«كيمي كيه 2»: نموذج ذكاء اصطناعي جديد يخرج من الصين ويفجر ضجة
30 July 2025
نشرت بتاريخ 28 يوليو 2025
تأمل فرق بحثية عديدة في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بسلوك الخلية.
حقوق نشر الصورة: Steve Gschmeissner/Science Photo Library
Enlarge image
إذا نجح ستيفن كوايك في الوصول إلى مراده، سيمضي علماء البيولوجيا وقتًا أقل كثيرًا في استخدام الماصات المخبرية وغيرها من الطرق التقليدية لإجراء الأبحاث. ما يوضحه كوايك بقوله: "نهدف إلى ابتكار أدوات حوسبية بحيث يصبح إجراء الأبحاث البيولوجية على الخلايا تجريبيًا في 10% منه، وقائمًا على الحوسبة في 90% منه، لا العكس كما هو الحال الآن".
كوايك، مدير الشؤون العلمية في «مبادرة تشان زوكربيرج» Chan Zuckerberg Initiative، التي تتخذ من مدينة ريدوود في ولاية كاليفورنيا الأمريكية مقرًا لها، هو أحد الباحثين الذين يقودون مهمة لابتكار نماذج خلايا افتراضية. هذه النماذج أنتجها الذكاء الاصطناعي، ويمكنها أن تستحدث معلومات مفصلة يستغرق الوصول إليها في الوقت الحالي أسابيع من التجارب، للوقوف مثلًا على استجابات الخلايا الورمية لعقار ما.
ويتصور كوايك أن العلماء في المستقبل سيجرون التجارب في المقام الأول للتحقق من صحة توقعات هذه النماذج، التي ستغدو، بتعبيره "أداة شديدة الفاعلية في فهم الاضطرابات التي تطرأ حال المرض".
ومع أن الجهود المبذولة لنمذجة الخلايا لا تزال في مستهلها، استقطبت هذه المساعي اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية ومختبرات الصناعة حول العالم. على سبيل المثال، تعتزم «مبادرة تشان زوكربيرج»، وهي منظمة غير ربحية تتخصص في تطوير مجموعات بيانات مفتوحة الوصول إليها، إنفاق مئات الملايين من الدولارات في سبيل ابتكار نماذج خلايا افتراضية خلال العقد القادم. كذلك أطلقت شركة «ديب مايند» DeepMind التابعة لشركة «جوجل» مشروعها الخاص لنمذجة الخلايا، حسبما أفاد ديميس هاسابيس الرئيس التنفيذي للشركة.
أما يان إلينبيرج، اختصاصي البيولوجيا الجزيئية في «مختبر ساينس فور لايف» Science for Life Laboratory، المنظمة البحثية الوطنية الكائنة في مدينة سولانا السويدية، فيشارك في الوقت الحالي في قيادة جهود إنتاج نموذج خلايا افتراضي باسم «ألفا سِل»، يُزمع طرحه العام المقبل. وقد أعرب عن صعوبة هذه النمذجة قائلًا: "إنها لمهمة جسيمة". ويضيف: "ما نحتاجه وما يمكننا القيام به الآن هو إطلاق أول مشروع رائد يُبرهن على إمكانية النجاح، من حيث المبدأ، في هذا المسعى".
غير أن بعض العلماء يرى أن تطوير نماذج الخلايا الافتراضية، على أهميته كأحد أهم أهداف علم الأحياء على المدى البعيد، قد أثار الحماس والكثير من الضجة، في الوقت الذي لم يسفر فيه عن نتائج ملموسة أو يرسم طريقًا واضح المعالم لنجاحه.
فعن هذا المسعى، يقول آنشول كونداجي، اختصاصي علم البيولوجيا الحوسبية من جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية: "إنه يخدم في الأساس كأداة لحشد الجهود وكآلية تمويل، وهو يؤتي ثماره في هذا الإطار. فالمستثمرون يضخون تمويلات هائلة في هذا المجال".
بيانات الأساس
منذ عقود وعلماء البيولوجيا يستخدمون الحوسبة لنمذجة سلوك الخلية. في عام 2012، مثلًا، ابتكر علماء أول نموذج حوسبي لخلية كاملة يرصد الآليات الداخلية لبكتيريا المفطورة التناسلية Mycoplasma genitalium، التي لا تملك إلا 525 جينًا1.
غير أن هذه المحاولات وغيرها من أولى المساعي في هذا الإطار "كثيرًا ما قصدت بناء نموذج مكتمل لآليات الخلية"، بتعبير سيلفانا كونرمان، اختصاصية البيولوجيا الحوسبية من معهد آرك في مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
على النقيض، فإن المساعي الحالية الرامية إلى بناء نماذج خلايا افتراضية تعوِّل على الاستفادة من التطورات التي تشهدها نماذج الذكاء الاصطناعي، والتي تسمح لهذه النماذج بإنشاء تمثيلات معقدة للبيانات، تشبه النصوص التي تُلقم بها بغزارة النماذج اللغوية الكبيرة عند تدريبها. حول ذلك، يقول كوايك: "يُعد بناء نماذج يمكنها التعلُم من البيانات إنجازًا ثوريًا".
