كيف خدع باحثون الذكاء الاصطناعي في مراجعات الأقران؟
08 August 2025
نشرت بتاريخ 4 أغسطس 2025
في هذا التحقيق الإخباري، يطلعنا مشرفون أكاديميون حاصلون على جوائز تكرم جهودهم في هذا الإطار على أفضل الممارسات لشحذ همة الفرق البحثية في خضم الاضطرابات السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية وغيرها من الأزمات.
حقوق نشر الصورة: Anja Bretschneider
في يونيو من عام 2016، شهدت عالمة الأعصاب كاترينا بيكر بأم عينيها كيف يُمكن لمسألة وطنية مثيرة للخلاف والجدل أن تؤثر في معنويات أعضاء فريق مختبرها. آنذاك، كان تصويت المملكة المتحدة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والذي أفضى إلى ما يُعرف بصفقة «البريكسيت» Brexit، مثيرًا للخصام والانقسام. وبيكر، التي شغلت حينذاك منصب مدير «مركز أبحاث تجدد الخلايا العصبية» the Centre for Neurogeneration في جامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة، وجدت نفسها في مأزق ما بين الإقرار بالمشكلات التي سيواجهها أعضاء فريقها من جراء تبعات التصويت المحتملة على مشوارهم المهني وحياتهم الأسرية، وما بين الإبقاء على سير المهام البحثية اليومية لمختبرها.
وبما أنها بذلت جهودًا كبيرة في الحركة المناهضة لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قبل التصويت، تقر بأن نتيجته كان لها وقع ثقيل عندما علمت بها. فتقول: "فقدت صوابي بعض الشيء. ولعلي تلفظت ببعض السباب".
لكن كان عليها أن تقر بهذه المشكلة لفريقها البحثي. فتقول: "ثار نقاش في الأمر بالفعل. ومن الصعب الخوض في شأن كهذا، لأن عليك أن تحترم آراء الآخرين". ويرجح أن فريقها ضم بعضًا ممن أيدوا الانسحاب لأسباب عديدة. وعن هؤلاء، تقول بيكر: "لا يجوز أن نطغى على أصواتهم. لذا، مع أنني أعربت عن رأيي في المسألة، أعلنت تضامني مع الجميع وتعللت بالأمل في نتيجة طيبة".
لكنه كان وقتًا عصيبًا. فتصفه بقولها: "كان عامًا مزريًا".
ففي عالم مثالي، ينبغي أن تتحرر بيئة عمل المختبرات من ضغوط السياسة الوطنية والصراعات الدولية، ليتواصل سير تجارب واكتشافات الطلاب والباحثين والتقنيين. إلا أن الأحداث المؤلمة قد تنال من معنويات الفريق البحثي إلى حد يفوق تصوُر الباحث الرئيس. وفي الأعوام الأخيرة وحدها، اضطر المجتمع الدولي العلمي للتصدي لتبعات سقوط قوانين حماية الإجهاض بالولايات المتحدة، ولحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، ولاقتطاعات أقرتها إدارة ترامب من ميزانية الأبحاث العلمية المرصودة لقضايا المناخ والتنوع الطيفي وعدد من الجامعات وصحة بعض الأقليات الجنسية والجندرية (من مجتمع الميم)، وذلك فقط نذر يسير من جملة من المشكلات الأخرى. لهذه الأسباب، يُعد الوعي بمخاوف الطلاب وأعضاء الفريق البحثي والتواصل معهم لإبداء الدعم من المهارات القيادية والإدارية الفعالة. وبالتمتع بالدراية بالكيفية التي يمكن بها خوض المحادثات الصعبة، يمكن للباحث الرئيس أن يضمن شعور أفراد فريقه بالأمان والدعم في فترات الاضطرابات.
في ذلك الصدد، تقول بيكر، التي تعمل حاليًا في جامعة دريسدن التقنية الألمانية، إنه من الضرورة بمكان السماح لأفراد طاقم المختبر بالتعبير عن آرائهم. ما توضحه قائلة: "عليك أن تقر بثقل الحدث، وأن تترك متنفسًا للأشخاص وألا تملي عليهم ما ينبغي لهم الشعور به". وهذا النوع من مراعاة الآخر يتطلب ثقة. وفي إدنبرة، زرعت هذه الثقافة من خلال إقامة غداء أسبوعي يوم الجمعة لفريق المختبر. تألف هذا الاجتماع من 45 دقيقة من المزاح الصاخب في نقاشات حول موضوعات طريفة، مثل: "من استهلك العدد الأكبر من حيوانات التجارب؟". وأي موضوعات أخرى باستثناء مناقشة العمل.
وتُعد بيكر واحدة من عدة باحثين رئيسين حول العالم أجروا حوارًا مع فريق قسم «حديث المهن» بدورية Nature حول استراتيجياتهم لخلق مساحة آمنة لمناقشة الأحداث العالمية. وبعض هؤلاء الباحثين الرئيسيين كانوا ممن كرمتهم جائزة دورية Nature السنوية للتميز في الإرشاد الأكاديمي في مجال العلوم go.nature.com/4zrmakc)، وهي الآن في عامها العشرين. وقد أوضح هؤلاء الباحثون أفضل استراتيجياتهم لمساعدة أفراد فريقهم البحثي على التعامُل مع الأحداث المثيرة للخلاف والانقسام التي تطرأ خارج بيئة المختبر (انظر "أفضل خمس نصائح لخوض النقاشات الصعبة في فريق العمل"). ورغم أن تجاربهم اختلفت باختلاف موقع عملهم، فقد أجمعوا فيما بينهم على أن الباحثين في مقتبل مسيرتهم المهنية قد يشعرون بالخوف والقلق ويحتاجون إلى الوقت والمساحة التي تكفل لهم التعبير عن مشاعرهم تلك دون تهيُب النتائج في البيئة البحثية التي لم تثمن دومًا على مر تاريخها الصراحة أو طلب العون.
ويؤكد هؤلاء الباحثون على ضرورة الحفاظ على الثقة بين أفراد فريق المختبر، بحيث يمكنهم التعبير بصراحة عن آرائهم فيما يخص مواجهة الاضطرابات التي يكابدونها، بدلًا من تجاهل تأثير الأحداث التي تجد خارج المختبر.
أفضل خمس نصائح لخوض النقاشات الصعبة في فريق العمل
1. ينصح بيتر سونترينو، اختصاصي علم نفس بيئات العمل، في مدينة سياتل بولاية واشنطن الأمريكية بتحاشي الرغبة في تجاهُل الأحداث المقلقة التي تعلن عنها عناوين الأخبار. ويلفت إلى أن كل ما يبدر أو لا يبدر عن قائد الفريق البحثي من كلمات له وقع على أفراد الفريق البحثي. فحتى عندما لا تمسَّك قضية مثيرة للخلاف بشكل مباشر، قد يكون لها أثر مختلف تمامًا بين أفراد الفريق الأقل مهارة أو خبرة.
2. ضع في الحسبان عقد اجتماع للفريق البحثي وبدئه بكلمات تُعرب بها عن مؤازرتك للفريق. وهنا يقترح سونترينو كلمات من قبيل التالي: "أعلم أن الجميع يشعر بالقلق على الأرجح بسبب الأحداث العالمية الجارية. وأنا عن نفسي أشعر بالإحباط. لكنني أود فقط أن يعرف الجميع بأن بابي مفتوح لما إن أرادوا الحديث في هذا الشأن".
3. أما كاترينا بيكر، اختصاصية علم الأعصاب من جامعة دريسدن القنية في ألمانيا، فتقترح دعوة أفراد الفريق البحثي ممن قد يتأثرون بالأزمات على قدح من القهوة أو الشاي خارج الحرم الجامعي. وتنصح قادة الفرق البحثية بأن يعربوا عن اهتمامهم بأفراد الفريق، وعن استعدادهم لمساندتهم.
4. تقديم الدعم باستمرار في فترات الاضطرابات: على سبيل المثال، يطمئن أديسولا أوجونيي اختصاصي علم الأعصاب من جامعة إيبادان في نيجيريا أفراد فريق مختبره إلى أن الأحداث الخارجية لن تعرقل سير أبحاثهم. ويضيف: "أطلب منهم القدوم لمقابلتي ليمكننا مناقشة مشكلاتهم".
