مقالات

الذكاء الاصطناعي يفك رموز مخطوطات تفحمت قبل 1945 عامًا

نشرت بتاريخ 23 فبراير 2024

ثلاثة باحثين بينهم باحث مصري يكشفون المقاطع الأولى من "برديات هيركولانيوم" التي تتناول تأملات حول الموسيقى والحياة والألم

هاني زايد

تم حل لغز برديات هيركولانيوم القديمة
بعد 275 عامًا من الغموض

تم حل لغز برديات هيركولانيوم القديمة بعد 275 عامًا من الغموض


Vesuvius Challenge

Enlarge image
قدم فريق من الطلاب الباحثين مساهمة عملاقة في حل أحد أكبر الألغاز في علم الآثار من خلال الكشف عن محتوى الكتابة اليونانية داخل لفافة متفحمة بسبب ثوران جبل فيزوف الذي دمر مدينة "هيركولانيوم" الرومانية في عام 79 بعد الميلاد.

والطلاب الثلاثة هم المصري يوسف نادر، طالب الدراسات العليا في مجال الروبوتات الحيوية بجامعة برلين الحرة، ولوك فاريتور، الطالب بجامعة نبراسكا الأمريكية، وجوليان شيليجر، طالب الروبوتات في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، وتقاسموا الجائزة الكبرى في مسابقة "تحدي فيزوف" البالغة 700 ألف دولار أمريكي.

درب الباحثون خوارزميات التعلم الآلي على مسح ورق البردي الملفوف، وكشفوا رموز "برديات هيركولانيوم" التي تناقش الحواس ومصادر المتعة، بما في ذلك الموسيقى وطعم نبات الكُبَر وسحر اللون الأرجواني الذي طالما ارتبط بالإبداع، والغموض، والحكمة.

الذكاء الاصطناعي

بالرغم من أن الحبر الموجود على ورق البردي كان مشوهًا بالكامل تقريبًا، إلا أنه كان لا يزال موجودًا، لذلك استخدم الفائزون الثلاثة التعلم الآلي لكشف النقاب عن النص، واستعاروا لفائف من معهد فرنسا وقاموا بتصويرها في مرفق علوم السنكروترون الوطني في المملكة المتحدة لعلوم مصدر الضوء في إنجلترا.

يوسف نادر طالب الدراسات العليا في مجال الروبوتات الحيوية بجامعة برلين الحرة
يوسف نادر طالب الدراسات العليا في مجال الروبوتات الحيوية بجامعة برلين الحرة
Enlarge image
يقول "نادر" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تركز دوري في المسابقة على تدريب الذكاء الاصطناعي على اكتشاف الحبر والتنبؤ بمكانه في المخطوطة.

ويضيف: تعرضت هذه المخطوطات لحرارة وجفاف وعوامل مناخية شديدة السوء من جرَّاء ثوران البركان الذي شهدته المدينة، وهي أضرار كان من الصعب التعامل معها، لكن كانت هناك قناعة لدى برنت سيلز بأن الحبر ما زال موجودًا في مكانه وما زال بالإمكان قراءة المخطوطة افتراضيًّا، حتى لو تضررت وأصبح من الصعب التعامل معها على أرض الواقع.

ويعتمد نموذج الذكاء الاصطناعي على أمثلة لقراءة صور فيها حبر وأخرى لا تحتوي على حبر، وبعد تدريب الذكاء الاصطناعي على هذه الأمثلة يمكنه التفرقة بين وجود الحبر من عدمه، كما أن هناك بعض الأشكال والتصدعات الموجودة على المخطوطة والتي تكون بمنزلة دليل على وجود حبر ، أو أن هذه التصدعات ذاتها عبارة عن حبر، وبعد التنبؤ بالحبر نحصل على صور جديدة ندرب الذكاء الاصطناعي على رصدها بصورة أفضل وأكثر جودةً من المرة الأولى، ونكرر هذه العملية أكثر من مرة، وفق "نادر".

ويتابع: بالنسبة لطبيعة الأحرف اليونانية، فإن نموذج الذكاء الاصطناعي يعمل على التنبؤ بالحبر بدقة عالية، ولكن بحدود صغيرة؛ لأن الذكاء الاصطناعي يرى واحدًا على 16 من الحرف أو 1 على 20 من الحرف في المرة الواحدة، ثم يخبرنا بوجود الحبر من عدمه، ثم يقوم علماء البردي بقراءة الحروف وتفسيرها.

وبالتعاون مع العديد من المؤسسات العلمية، أجرى الباحثون فحوصات التصوير المقطعي بالأشعة السينية لعدة مخطوطات، وساعدتهم برامج التعلم الآلي على فحص القطع الأثرية افتراضيًّا.

ويمهد هذا الإنجاز الطريق أمام تقنيات الذكاء الاصطناعي لفك رموز بقية المخطوطات بالكامل، وهو أمر سيفتح الباب أمام نقاش جاد حول تلك الحقبة التاريخية، وستكون له آثارٌ ثورية على فهمنا للعالم القديم، وتحديد اتجاهات التطور العلمي مستقبلًا.

برديات هيركولانيوم

اللفافة التي فك الباحثون الثلاثة طلاسمها هي واحدة من مئات من أوراق البردي السليمة، ففي عام 79 بعد الميلاد، دُمرت مدينة "هيركولانيوم" الرومانية القديمة بسبب ثوران بركان فيزوف الهائل، ومعها جارتها بومبي الأثرية الواقعة على مشارف خليج نابولي.

تضم برديات هيركولانيوم أكثر من 1800 مخطوطة من ورق
البردي

تضم برديات هيركولانيوم أكثر من 1800 مخطوطة من ورق البردي


Enlarge image

وأدى الطين الساخن والرماد المتصاعد من البركان إلى دفن فيلا ضخمة كان يملكها في السابق والد زوجة يوليوس قيصر، وتضم مكتبةً واسعةً من مخطوطات البردي.

ظلت مكتبة البرديات تحت الأرض سليمة حتى عثر عليها مزارع بالصدفة في أثناء حفره لبئر ماء في عام 1750، لكن اللفائف التي عُرفت باسم "برديات هيركولانيوم" -وتضم أكثر من 1800 مخطوطة من ورق البردي- تفحمت بفعل حرارة الحطام البركاني، وبقيت هذه النصوص القديمة عرضةً للتحلل كلما تعرض نصٌّ منها للهواء.

وهناك حوالي 280 مخطوطة كاملة سليمة من هذه البرديات التي تشبه جذوع الأشجار، ومعظمها محفوظ في المكتبة الوطنية في نابولي، مع عدد قليل منها في باريس ولندن وأكسفورد بالمملكة المتحدة، وهناك قناعة لدى بعض العلماء بأنه "ربما كانت آلاف اللفائف الأخرى موجودة تحت الأرض حتى الآن".

وما بين الرغبة في قراءة تلك البرديات والخوف من تلفها، لم تبح تلك البرديات -التي تحتوي على نصوص فلسفية مكتوبة باللغة اليونانية- إلا بقليل من أسرارها بعدما فتح بعضها أحد الرهبان، ولا يزال علماء البرديات يعملون على فك رموز النصوص وتجميعها معًا.

ويرتبط محتوى معظم مخطوطات هيركولانيوم المفتوحة سابقًا بالمدرسة الفلسفية الأبيقورية، التي أسسها الفيلسوف اليوناني "أبيقور"، الذي عاش في الفترة من 341 إلى 270 قبل الميلاد.

وكانت الأسئلة التي يطرحها أبيقور هي تلك التي تواجهنا جميعًا نحن البشر، مثل: كيف نعيش حياةً طيبة؟ وكيف نتجنب الألم؟

تحدي فيزوف

في مارس عام 2023، أطلق برنت سيلز -أستاذ علم الكمبيوتر في جامعة كنتاكي- ورجل الأعمال "نات فريدمان" ما عُرف بـ"تحدي فيزوف"، وهو مسابقة للتعلم الآلي استهدفت جمع العالم معًا لقراءة مخطوطات هيركولانيوم.

قراءة المجموعة الكاملة من هذه المخطوطات ستكون أكبر اكتشاف من العالم القديم حتى الآن
قراءة المجموعة الكاملة من هذه المخطوطات ستكون أكبر اكتشاف من العالم القديم حتى الآن

Enlarge image
وبعد عام من التقدم الملحوظ، تم حل لغز برديات هيركولانيوم القديمة بعد 275 عامًا من الغموض باستخدام تقنية "فك التغليف الافتراضي"، التي تعتمد على فتح اللفائف القديمة المحروقة والكشف عن النصوص المخفية من خلال تطوير برنامج لفك غلاف أسطح أوراق البردي الملفوفة باستخدام صور التصوير المقطعي المحوسب ثلاثي الأبعاد.

ويعتقد "سيلز" أن "قراءة المجموعة الكاملة من هذه المخطوطات ستكون أكبر اكتشاف من العالم القديم حتى الآن".

يضيف "سيلز": لقد فتحت المسابقة المجال أمام الجميع للتساؤل عما إذا كان هذا العمل سينجح أم لا، واليوم لم يعد أحدٌ يشك في ذلك.

ويأمل "سيلز" ورفقاؤه أن تساعد تقنيات التعلم الآلي التي ابتكروها في دراسة أنواع أخرى من النصوص المخفية، مثل الكارتوناج، وأوراق البردي المعاد تدويرها، والتي غالبًا ما تُستخدم لتغليف المومياوات المصرية.

وقد أعلن "فريدمان" بالفعل عن مجموعة جديدة من جوائز "تحدي فيزوف" لعام 2024، بهدف قراءة 90% من اللفافة بحلول نهاية العام، مضيفًا: مجرد الوصول إلى هذا الحد يبدو وكأنه معجزة لا أستطيع أن أصدق أنها نجحت".

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.61