ركزت أولى نماذج الخلايا الافتراضية إلى حد كبير على نوع واحد من البيانات؛ ألا وهو تلك الناجمة عن تجارب تحديد التسلسل الجيني لجميع جزيئات الحمض النووي الريبي المرسال في الخلية المُفردة، وهي تجارب تنتج في نهاية المطاف دليلًا مفصلًا بالنشاط الجيني في الخلية ولمحة عن حالتها الراهنة.
فهذه البيانات تشكل حجر الأساس لبناء "أطالس"، تُضع خريطة لشتى أنواع خلايا البشر وخلايا سائر الكائنات الأخرى، لتكشف عن تنوع يفوق التوقعات. واليوم، تستحدث فرق باحثين كميات هائلة من "مجموعات بيانات تحديد التسلسل الجيني" التي تساعد في تعزيز دقة نماذج الخلايا الافتراضية. على سبيل المثال، تخطط «مبادرة تشان زوكربيرج» لنشر بيانات تحديد التسلسل الجيني لمليار خلية (لتتسع بذلك قاعدة بياناتها التي تضم بيانات أكثر من 100 مليون خلية). وفي فبراير الماضي، أصدر معهد آرك بيانات تحديد التسلسل الجيني لـ100 مليون خلية معالجة بمئات العقاقير.
وبحسب هاني جودارزي، اختصاصي الأنظمة البيولوجية بمعهد آرك، تُعد بيانات تحديد التسلسل الجيني للخلايا المفردة واعدة، إذ يُمكن بتكلفة معقولة استحداثها بكميات مضاهية لتلك الذي تبدأ عندها النماذج اللغوية الكبيرة في اكتساب إمكانات متطورة؛ أي على نطاق يشمل مئات المليارات من نقاط البيانات.
عقبات على الطريق
شرعت فرق بحثية في تطوير نماذج خلايا مفردة مستحدثة بالذكاء الاصطناعي باستخدام هذه البيانات. على سبيل المثال، أزاح معهد آرك الستار هذا الأسبوع عن أول نموذج خلايا افتراضي له، ويُسمى «ستيت» State. كذلك أطلق المعهد منافسة بقيمة 175 ألف دولار أمريكي تهدف إلى تشجيع الباحثين على استخدام مثل هذه النماذج للتنبؤ بكيفية استجابة الخلايا الجذعية للتغيرات الجينية.
غير أن بعض الباحثين يرى أن هذه النماذج لا تتمتع بعد بالكفاءة أو الدقة التنبؤية الكافية التي تمكنها من استخلاص بيانات قابلة للتعميم خارج نطاق البيانات التي تدربت عليها. فيقول كونداجي لافتًا إلى ما تسفر عنه المحاولات التي تُبذل لتقييم كفاءة نماذج الخلايا المفردة باستخدام مجموعات بيانات جديدة، إن مثل هذه النماذج تفشل عندئذ "فشلًا ذريعًا" 3,2.
ويرى عديد من الباحثين ضرورة استيعاب نماذج الخلايا الافتراضية لأنواع أخرى من البيانات مثل بيانات صور الفحص المجهري الإلكتروني الضوئي والتي قد تظهر تفاعلات مكونات الخلية المختلفة، والكيفية التي تتغير بها الخلية بمرور الوقت. وهو ما يؤكده إلينبيرج بقوله: "علينا ألا نتقيد ببيانات تحديد التسلسل الجيني للخلايا المفردة".
ويتمثل جانب من صعوبة بناء نماذج خلايا افتراضية في أن مفهوم هذه النماذج يختلف من شخص لآخر. فيقول جوناه كول، الذي يتولى قيادة مشروع «مبادرة تشان زوكربيرج» لنمذجة مليار خلية: "لا أعتقد أن ثمة تعريف واضح لماهية الخلية الافتراضية".
اتضح هذا لتيم ميتشيسون، اختصاصي البيولوجيا الخلوية من كلية هارفارد للطب في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، عندما حضر ورشة عمل نظمتها «مبادرة تشان زوكربيرج» لرسم خطة لنمذجة الخلايا. فحينذاك، على حد قوله، لم يجمع المشاركون في الورشة على الكثير من الأمور. لكنه يصف شعوره بعد المشاركة بالورشة قائلًا "أنا اليوم أكثر تفاؤلًا حيال الفرص المحتملة". فهو يرى إمكان بناء نماذج ذكاء اصطناعي تنجح بحق في محاكاة أنماط محددة من الخلايا مثل خلايا عضلات القلب أو العضيات المعوية، أو محاكاة وظائف محددة مثل تنظيم التعبير الجيني.
ويقر كوايك بأن رؤيته لمستقبل يتحرر فيه علماء البيولوجيا من الطرق التقليدية لإجراء الأبحاث سيصعب تقبُلها. لكن من حسن الحظ، ثمة متسع من الوقت أمام هؤلاء العلماء للوصول إلى هذه القناعة. فيقول كوايك: "علماء البيولوجيا ليسوا على استعداد لهذه الخطوة بعد. غير أن نماذج الذكاء الاصطناعي بدورها لم تجهز لها".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 27 يونيو عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.116
تواصل معنا: