عاصفة من الجدل أشعلها حصول الذكاء الاصطناعي على اثنتين من جوائز نوبل
14 October 2024
هل من أمل في التعافي من الاكتئاب؟.. الذكاء الاصطناعي يجيب
نشرت بتاريخ 25 يناير 2024
ثمة نمط من أنماط النشاط الدماغي يرتبط بالتعافي من الاكتئاب الحاد.. ويُمكن الاستفادة من هذا النمط في تحسين علاجات الاكتئاب، بالاعتماد مثلًا على التحفيز العميق للدماغ.
يقيس الأطباء ضغط الدم بحثًا عن الآثار الدالة على الإصابة بأمراض القلب، ويفحصون مستويات الإنسولين لمتابعة مرضى السكري. أما في حالة الاكتئاب، فلا يجد الأطباء بديلًا عن الأعراض التي يبلّغهم بها المرضى أنفسهم؛ ما يجعل من الصعب تقييم تأثيرات العلاجات بصورة موضوعية.
وفي محاولة لتجاوز هذا التحدي، اعتمد فريق من الباحثين مؤخرًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي سعيًا إلى اكتشاف إشارة دماغية ترتبط بعملية التعافي من الاكتئاب لدى مرضى خضعوا للعلاج بتقنية التحفيز العميق للدماغ (DBS)، وهي عملية علاجية تنطوي على زرع أقطاب كهربية في الدماغ لنقل نبضات كهربية تُعدّل من النشاط العصبي. وقد أظهر الفريق البحثي نتائج تطبيق هذه التقنية على عشرة أشخاص مصابين بالاكتئاب الحاد في دراسة1 نُشرت في مجلة Nature في العشرين من سبتمبر الماضي.
ويقول بول هولتسهايمر، عالم الأعصاب في كلية طب جيزل بجامعة دارتموث، في مدينة هانوفر بولاية نيو هامبشير الأمريكية، وهو من غير المشاركين في هذا البحث، إن نتائج هذه الدراسة، إنْ أمكَن تكرارها على عيِّنة أكبر، تُعَد "نقطة تحول تفتح الطريق نحو آفاقٍ جديدة لعلاج الاكتئاب".
علاج واعد
رغم كل هذه الجهود الرامية لمعالجة الاكتئاب بتقنية التحفيز العميق للدماغ، فإنها لم تحقق إلا نجاحًا محدودًا حتى اليوم؛ فقد أخفقت تجربتان، وكلتاهما عشوائية ومُحكمة2,3، في تحقيق فوائد ملموسة لهذه التقنية، عند المقارنة بنتائج استخدام عقار وهمي. وتعقيبًا على ذلك، تقول هيلين مايبيرج، وهي طبيبة الأعصاب في كلية طب إيكان في ماونت سيناي في مدينة نيويورك، وإحدى مؤلفي الورقة البحثية المنشورة مجلة Nature، إن إحدى المشكلات التي يواجهونها تتمثل في أن الأطباء لا يملكون سوى الاطلاع على البيانات التي يقدمها المرضى أنفسهم لتقييم ما إذا كانوا بحاجة إلى تعديل جهد التحفيز من عدمه.
كما أضاف تود هيرينجتون، مدير برنامج التحفيز العميق للدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن، وهو من غير المشاركين في البحث أيضًا، أن الأطباء يواجهون صعوبة بالغة في التمييز بين التقلبات المزاجية اليومية التي تحدث بصورة طبيعية، وبين الاكتئاب المرضي، وذلك لاعتمادهم فقط على البيانات التي يقدمها المرضى بأنفسهم.
سعى الفريق البحثي بقيادة مايبيرج وزملائها إلى تطوير جهاز للتحفيز العميق للدماغ للخروج بمقياس أكثر موضوعية لقياس عملية التعافي من الاكتئاب، وقد اشتمل على مستشعرات لقياس نشاط الدماغ، فضلًا عن احتوائه على الأقطاب الكهربية القياسية لتحفيز الدماغ. ففي بادئ الأمر، زرعوا هذا الجهاز في القشرة الحزامية تحت الثفنية – وهي منطقة في الدماغ تلعب دورًا في تنظيم السلوك العاطفي – حيث وقع الاختيار على عشرة مرضى مصابين بالاكتئاب، لم يستجيبوا لأية علاجات.