5. اظهر مرونة في التعامل مع المشكلات على سبيل الاستثمار في الصحة النفسية وتحدث بصراحة بشأن العقبات مع زملائك. يسهم هذا في خلق مناخ من الثقة والاحترام، ما يبث بين الجميع، بدءًا من الطلاب إلى أعضاء الفريق العلمي شعورًا بأنهم محل تقدير وإعزاز.
مواجهة الاضطرابات المدنية
في سياق الاضطرابات المدنية، يذكر أديسولا أوجونيي، اختصاصي علم الأعصاب من جامعة إيبادان في نيجيريا حركة احتلوا نيجيريا التي قامت في يناير من عام 2012. أشعلت تدابير حكومية قضت برفع سعر الوقود إلى أكثر من الضعف قيام هذه الحركة، التي أسفرت عن اندلاع احتجاجات على مستوى البلد، من بينها اعتصامات في مقار العمل، ومظاهرات بل وعدد من محاولات تعطيل شبكات الكهرباء. وقد شكلت هذه الإجراءات خطرًا كبيرًا على مختبرات الطب الحيوي التي تحتاج إلى إمدادات موثوقة من الكهرباء لعمل ما بها من أجهزة تبريد ومعدات.
ويذكر أوجونيي الذي يعمل اليوم أستاذًا فخريًا، والحائز على جائزة دورية Nature للإرشاد الأكاديمي في مجال العلوم لعام 2024، جهوده في إرشاد مدربيه عندما أسفرت حركة «احتلوا نيجيريا» وغيرها من الاحتجاجات المماثلة وإضرابات العمال عن اضطرابات في المجتمع الأكاديمي.
فيقول مسترجعًا تلك اللحظات: "واجهنا الكثير من العراقيل التي تعترض سير العملية التعليمية. ففي بعض الأحيان، لم يكن واضحًا متى قد ينتهي العام الأكاديمي، أو ما إذا كنت ستتمكن من إتمام أبحاثك، خاصةً إن كنت ممن حصلوا على منحة بحثية".
ويضيف: "تحديات كتلك قد تؤثر في الأشخاص بالسلب على الصعيد النفسي وعلى صعيد الإنتاجية. وأحيانًا ما أخذت الاحتجاجات طابعًا عدائيًا بدرجة ما، إذ تنقل المتظاهرون من مختبر إلى آخر وأخذوا في إعطاء توجيهات للعاملين به بمغادرة مكاتبهم".
وفي أوقات عصيبة كتلك، سلك أوجونيي استراتيجية من شقين، الشق الأول هو طمأنة أفراد المختبر إلى أن "بقاء الحال من المحال"، وإلى أن الأمور ستعود إلى سابق عهدها وسيرها الطبيعي في نقطة ما. أما الشق الثاني، فيتمثل في التشديد على ضرورة مواصلة الأبحاث، حتى وإن استلزم ذلك التحايُل على الصعاب التي وضعها المتظاهرون في طريقهم.
وجَّه أوجونيي أفراد فريقه البحثي إلى مواصلة التركيز على أبحاثهم، سواء بالتخطيط للمرحلة التالية منها أو بالنظر في نتائجها السابقة للوقوف على المواطن التي يمكن علاجها أو التي تلك التي تستلزم إجراء المزيد من التجارب. وبهذا، أعطى للباحثين رسالة مطمئنة مفادها أنه "مع عودة الأمور لطبيعتها، سيمكنهم العودة إلى أبحاثهم وتعويض ما فاتهم ومواصلتها".
في هذا الإطار، يقول أوجونيي أنه على الباحث الرئيس دعم ثقافة قوامها الحوار بين المرشد الأكاديمي ومتدربيه، من أجل السماح للمتدربين بوضع خطط طارئة خلال فترات الاضطرابات. وبإسناد المسؤولية على القرارات لأفراد الفريق البحثي، يساعدهم أوجونيي على اكتساب المهارات القيادية المطلوبة لازدهار مسيرتهم المهنية العلمية.
فيقول عن علاقة الشراكة بين المرشد الأكاديمي وأفراد فريقه: "لا بد أن يسهم كلا الطرفين في هذه العلاقة. بحيث لا تأخذ دائمًا صورة يسأل فيها أفراد المختبر المرشد عما ينبغي لهم القيام به، ليعطيهم المرشد التوجيهات. إنها علاقة حوار. ولا بد أن تكون علاقة إفادة بالرأي والمشورة من كلا الجانبين.
ويضيف: "لا بد أن نبحث دائمًا عن الفرص لتنمية قدراتنا، بحيث إذا ما أُوصِد في وجهنا باب، أمكننا بالانتباه إلى الفرص العثور على آخر. وينبغي ألا تقف الأزمات السياسية والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية حجرة عثرة في طريق العلم".
حقوق نشر الصورة: MRC Unit The Gambia
مواجهة شح الموارد
آندرو برينتِس، الباحث المتخصص في دراسات الأمومة وتغذية الأطفال، هو بدوره حائز على جائزة Nature للإرشاد الأكاديمي في مجال العلوم، ويشق طريقه كمرشد أكاديمي وسط تحديات نشأت في وقت أقرب على الساحة الدولية. يدير برينتِس فريقًا بحثيًا في مركز كينيبا الميداني في جامبيا، وهو عيادة بحوث ورعاية صحية في وحدة مجلس الأبحاث الطبية التابعة لكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة. ويعتمد فريقه على مصادر متعددة لتمويل أبحاثه، من بينها «المعهد الوطني للبحوث الصحية والاجتماعية».
ويحاول مع فريقه في الوقت الحالي احتواء تداعيات الاقتطاعات المفاجئة في تمويل الأبحاث والتي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولعل من المفاجئ أن تأثير هذه الاقتطاعات يطال تمويل أبحاثه في جامبيا، التي تضررت لأن حكومة المملكة المتحدة أخذت في تغيير توزيع مواردها البحثية لتخصص جانبًا منها للأبحاث التي تراجع حجم التمويل الأمريكي لها.
لهذا، يتبع برينتِس، رغم تبنيه نظرة متفائلة، نهجًا واقعيًا، ويشجع أفراد فريقه البحثي على وضع خطط بديلة تحسبًا لأي طارئ قد يواجهونه في مسيرتهم المهنية. وتحقيق هذا التوازن ما بين التفاؤل والواقعية يتطلب عناية بالغة.
فعن هذا التوازن، يقول برينتِس: "لا يمكنك ببساطة أن تطلب من أفراد فريقك البحثي الاطمئنان والجزم لهم بأن الأمور ستكون على ما يرام. مسؤوليتنا الأخلاقية تحتم علينا أن نقر بأن علينا البحث عن حلول أخرى" إن لم يتوفر تمويل.
ويوضح برينتِس أن أسلوبه في القيادة استُلهم من العلاقة التي جمعته بمرشده الأكاديمي في جامبيا، روجر وايتهيد، وهو اختصاصي تغذية بمركز كينيبا الميداني عمل هناك ما بين عامي 1973 و1998. فيذكر برينتِس نزهات السير الطويلة التي تشاركها مع وايتهيد على سهول الملح بالقرب من كينيبا، حيث تناقشا بشأن مساعيهما البحثية.
في وقت سابق من هذا العام، عجز طالب دكتوراة في فريق برينتِس البحثي عن السفر لأوروبا لمناقشة أطروحته، عندما رُفضت الطلبات المقدمة من أفراد أسرته للحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا، وهي واقعة غير معتادة. يرجِّح برينتِس، أنها كانت نتاجًا لضغوط سياسية جديدة على الهجرة إلى الدول الأوروبية. فكان أن نظم برينتِس اجتماعًا عبر الإنترنت احتفاءً بالطالب وأسرته، تعبيرًا عن تضامنه معهم في وجه هذه الأحداث الخارجية وكبادرة تظهر تعاطفه معهم.
وينصح برينتِس زملاءه من الباحثين الرئيسيين بإدارة توقعات أفراد الفريق البحثي مع تشجيعهم في الوقت ذاته على البحث عن حلول لما قد يواجهونه من مشكلات والتحلي بالإيجابية، ما تنبغي مراعاته بالأخص في حال الباحثين ممن في مقتبل مسيرتهم المهنية. فيقول برينتِس: "أرى أن علينا أن نواصل التحلي بالإيمان. فعلينا أن نؤمن بأن الأمور ستؤول إلى الأفضل. ويمكننا أن نبحث عن آليات مؤقتة تعيننا على الصمود وتقودنا إلى مستقبل أفضل".
