مقالات

العالِم السعودي نايف الحربي.. الاستعداد للمجهول

نشرت بتاريخ 23 يناير 2024

شارك "الحربي" في تطوير لقاحات كبرى لمكافحة "متلازمة الشرق الأوسط التنفسية" و"حمى الوادي المتصدع" و"كوفيد-19"

هاني زايد

العالِم السعودي الدكتور نايف الحربي
العالِم السعودي الدكتور نايف الحربي
Naif Al Harby Enlarge image
"اذهب إلى حيث ينتهي بك مد البصر والأفق.. وإذا وصلت إلى هناك فسوف ترى آفاقًا جديدةً أبعد"، لم تكن تلك مجرد كلمات عابرة اقتبسها الدكتور نايف الحربي، بل جزءًا من شخصيته، وهو الذي يُعد أحد أشهر العلماء السعوديين والعرب في علم الفيروسات الطبية وتطوير اللقاحات.

يعمل "الحربي" في الوقت الحالي مديرًا لإدارة طوارئ الصحة العامة في المركز الخليجي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الذي يدعم دول الخليج الست في مجال مكافحة الأمراض المعدية والأوبئة من خلال التقنيات الرقمية ومهارات التقصي والاستشراف الوبائي.

وهو أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة الفيصل، وأكاديمي زائر في جامعة أكسفورد، وشارك في أكثر من 50 دراسة بحثية في دوريات كبرى منها "لانسيت" و"نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين"، وفصول علمية في كتابين علميين، وساهم في براءتي اختراع.

إنجازات متتالية

حصل "الحربي" على بكالوريوس في علم الأحياء الدقيقة الطبي من جامعة القصيم السعودية عام 2006، ثم الماجستير في "علم الأحياء الدقيقة الطبية الجزيئية" من جامعة نوتنجهام عام 2010 عن أطروحةٍ حملت عنوان "تحديد الأجسام المضادة المحايدة على نطاق واسع ضد فيروس التهاب الكبد الوبائي من البشر المصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي".

وفي عام 2015، حصل على درجة الدكتوراة في الطب السريري، وتحديدًا في علم الفيروسات الجزيئية وعلم اللقاحات من "معهد جينر" التابع لجامعة أكسفورد في أطروحة بعنوان "تطوير الفيروسات الجدرية كنواقل للقاحات من خلال الهندسة الوراثية".

يقول "الحربي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يُعَدُّ علم الفيروسات علمًا جديدًا نسبيًّا على مستوى العالم، وخصوصًا في منطقتنا العربية والمملكة العربية السعودية، أما تطوير اللقاحات فهو ذو تاريخ طويل، ولكنه يعتبر شبه بدائي في أغلب الدول، باستثناء ما تفعله الشركات الطبية من تصنيع لقاحات معروفة عالميًّا، سواء في المجال الطبي أو البيطري.

تخصص
تخصص "الحربي" في تقنيات اللقاحات خلال دراسة الدكتوراة دون تحديد لقاح لمرض معين
Enlarge image

ويضيف: من الناحية الأكاديمية، يقتصر تطوير اللقاح في الوطن العربي على بعض الدراسات في مراحل المختبر أو مراحل حيوانات التجارب الصغيرة، ومكَّنتني شهادة الدكتوراة التي حصلت عليها من مركز تطوير اللقاحات في جامعة أكسفورد من العمل على إنشاء فرق بحثية وتكوين معامل بحثية في الشؤون الصحية بالحرس الوطني، بوجود كوادر سعودية، والبدء في عدد من المشروعات لتطوير عدة لقاحات، أهمها لقاح متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ولقاح فيروس حمى الوادي المتصدع ولقاحات كوفيد-19.

الحظ لمَن يستحقه

يقول عالِم الميكروبيولوجيا الفرنسي الشهير لويس باستير: "إن الحظ يذهب لمَن يكون مستعدًّا وجاهزًا"، مثَّلت تلك المقولة ما اعتبره "الحربي" حدثًا تاريخيًّا في مساره العلمي والأكاديمي.

يقول "الحربي": من حسن حظي أنني تخصصت في تقنيات اللقاحات خلال دراسة الدكتوراة دون تحديد لقاح لمرض معين، وحين ظهر فيروس مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية كنت جاهزًا وبدأت العمل على لقاحٍ له.

ويضيف: قبل ذلك، نصحني أحد الأساتذة في جامعة أكسفورد بأن أعمل على لقاحٍ يستهدف مرضًا معينًا، وكان يقول لي: ابحث عن مرض، فأرسلت له رسالة وقلت: جاء المرض إليَّ دون أن أبحث عنه؛ إذ تم اكتشاف متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في عام 2012 في السعودية وقطر وبعض دول الخليج.

عمل "الحربي" على تطوير لقاح لفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وأجرى دراسات على حيوانات الإبل، إضافة إلى دراسات سريرية لا تزال مستمرة، وحينما اجتاح العالم وباء "كوفيد-19"، كان جاهزًا -تقريبًا- للعمل عليه؛ إذ ساعده عمله على لقاح متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وتطويره باستخدام أحدث التقنيات الوراثية إلى حدٍّ كبير، كما أسهمت أعماله السابقة في تسريع تطوير لقاح "كوفيد-19" في جامعة أكسفورد، الذي عُرف فيما بعد بلقاح "أسترازينيكا".