وبعد 24 أسبوعًا من إجراء التجربة، أظهر تسعة من المشاركين العشرة تحسنًا ملحوظًا في علاج الأعراض، بينما استوفى سبعة منهم معايير التعافي من المرض.
واعتمادًا على تسجيل الإشارات الكهربية الصادرة عن نشاط الدماغ لدى المشاركين عند بدء الدراسة، استخدمت مايبيرج وزملاؤها نموذج ذكاء اصطناعي لتحليل الأنماط الدماغية المرتبطة بالاكتئاب الحاد. كما درّبوا النموذج على الكشف عن الأنماط الدماغية التي ارتبطت بالعلاج الذي حقق نجاحًا، وذلك باستخدام التسجيلات عند انتهاء الدراسة. (ولكن، للأسف، لم يحصل الباحثون على بيانات تسجيلات الدماغ القابلة للاستخدام إلا من ستة مشاركين فقط، بسبب ما وصفته الدراسة بـ"تحديات النموذج الأوّلي للجهاز").
كشف النموذج عن تغير مميَّز في النشاط العصبي، والذي أمكن تمييزه بين الحالتين (الاكتئاب بالمقارنة مع التعافي) بدقة تخطت 90%. وقد ظهرت هذه الإشارة الدماغية المرتبطة بالتعافي عند جميع المشاركين. وأثبتت الدراسة أن أحد المشاركين استجاب استجابةً لا بأس بها للعلاج على مدى أربعة أشهر، ومن ثمَّ تعرَّض للانتكاسة. ولكن بعد مراجعة بيانات تسجيل الإشارات الكهربية الصادرة عن نشاط الدماغ لهذا المشارك، وجد الباحثون أن الإشارة المرتبطة بـ"التعافي" اختفت قبل شهر من الانتكاس. وتقول مايبيرج في هذا الصدد إن هذه البيانات لو توفرت بين يدي الأطباء في أثناء تلقي العلاج، لأمكنهم تغيير نظام التحفيز، وربما عرقلة حدوث الانتكاسة.
ما وراء الأقطاب الكهربية
من المهم ألا يقتصر التحقق من صحة هذه المنهجية على إجراء المزيد من الدراسات على عيّنة أكبر من المرضى، بل يمتد كذلك إلى التعمق في فهم الأسس البيولوجية لماهية ما يمثله النمط الدماغي للتعافي، كما يقول هيرينجتون. وقد بدأ الفريق البحثي بالفعل بقيادة مايبيرج بتجربة نسخة مُحدَّثة من جهاز التحفيز العميق للدماغ على مشاركين آخرين. وصرَّحت مايبيرج قائلةً إنه من الجدير بالذكر أن التصميم الجديد يحظى بموافقة الهيئات التنظيمية الأمريكية، على عكس النماذج الأولية المُستخدمة في البحث، مما سيسهل إجراء المزيد من التجارب إذا تأكدت صحة النتائج.
يقول هولتسهايمر إن هذه النتائج قد تصحَبُها تداعيات تتخطى نطاق تقنية التحفيز العميق للدماغ. فقد لا يُفضل مرضى الاكتئاب الحاد زرع أقطاب كهربية في أدمغتهم. ولكن في حال وجود إشارة دماغية مماثلة، يمكن قياسها بطرق أقل تدخلًا، ربما يكون في الإمكان الاستفادة من هذه النتائج على نطاقٍ أوسع.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.36
1. Alagapan, S. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-023-06541-3 (2023).
2. Holtzheimer, P. E. et al. Lancet Psychiatry 4, 839–849 (2017).
3. Dougherty, D. D. et al. Biol. Psychiatry 78, 240–248 (2015).
تواصل معنا: