أخبار

تقنية تصوير ثورية تكشف خريطة الغلاف السكري للخلية بوضوح على المستوى دون النانومتري

نشرت بتاريخ 5 أغسطس 2025

هذه التقنية تتيح استبانة فائقة وتصلُح للاستخدام مع المجاهر الضوئية العادية.

ميريام نداف

تقنية التصوير المبتكرة الجديدة «RESI» تتيح وضوحًا في التصوير على مستوى 0.9 نانومتر، وتتفوق بدرجة كبيرة على تقنية سابقة تتيح وضوحًا على مستوى 7 نانومترات في التمييز بين الجزيئات على غشاء الخلية البشرية.

تقنية التصوير المبتكرة الجديدة «RESI» تتيح وضوحًا في التصوير على مستوى 0.9 نانومتر، وتتفوق بدرجة كبيرة على تقنية سابقة تتيح وضوحًا على مستوى 7 نانومترات في التمييز بين الجزيئات على غشاء الخلية البشرية.
حقوق الصورة: Luciano A. Masullo et al./Nat. Nanotech. (CC BY 4.0)

في دراسة، نجح فريق من العلماء في إنتاج خريطة لجزيئات سكر مفردة على سطح الخلايا البشرية باستبانة اعتُقد فيما مضى أن تحقيقها بالمجاهر الضوئية ضرب من المستحيل. تعقيبًا على هذا الحدث، تقول سابرينا سيمونتشيللي، اختصاصية علم الكيمياء من كلية لندن الجامعية إن هذه تُعد المرة الأولى التي يمكن فيها الوصول إلى استبانة للخلايا على المستوى دون النانومتري، وتصف هذا الإنجاز بأنه "ثوري".

فيُشار إلى أن جميع خلايا الجسد البشري محاطة بغلاف سكري يُسمى بـ"الكنان السكري". وهذا الغلاف يساعد الخلايا على التواصل مع بعضها البعض ومع الجهاز المناعي لمحاربة ودحر الفيروسات ولنشر السرطان في بعض الأحيان. وحتى وقت قريب، كانت تقنيات التصوير تعجز عن إظهار تفاصيل الجزيئات السكرية الصغيرة بهذا الغلاف، والتي يبلغ حجم كل منها نانومتر واحد تقريبًا.

لكن مؤخرًا، اكتشف فريق من الباحثين طريقة لتصوير جزيئات السكر تلك باستبانة على مستوى 9 أنجسترومات (أي 0.9 نانومتر) باستخدام مجاهر ضوئية عادية. وفي ورقة بحثية نُشرت في دورية «نيتشر نانو تكنولوجي» Nature Nanotechnology في الثامن والعشرين من يوليو الماضي،1 أزاح الفريق البحثي الستار عن خريطة توضح تراص جزيئات السكر على سطح خلايا حية تُبطِّن الأوعية الدموية البشرية الدقيقة.

وأفاد الفريق بأن تقنية التصوير التي ابتكرها قد تساعد الباحثين على الوقوف على شكل الكنان السكري السليم، ودراسة التغيرات التي تطرأ عليه في حالات الاستجابة للعقاقير وفي حالات الأمراض كالسرطان والاضطرابات المناعية.

في ذلك الصدد، يقول كريم المهايني، المؤلف المشارك في الدراسة واختصاصي الفيزياء الحيوية من «معهد ماكس بلانك لعلوم الضوء» في مدينة إرلانجن الألمانية، والذي أتم دراساته لنيل الدكتوراه هذا الشهر: "عندما شرعت في دراساتي للدكتوراه، كانت درجة الوضوح التي أحصل عليها لجزيئات السكر المفردة في أفضل الأحوال تعني صورة غير واضحة المعالم. والخطوة التالية هي فهم كيف تختلف جزيئات السكر هذه على سطح الخلايا في حالات الصحة والمرض. إذ نريد أن نُقيِّم الخلية من غلافها".

ابتكار يحطم الحدود السابقة على تصوير الخلية

عادة ما تجعل المجاهر الضوئية صور البِنى التي يقل حجمها عن 200 نانو متر غير واضحة المعالم. وقد أمكن لأدوات التصوير الفائق الوصول إلى استبانة على مستوى يتراوح ما بين 10 و20 نانومترًا، إلا أن هذه الأدوات ظلت تفتقر إلى الدقة المطلوبة للتمييز بين جزيئات السكر المفردة عندما تفصل بينها مسافات أقل من 10 نانومترات في الكنان السكري.

