مقالات

تشخيص السكري باستخدام صور شبكية العين

نشرت بتاريخ 8 فبراير 2024

أُجريت الدراسة على 5545 مشاركًا في قطر.. وطورت نموذجًا للتعلم العميق يمكنه تشخيص السكري في مناطق مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

محمد السيد علي

نجح التعلم العميق في تشخيص السكري بدقة بلغت 92%
نجح التعلم العميق في تشخيص السكري بدقة بلغت 92%
Jasmin Merdan/ Moment/ Getty Images Enlarge image
تُعد اختبارات قياس مستوى السكر في الدم معيارًا ذهبيًّا لتشخيص داء السكري، إلا أنها تنطوي على بعض القيود، مثل عدم الدقة في الكشف عن جميع الحالات.

وفي محاولة للبحث عن اختبارات تشخيصية بديلة، كشفت دراسة أُجريت في قطر عن نموذج جديد للتعلم العميق يسمى (DiaNet v2)، يمكنه تشخيص السكري بدقة ملحوظة باستخدام صور شبكية العين.

وأوضح الباحثون في دراسة نشرتها دورية "ساينتفك ريبورتس" (Scientific Reports) أن "هذا النهج غير الجراحي والذي يسهل الوصول إليه يتميز بالقدرة على إحداث ثورة في الكشف عن مرض السكري، خاصةً في مناطق العالم التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالمرض، مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

من جهته، يقول تنوير عَلَم، الأستاذ المساعد بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة بدولة قطر، وقائد فريق البحث: "إن مرض السكري يرتبط بزيادة معدلات الإصابة بالمرض والوفيات على المدى الطويل".

ووفق تقديرات الاتحاد الدولي للسكري، هناك 537 مليونًا تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 79 عامًا مصابين بالمرض بجميع أنحاء العالم في عام 2021، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 634 مليون شخص بحلول 2030، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصيب 73 مليون شخص بالمرض وفق تقديرات عام 2021، مع زيادة متوقعة بنسبة 87٪ في الحالات، ليبلغ العدد 136 مليونًا بحلول 2045".

يضيف "عَلَم" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": استهدفت دراستنا تعزيز دقة تشخيص السكري من خلال تطوير نموذج ذكاء اصطناعي تنبُّئي محسَّن باستخدام صور شبكية العين من السكان القطريين، ومعالجة القيود المفروضة على طرق التشخيص الحالية، ويسمح الكشف المبكر عن المرض بالتدخل في الوقت المناسب لمنع المزيد من المضاعفات.

اختبارات تشخيص السكري

يتم تشخيص السكري من خلال إجراء اختبارات مختلفة لتقييم مستويات السكر في الدم، وهي اختبار الهيموجلوبين الذي يقيس متوسط الجلوكوز بالدم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، واختبار السكر العشوائي الذي يقيس مستوى الجلوكوز في الدم في أي وقت من اليوم، واختبار السكر الصيامي الذي يقيس مستوى الجلوكوز في الدم بعد صيام 8 ساعات على الأقل، واختبار تحمُّل الجلوكوز الفموي الذي يتم عبر شرب محلول جلوكوز، ثم قياس مستوى السكر بالدم بعد ساعتين، ويمكن أن يكون ذلك غير مُريح لبعض الأشخاص، ويسبب الدوار والغثيان.

يقول "عَلَم": بالرغم من استخدامها على نطاق واسع، تنطوي تلك الاختبارات على قيود، فعلى سبيل المثال، يتمتع اختبار السكر الصيامي بحساسية أقل فيما يتعلق بالتعرف على المرضى الحقيقيين، ويترك 30% من حالات السكري دون تشخيص، أما اختبار تحمُّل الجلوكوز الفموي فيحتاج إلى عمالة كثيفة، ويُخطئ في تصنيف 12٪ من الحالات.

ويتابع: وأما اختبار السكر العشوائي فإنه أقل حساسيةً أيضًا، ورغم أن اختبار الهيموجلوبين هو المعيار الذهبي لتشخيص المرض، فإنه قد لا يكون دقيقًا في بعض الأشخاص مثل الحوامل، وقد لا يكون مُتاحًا في بعض المناطق.