معامل تطوير اللقاحات

يقول "الحربي": ‏يُعتبر مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية في الشؤون الصحية بالحرس الوطني في الرياض أحد أهم المراكز البحثية المتقدمة في المملكة والشرق الأوسط، وساعدنا ذلك في تأسيس معامل لتطوير اللقاحات والحصول على الدعم من الجهات الداعمة، سواء من المركز ذاته أو الجهات الوطنية أو القطاع الخاص، ووصلنا بهذا العمل إلى جميع مراحل تطوير اللقاحات من تجارب المعمل وتجارب الحيوانات الصغيرة كالفئران والكبيرة كالإبل، وكذلك الدراسات السريرية على البشر.

يرى
يرى "الحربي" أن تطوير اللقاحات يعتبر شبه بدائي في أغلب الدول

Enlarge image

ويضيف: أصبح الآن ممكنًا البدء بأي لقاح في ظل التجهيزات الفنية والخبرات الموجودة في المركز، ومعامل المستوى الثالث للسلامة، وبيوت حيوانات التجارب وأجنحة الدراسات السريرية المتوافرة فيه.

اهتمام مبكر بالعلوم

اهتم "الحربي" بالعلوم والآداب في وقت مبكر من حياته، واهتم بالقراءة في مجالات متنوعة، وكان لوالديه أثرٌ كبيرٌ في تشكيل شخصيته وتزويده بروح الإصرار والجدية.

يقول "الحربي": دعمني والداي معنويًّا وعلميًّا، وكان اهتمام أبي بالكتب وجمعها سببًا في اهتمامي بفكرة المكتبة، فبدأت أقرأ في كتب الأدب العربي والتاريخ والسير، مما أكسبني شخصيةً جادةً محبةً للمثابرة؛ فعلى سبيل المثال، لقد أعدت اختبار اللغة الإنجليزية للالتحاق بجامعة أكسفورد عشر مرات خلال خمسة أشهر حتى قُبلت فيها.

وعن اهتمامه بعلم الفيروسات وتطوير اللقاح، يقول "الحربي": بدأ هذا الاهتمام من خلال أساتذتي في الجامعة، الذين شرحوا هذا العلم بطريقة سلسة ومحببة، وقتها ظهر وباء فيروس "سارس الأول" الذي انتشر في الصين عام 2001، حينئذٍ، بدأ شغفي بهذا العالم الخفي المبني على اكتشاف المجهول بطريقةٍ غير مرئية، مما يفتح آفاق الخيال ويجعلك تبحث عن الأمثلة التي من خلالها تفهم أو تشرح طبيعة الفيروسات وتشكُّلها ومحاربتها.

الملك فيصل ملهمًا

‏يؤمن "الحربي" بأن الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز كان من أكثر الشخصيات الملهمة له، مضيفًا: كان الملك فيصل من الشخصيات الملهمة حقًّا، لقد تعلمت من قصته أن النجاح يولد ويتحقق بالإرادة والإصرار والجد والتخطيط، وكذلك الثبات في أوقات التقلبات والتغيرات المحيطة والخارجية.

عمل
عمل "الحربي" على تطوير لقاح للفيروس المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية
Enlarge image

وعلى المستوى القريب من دائرته، يقول "الحربي": كان أستاذي في الجامعة الدكتور سليمان الثنيان مصدرَ إلهامٍ بالنسبة لي؛ لما عاشه من حياة صعبة لم تمنعه من النجاح والدراسة في عمرٍ متأخر، وهناك أيضًا الدكتورة حنان بلخي، التي مثلت بالنسبة لي زميلًا ومثالًا حيًّا على الإصرار والمهنية وتجنُّب كل ما يشغل الإنسان عن الاهتمام بمشروعه العلمي والمهني، ولا أنسى أساتذتي في جامعة أكسفورد الذين كان لهم أثرٌ في تشكيل الطرق الذهنية العلمية لديَّ.

ويشارك "الحربي" في الأنشطة الاجتماعية العلمية؛ إذ قام في مرحلة من المراحل بكتابة مدونات عن بعض الاكتشافات العلمية الذكية، وشكَّل دوريات ومجالس ثقافية تشجع الشباب على تتبُّع العلوم ودراستها.

يقول "الحربي": وجدت من خلال مؤسسة موهبة فرصة مناسبة لتشجيع النشء في المرحلة المتوسطة والثانوية على البحث العلمي الصحيح، وما زلت أعمل مع مؤسسة موهبة في دعم الطلاب من خلال الأولمبياد العلمي السنوي، وعلى مدى أكثر من خمس سنوات، كانت تلك التجربة ملهمةً لي، وقد كتبت مقالةً تلخص تجربتي مع مؤسسة موهبة وتشجع الطلاب الصغار على طلب العلم.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.34