كن قدوة
يرى بيتر سونترينو، اختصاصي علم نفس ببيئات العمل، والمؤسس المشارك في شركة سونترينو باول للاستشارات في مدينة سياتل بولاية واشنطن الأمريكية، أن مفتاح خوض النقاشات الصعبة حول الأحداث العالمية المقلقة هو التمهيد لهذه المحادثات مسبقًا. فيؤكد أن على الباحثين الرئيسيين أن يدركوا أنهم قادة إلى جانب كونهم مديرين. من هنا، عليهم بناء مناخ يثمِّن السلامة النفسية لأفراد فريق العمل بقدر ما يُثمِّن البيانات البحثية الجديدة. كما أن عليهم اكتساب الملكات التي تتيح لهم إدارة النقاشات الصعبة عندما تطال الأحداث المقلقة أفراد الفريق.
فمن الضرورة بمكان الإبقاء على سير الأبحاث مع الحفاظ على همة الفريق. وهنا يضيف سونترينو: "يتمثل دور القائد في خلق بيئة تيسر تحقيق أهداف المؤسسة البحثية. لهذا، تُعد "إدارة الفريق" جزءًا من التوصيف الوظيفي للباحث الرئيس". ويشدد سونترينو على أن أفضل المديرين هم من يتكيفون مع الظروف المختلفة لتلبية احتياجات أفراد فريقهم، حتى عندما تخرج هذه الاحتياجات عن الإطار التقليدي لدور الاستشاري العلمي.
ويرى سونترينو أن الباحث الرئيس يمكنه في أوقات الأحداث العصيبة أن يفاتح أفراد الفريق البحثي بهذه الأحداث بالإقرار ببساطة أنها مقلقة له بدوره. ويشير هنا، على سبيل المثال، إلى حكم المحكمة الأمريكية العليا لعام 2022، المعروف اصطلاحًا باسم حكم «قضية دوبس»، والذي قضى بإنهاء الحق الدستوري بالإجهاض الذي كفله حكم عام 1973 في القضية المعروفة باسم «رو ضد وايد». وهذا الحكم، وفقًا لكثيرين، يهدد بنزع الحماية عن حقوق دستورية أخرى، من بينها الأساس القانوني لعديد من حقوق «مجتمع الميم»، مثل حق الزواج.
ويفيد سونترينو بأن القرارات التي تهدد حقوق الأفراد، على غرار «حكم قضية دوبس»، قد تمس وتطال أفرادًا من الفريق البحثي. وفي هذه الحالة، يتعين على الباحث الرئيس أن يحاول فتح باب للنقاش في الأمر. والسؤال هنا هو كيف يدير الباحث الرئيس الاجتماعات لفريق مختبره بعد أحداث مقلقة كتلك؟ يقترح سونترينو البدء بكلمات تظهر التعاطُف مع أفراد الفريق، مع احترام وتقدير مشاعرهم وتجاربهم بمنحهم مساحة للتعبير عنها، وذلك مثلًا بقول: "أشعر بالإحباط بسبب حكم «قضية دوبس». وأريد أن أطمئن على أحوالكم. هل من أمر يمكنني مساعدتكم به؟".
وينوِّه سونترينو إلى أن البعض يعرب عن شعوره بالتوتر، فيما يخفيه البعض الآخر. ويوضح أن تخصيص بضع دقائق للإقرار بوطأة الأحداث العصيبة قبل أن يمضي الفريق إلى مباشرة مهامه اليومية قد يخفف من حدة التوتر.
وتُعد هذه ممارسات راسخة بالفعل في أوساط العديد من الفرق البحثية المختبرية حول العالم. فمثلًا، في هذا الإطار، تذكر فنية مختبر من الولايات المتحدة مرشدة أكاديمية لها، جسَّدت المرونة التي يجب أن يتحلى بها الباحثون لدى التصدي للاقتطاعات المفاجئة في حجم التمويل الفيدرالي البحثي. (طلبت هذه الفنية عدم الإفصاح عن هويتها للتحدث بصراحة بشأن الاقتطاعات).