صور شبكية العين

طوّر الباحثون نموذج التعلُّم العميق (DiaNet v2)، الذي تم تدريبه على صور شبكية العين المأخوذة من 5545 مشاركًا في قطر (2540 مريضًا بالسكري و3005 كمجموعة ضابطة).

وبلغ إجمالي عدد الصور أكثر من 18 ألف صورة في البداية، وأزال الباحثون حوالي ألفي صورة بسبب سوء جودتها.

ونجح النموذج في تشخيص السكري بدقة بلغت 92%، وحساسية التعرُّف على المرضى الحقيقيين بنسبة 93%، والتعرف على الأشخاص الأصحاء بنسبة 91% في تمييز مرضى السكري عن المجموعة الضابطة.

ويشير "عَلَم" إلى أن أبحاثًا سابقةً أجراها الفريق أظهرت فائدة صور الشبكية في الكشف المبكر عن أمراض القلب والأوعية الدموية وتصنيف حالات العين المختلفة، بما في ذلك اعتلال الشبكية السكري، والوذمة البقعية السكرية، والزَّرَق، وبالتالي فإن هذا الحل بمنزلة منصة متعددة الاستخدامات لتشخيص أمراض متعددة.

ويضيف: هذا النهج التشخيصي القائم على الذكاء الاصطناعي يُعَد فحصًا سريعًا وغير جراحي لمرض السكري، ويؤدي إلى تقليل تكاليف المرض، وتخفيف العبء عن المتخصصين في الرعاية الصحية مع تعزيز جودة التشخيص، ودعم اتخاذ القرار لدى الأطباء في أثناء الفحص.

طريقة تكميلية

يقول جمال المشد، أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة الزقازيق في مصر: إن تضرُّر شبكية العين بسبب السكري ينجم عن تضرُّر الأوعية الدموية الصغير منها والكبير للجسم بالكامل، ومنها الأوعية الدموية الصغيرة للعين، ما يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في الرؤية.

وأضاف "المشد" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": الضرر الذي يصيب شبكية العين يعتمد بالأساس على طول مدة الإصابة بالسكري وليس ارتفاع مستويات السكري، لذلك فإن اكتشاف المرض بناءً على صور الشبكية يمكن أن يكون طريقةً تكميليةً تسهِّل التشخيص في المناطق النائية التي لا تتوافر فيها الفحوصات التقليدية.

لكن رغم ثبوت تأثير السكري على شبكية العين، هناك مرضى كُثُر لا تتأثر لديهم الشبكية، لأن هذا العرَض يُعدُّ عادةً من المضاعفات المتأخرة للسكري.

يقول سعيد شلبي -أستاذ أمراض الباطنة والكبد بالمركز القومي للبحوث في مصر- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": هناك فحوصات دورية يجب على مريض السكري إجراؤها، ومنها فحوصات العين والكلى والكبد، لكشف مدى تضرُّر الأوعية الدموية في تلك الأعضاء من جرَّاء الإصابة بالمرض، وهناك أعراض تستوجب إجراء تحليل السكري، وهي فقدان الوزن غير محدد الأسباب، وكثرة التبول، والعطش المفرط، خاصةً مَن لديهم استعداد وراثي للسكري، وكلها أعراض تُنبئ بخطر السكري.

لا تهدف الطريقة الجديدة إلى الاستبدال بأساليب التشخيص التقليدية، بل تحسين جودة التشخيص واستكمال عملية اتخاذ القرار لدى الأطباء، خاصةً وأنها قابلة للتكيف والتطبيق في البيئات ذات الموارد المحدودة، ويمكنها تسهيل فحص الأمراض بشكل فعال خارج البيئات السريرية، بما في ذلك المدارس والمكاتب، بالإضافة إلى المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية الكافية للرعاية الصحية، مثل مخيمات اللاجئين والمناطق الريفية.

وأضاف "عَلَم":  من خلال دمج حلنا المدعوم بالذكاء الاصطناعي مع منصات التطبيب عن بُعد، يمكن لمرضى المناطق النائية الاتصال بسلاسة، مما يتيح تشخيصًا سريعًا ودقيقًا للمرض في غضون دقائق وبأقل تكلفة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.50