كذلك تشتهر جزيئات الكنان السكري بصعوبة وضع واسمات واضحة عليها بحيث تبرز معالمها تحت المجهر. تعلل سيمونتشيللي لذلك قائلة: "لا يمكن تعديل هذه الجزيئات وراثيًا، كما لا توجد أجسام مضادة قادرة على استهدافها".

وللتغلب على هذه التحديات، جمع المهايني وفريقه البحثي بين تقنيتين حائزتين على جائزة نوبل. إحداهما هي التصوير المجهري الفلوري فائق الدقة، والذي يستخدم واسمات فلورية ومَّاضة لوضع خريطة للجزيئات، أما الأخرى فهي الكيمياء النقرية، التي تدمج بين جزيئين ويمكن أن تُستخدم داخل الخلايا.

أراد الفريق البحثي وراء الدراسة تصوير نوعين من جزيئات السكر الموجودة على أسطح الخلايا المبطنة للشعيرات الدموية، هما جزيئات أحماض السياليك، وجزيئات مركب «الإن أسيتيل لاكتوزامين» N-acetyllactosamine. فبدؤوا بتغذية الخلايا بجزيئات سكر مُعدلة، أضافتها الخلايا للكنان السكري الطبيعي المحيط بها. وقد حمل كل من هذه الجزيئات المعدلة وسمًا كيميائيًا، سمح للباحثين بإلصاق سلاسل حمض نووي من ستة أنواع مختلفة على جزيئات السكر في الكنان السكري، لتخدم هذه السلاسل كنقاط رسو.

بعد ذلك، أضاف الفريق البحثي إلى جزيئات السكر سلاسل حمض نووي تحتوي على واسمات فلورية وتنتمي إلى النوع نفسه الذي وُسمت به جزيئات السكر. فكانت هذه السلاسل ترتبط بنظيراتها المطابقة لها على جزيئات السكر واحدة تلو الأخرى، لتبعث وميضًا من الضوء ثم تنفصل. بعد ذلك، كانت سلاسل حمض نووي جديدة ترتبط بجزيئات السكر لتطلق وميضًا وتنفصل، ثم تعيد هذه الدورة ذاتها.  وكنتيجة، تكرر وميض الواسمات على جزيئات السكر. وكما تقول سيموتشيللي: "سمح هذا برصد جزيئات السكر المفردة عدة مرات".

ولأن جزيئات السُكر المجاورة وُسمت بسلاسل حمض نووي مختلفة، ومضت في توقيت مختلف بعض الشيء، أتاح هذا التمييز بين جزيئات السكر المختلفة. وعلى غرار الطريقة التي يرصد بها علماء الفلك النجوم في الصور التلسكوبية غير واضحة المعالم، استخدم الباحثون في الدراسة خوارزميات إحصائية لتحديد مركز كل وميض ضوئي وحساب موقع جزيئات السكر على امتداد سطح الخلية بدقة مذهلة.  وبذلك، أمكن الفريق البحثي التمييز بين جزيئات سكر كانت على مسافة 9 أنجسترومات فقط من بعضها، وهي مسافة أقل من قطر العديد من البروتينات.

حول ذلك، يقول المهايني: "للمرة الأولى، أمكننا رصد جزيئات سكر على سطح الخلية، وجمع معلومات مكانية عن الكيفية التي تتوزع بها على هذا السطح. وهذا يفتح آفاقًا جديدة عديدة، لأنه في المستقبل سيمكننا وسم البروتينات وجزيئات السكر، لندرس الكيفية التي تتغيران بها في حالات الصحة والمرض".

أما سيمونتشيللي، فتقول "طرحت الورقة البحثية للدراسة مقاربة مبتكرة"، يمكن استخدامها لدراسة مكونات أخرى للخلية، مثل بروتيناتها. من هنا، تضيف: "أتطلع إلى المستقبل وكلي أمل".

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 29 يوليو عام 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.127


  1. Masullo, L. A. et al. Nature Nanotechnol. https://doi.org/10.1038/s41565-025-01966-5 (2025).