وتقول عن مرشدتها، وهي باحثة في الأورام السرطانية، وافتها المنية: "كانت تشغِّل حاسوبها وتقول عندئذ ببساطة: حسنًا، لنبحث عن منحة بحثية أخرى".
وتضيف الفنية أنه في فريق مختبرها الحالي في ولاية واشنطن: "لا يهم إذا كنت طالب دراسات عليا أم فني مساعد بالمختبر". موضحة أن الباحثة الرئيسة للفريق تسمح للجميع بتحقيق أقصى إمكاناتهم. فالكل من المتدربين إلى أعضاء الطاقم العلمي يتشاركون في أداء المهام الأسبوعية للمختبر. والكل يفيد بآرائه في الاجتماعات. وهذا يخلق روح صداقة متينة جميلة، ما تعبر عنه الفنية قائلة: "جميعنا على القارب نفسه". وفي الوقت الحالي، تُعِد الفنية تحت إرشاد الباحثة الرئيسة للمختبر ورقة بحثية هي المؤلفة الأولى بها، كما تستعد للتقدُم لخوض أحد برامج الدكتوراه.
وفيما يخص الاستجابة للاقتطاعات الأمريكية الأخيرة من التمويل البحثي، تفيد الفنية بأن الباحثة الرئيسة لمختبرها تجسد الصراحة والمرونة اللتين تأمل أن تتحلى بهما في مسارها المهني.
فتقول: "عندما نشعر بالقلق حيال الأحداث الجارية، يمكننا محادثة الباحثة الرئيسة لمختبرنا بشأنها. أتحلى بشخصية إيجابية. لذا، عندما أشعر بالقلق حيال أمر ما، أسعى إلى إيجاد حل". وتفيد بأن الباحثة الرئيسة لمختبرها لطالما كانت داعمة لأفراد الفريق فيما يخص التقدُم للمنح أو البحث عن سبل تمويل بديلة. وعن ذلك، تقول: "هذا يشعرني بأنني أملك زمام مصيري. كما أن هذه التجربة وسّعت منظوري حيال معنى أن تكون عالمًا.
ويرى سونترينو أن خبرة المرشد الأكاديمي تساعد أفراد الفريق البحثي على التطوُر مهنيًا، وتخلق مناخًا من الشفافية يساعد الفريق على التصدي للتحديات الصعبة. والباحث الرئيس الذي يضع على رأس أولوياته التطور المهني لكل من أفراد فريق مختبره يخلق بيئة أكثر ترحابًا من تلك التي يُنشئها الباحث الرئيس الذي يضع نصب عينيه فقط البيانات والمخرجات البحثية. فالأخير يجازف بأن يشعر أفراد فريقه البحثي بأنهم مُهملون، وعلى حد تعبير بيكر، العاملون في المختبر "ليسوا مجرد رجالًا أو نساءً للعمل على أدواته".
وبخلق روح وئام قوية بين أفراد الفريق، كتلك التي أنشأها المرشد الأكاديمي لبرينتِس بنزهات السير الطويلة على سهول ملح جامبيا، أو التي أسستها بيكر بوجبات غداء يوم الجمعة من كل أسبوع في إدنبرة، يمكن للباحث الرئيس أن ينقل لفريقه برفق الأحداث العالمية العصبية ليفاتحهم بشأنها مع خلق بيئة داعمة لهم أيًا كانت آراؤهم الشخصية حولها.
باختصار، يشدد سونترينو على التالي: "عليك أن تخلق لفريقك بيئة تشعرهم بالأمان".
باب الاشتراك في مسابقة «جوائز نيتشر للإرشاد الأكاديمي في مجال العلوم لعام 2025» Nature Awards for Mentoring in Science، والتي تطلب هذا العام ترشيحات من المملكة المتحدة، يُغلق في الثامن والعشرين من يوليو الجاري. للاطلاع على مزيد من التفاصيل حول المسابقة، يمكك بزيارة الرابط التالي: go.nature.com/4zrmakc.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 7 يوليو عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.126
تواصل معنا: