. أما المسيَّرات فتغطي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتقدم البيانات بسرعة ودقة. ثم إنها لا تعتمد على الحدس والتقديرات الجزافية، وتضمن ألا تُنفق الموارد إلا عند الحاجة".

باميلا بالي. 

باميلا بالي. 
حقوق الصورة: Pamela Pali

باميلا بالي: نحو قطاع زراعي يحقق المساواة بين الجنسين

باميلا بالي باحثة كبيرة بالمعهد الإفريقي لتغذية النباتات (APNI)، ومقره العاصمة الكينية، نيروبي. شاركت في العديد من البرامج والمشاريع ذات الصلة بالتغير المناخي، وسُبل التكيف معه وتقليل أضراره، والإنتاج الزراعي، وسلاسل القيمة الغذائية، والمساواة بين الجنسين. تقول: "تحويل الزراعة الدقيقة إلى حقيقة واقعة في إفريقيا يستلزم تعزيز المساواة بين الجنسين في أوساط المزارعين. والنساء المزارعات تجتمع عليهن التحديات التقليدية والتحديات المتصلة بالزراعة الدقيقة. ومن هذه التحديات، صعوبة الحصول على الموارد واستغلالها، ونقص المعلومات المتعلقة بالإنتاج الزراعي، وضعف أو غياب الحضور في دوائر صنع القرار".

جاء في تقرير عام 2024 الخاص بأوغندا، والصادر في وقتٍ لاحق من العام الجاري عن مؤسسة «أفروبارومتر» Afrobarometer، أن الأراضي المسجَّلة بأسماء نساء لا تتجاوز نسبتها 16%. هذا في الوقت الذي تتحمَّل فيه النساء الجزء الأكبر من الأعمال الزراعية — يصل إلى 75% في بعض المناطق — ومع ذلك فإنهن محرومات في أغلب الأحيان من تملُّك الأراضي على النحو الذي يحقق لهن شيئًا من الأمن. ويتجلى ذلك أيضًا على المستوى الوطني، حيث تتدنَّى نسبة تملُّكهم للأراضي؛ وهو الأمر الذي يحد من قدرتهن على الحصول على المال والموارد، وعلى المشاركة في صنع القرار.

قلةٌ مِن المُزارعات مَن يحصُلن على خدمات الإرشاد الزراعي، التي تلعب دورًا فاعلًا في تحفيز الابتكار وزيادة الإنتاجية.

والكثيرات لا يملكن هواتف خلوية نقَّالة أو حواسيب، وليس في وسعهن الدخول على شبكة الإنترنت. وهذا كله يقف عائقًا أمام استفادتهن من الوسائل الرقمية، ومن ثم يُحرمن من الحصول على معلومات آنيَّة عن الأحوال الجوية، والأسواق، وأفضل الممارسات الزراعية.

تقول بالي: "خُذ مثلًا حزمات الحلول الرقمية كالخدمات الإرشادية، أو التمويل الرقمي، أو منصات التسوق الإلكترونية: هذه الحلول يمكن أن تسهم في إزالة الكثير من العوائق التي تواجه النساء، غير أنها تتطلب تعاونًا بين القطاعات المختلفة حتى يتسنَّى تنفيذها بشكلٍ فعَّال".

تعمل بالي كذلك على تطوير أنظمة مراقبة وتقييم لمشاريع الزراعة الدقيقة. تقول: "إنها عملية معقدة، لأن السياسات والإجراءات المعمول بها داخل كل مؤسسة تتحكم في البيانات التي يمكن إتاحتها" لتخضع للتقييم.

وأضافت: "علينا أن نطوِّر وسائل ومنصات للزراعة الدقيقة تتجاوب مع احتياجات المُزارِعات وتتجاوز العقبات التي يواجهنها، على أن تكون هذه الوسائل ميسورة الاستخدام، بصرف النظر عن مستوى التعليم، أو المهارات الرقمية، أو القدرة الجسدية".

رجل من بدو «السامبورو» يتفقد تطبيق «أفريسكاوت» قبل الخروج للرعي.

رجل من بدو «السامبورو» يتفقد تطبيق «أفريسكاوت» قبل الخروج للرعي.
حقوق الصورة: Afriscout

عمر ماديرا: حين تجتمع التقنية الحديثة مع المعرفة التقليدية

تطبيق مصمَّم خصيصًا للرعاة في شرق إفريقيا، يجمع بين بيانات الأقمار الصناعية، والمعرفة التقليدية التي تتوارثها جماعات السكان الأصليين، والمعلومات التي يتبادلها أفراد مجتمع الرعي فيما بينهم: هذا التطبيق يساعد رعاة كينيا على العثور على المياه والمراعي.

يقول عمر ماديرا، وهو من الرعاة البدو في مقاطعة سامبورو الكينية: "قبل ظهور تطبيق «أفريسكاوت»، كنا نفقد الكثير من الحيوانات. وكانت تنشب نزاعات كثيرة نتيجةً للتنافس على المتاح من المياه والمراعي، وهو قليل. أما الآن، فقد تغيَّر شكل حياتنا. أصبح في إمكاننا الآن استكشاف المكان الذي سنرتحل إليه مقدمًا. وأصبحنا نعرف تمامًا أين نجد المراعي الخضراء الصالحة والمياه العذبة، دون الدخول في نزاعات مع الرعاة الآخرين".

طوَّرَت هذا التطبيق منظمةٌ غير ربحية تحمل اسم «بروجكت كونسرن إنترناشيونال» Project Concern International، بعدما أثبتت جدوى الفكرة أولًا عندما أعدَّت خرائط ورقية للمساحات الخضراء وقدَّمَتْها إلى مجتمع البدو في إثيوبيا. لم يمضِ عام إلا وقد أفاد نحو 80% من البدو المشتغلين بالرعي بأنهم يعتمدون على تلك الخرائط فيما يتخذون من قرارات تتصل بحركة تنقُّلهم وترحالهم، وأن معدلات خسارة رؤوس الماشية قد انخفضت بنحو 47% في المتوسط.

وذكر تيلِن أودودا، مسؤول المشاركة المجتمعية في «أفريسكاوت» أن الممارسات التقليدية في استكشاف المراعي — مثل الاعتماد على الترشيحات الشخصية، أو الاستطلاع من فوق قمم التلال، أو إرسال المستكشفين في رحلات استطلاع طويلة — لم تعد فعَّالة كما كانت في السابق، بسبب التغيُّرات المناخية المتسارعة، وتقلُّص مساحة الأراضي الصالحة للرعي، واحتدام المنافسة على الموارد.

يُضاف إلى ذلك أنه أصبح من الصعب التنبُّؤ بأنماط هطول الأمطار، كما أن المراعي في مناطق الرعي التقليدية لم تعد تتمتع بجودة ثابتة أو متسقة. أما المعلومات التي يتلقاها الرعاة فغالبًا ما تكون غير محدَّثة، ومن ثم لا تنفعهم بقدر ما تضللهم.

يقول أودودا: "هذه الأوضاع تخلق حالة من انعدام الكفاءة، وتزيد من خطر نشوب النزاعات، فضلًا عن الخسائر المترتبة عليها، سواء في رؤوس الماشية، أو في الوقت والجهد".

يستعين تطبيق «أفريسكاوت» بصور تفصيلية من الأقمار الصناعية لمتابعة حالة المراعي، والكشف عن عن المياه السطحية؛ ما يساعد المستخدمين على الوصول إلى أماكن تواجد المراعي الصالحة والمياه العذبة بصورة آنية تقريبًا.

وقد علَّق أودودا على ذلك بقوله إنه "ساعد على اختصار المسافة والوقت اللذين يُنفقان في البحث عن مرعى، ليوفر على العائلات — في المتوسط — ثلاثة أيامٍ تقريبًا من وقت رحلة الاستكشاف الرعوي. هذا بالإضافة إلى أن التطبيق أسهم في تحسين صحة الماشية، وتقليل النزاعات على المراعي، ومساعدة البدو على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن تنقلاتهم".

التطبيق مصمَّم بحيث يعمل باستخدام شبكات الجيل الثالث (3G) غير المستقرة، ولذلك فإن كل خريطة يمكن أن تُحدَّث بسرعة، ثم يجري تحميلها على الجهاز بحيث يستطيع المستخدم استعراضها دون الدخول إلى الإنترنت.

تُعلَّق الخرائط على حدود المراعي التقليدية، وفيها ترسيم لحدود المرعى، وتكون معتمدةً من المجتمع المحلي والسلطات.

ويستطيع الراعي إرسال تنبيهات موسومة بالموقع الجغرافي متى واجه مرضًا، مثلًا، أو تهديدات من البرية، أو نزاعات، أو مراعي لا يمكن الوصول إليها. تصل هذه التنبيهات إلى غيرها من مستخدمي التطبيق بالمنطقة.

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمنصة «نيتشر أفريكا» Nature Africa بتاريخ 30 يوليو 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.128