مقالات

نوبل الكيمياء عامَ 1947.. سرُّ الخشخاش

نشرت بتاريخ 9 يناير 2024

 بدأَ المصريونَ القدماءُ في استكشافِ الخصائصِ الطبيةِ لتلكَ النباتات. لمْ يعرفُوا وقتَها أنَّ الخشخاشَ يحتوي على فئةٍ منَ المركباتِ العضويةِ التي تُعرفُ اليومَ باسمِ القلويداتِ والتي يُمكنُها أن تعالجَ مجموعةً واسعةً منَ الأمراض.

محمد منصور

للأستماع للحلقة أضغط على هذا الرابط

Enlarge image
في عامِ ثلاثةِ آلافٍ وأربعِمئةٍ قبلَ الميلاد؛ زرعَ سكانُ جنوبِ غربِ آسيا الخشخاشَ ونقلُوه إلى السومريينَ الذينَ أطلقُوا عليهِ اسمَ "نباتِ الفرح". سرعانَ ما نقلَه السومريونَ إلى الآشوريينَ؛ الذينَ نقلُوه بدورِهم إلى المصريين.

بدأَ المصريونَ القدماءُ في استكشافِ الخصائصِ الطبيةِ لتلكَ النباتات. لمْ يعرفُوا وقتَها أنَّ الخشخاشَ يحتوي على فئةٍ منَ المركباتِ العضويةِ التي تُعرفُ اليومَ باسمِ القلويداتِ والتي يُمكنُها أن تعالجَ مجموعةً واسعةً منَ الأمراض.

ظلَّ البحثُ عنْ سرِّ تمكُّنِ منتجاتِ الخشخاشِ منْ معالجةِ الألمِ ممتدًّا لفترةٍ طويلةٍ قُدرتْ بأكثرَ منْ خمسةِ آلافِ عام، وخلالَ القرنِ التاسعَ عشَرَ، بدأَ العلماءُ في تعلُّمِ كيفيةِ عزلِ الموادِّ الفعالةِ في تلكَ النباتات، القلويدات، وكانَ التحقيقُ في كيميائياتِها مستمرًّا باهتمامٍ بلا هوادة. سرعانَ ما وجدَ العلماءُ أنَّ هذهِ القلوياتِ عادةً ما تكونُ معقدةً للغايةِ في التركيب؛ إذْ يحتوي جزيءُ المورفينِ على أربعينَ ذرة، ولكلٍّ منها مكانُها المحددُ بالنسبةِ للذراتِ الأُخرى... لمْ يستطعِ العلماءُ فهمَ البنيةِ العضويةِ المعقدةِ للقلويداتِ طيلةَ عقود.

حتى كشفَ السير "روبرت روبنسون" عنِ السرِّ المخبأِ في أوراقِ الخشخاش؛ وغيرِها منَ النباتاتِ التي تحتوي على القلويدات. ليحصلَ على جائزةِ نوبل الكيمياءِ لعامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وأربعينَ بعدَ أنْ تمكنَ منْ كشفِ الهياكلِ الكيميائيةِ للعديدِ منْ هذهِ القلويدات، بما في ذلكَ المورفين والإستركنين، بلْ وقامَ أيضًا بتصنيعِ العديدِ منها منْ موادَّ بسيطة.

لكنْ.. ما هيَ القلويدات؟ وما هيَ أهميتُها؟

 القلويداتُ هيَ مركباتٌ نشطةٌ بيولوجيًّا تُوجدُ في النباتات. تُظهِرُ نشاطًا دوائيًّا كبيرًا وتمَّ استخدامُها في الطبِّ التقليديِّ لعدةِ قرون. منْ خلالِ دراسةِ هيكلِها وتركيبِها الحيوي، يمكنُ للعلماءِ اكتسابُ نظرةٍ ثاقبةٍ على خصائصِها العلاجية، وآلياتِ عملِها. ساهمتِ اكتشافاتُ "روبنسون" في اكتشافِ عقاقيرَ جديدةٍ وتطويرِ علاجاتٍ أكثرَ فاعليةً لمختلِفِ الأمراضِ ترتكزُ على القلويدات.

فمنْ خلالِ فهمِ هياكلِها ومساراتِ التخليقِ الحيوي، تمكنَ الباحثونَ منْ تعديلِ القلويداتِ وتحسينِها لإنشاءِ مرشحاتٍ جديدةٍ للأدويةِ ذاتِ الفاعليةِ المحسّنةِ أوِ الآثارِ الجانبيةِ المنخفضة.

ولأنَّ القلويداتِ تؤدي أدوارًا متنوعةً في النباتات، وغالبًا ما تكونُ بمنزلةِ دفاعاتٍ كيميائيةٍ ضدَّ الحيواناتِ العاشبةِ أوْ مسبباتِ الأمراضِ أوِ الكائناتِ الحيةِ المنافسة؛ وفرَ اكتشافُ بنيتِها الكيميائيةِ دراسةَ آلياتِ التخليقِ الحيويِّ وتوزيعِ القلويداتِ عبرَ أنواعٍ نباتيةٍ مختلفةٍ نظرةً ثاقبةً على العلاقاتِ التطوريةِ بينَ الكائناتِ الحيةِ وتكيُّفِها معَ البيئة. ما ألقى بالضوءِ على التفاعُلاتِ البيئيةِ بينَ النباتاتِ والحيواناتِ والكائناتِ الحيةِ الدقيقة.

 ولمْ يكنِ اكتشافُ هياكلِ القلويداتِ إنجازَ "روبنسون" الوحيد.

 إذْ تشملُ المعالمُ البارزةُ الأخرى في مسيرةِ روبنسون اللامعةِ في الكيمياءِ العضويةِ توليفًا كاملًا للأصباغِ الحمراءِ والزرقاءِ المعقدةِ في الزهورِ والفواكهِ منْ موادَّ كيميائيةٍ أبسط، وربطَ بنيتِها بلونِها.

 كما كانَ روبنسون رائدًا في العملِ على تصنيعِ هرموناتٍ جنسيةٍ ثانوية، وخلقِ نسخٍ تركيبيةٍ منْ أدويةِ البنسلين والملاريا. كما أجابَ عنِ الأسئلةِ الأساسيةِ المتعلقةِ بالطريقةِ التي تغيرُ بها الإلكتروناتُ سالبةُ الشحنةِ ترتيبَها حولَ الذراتِ في أثناءِ التفاعلاتِ العضوية.

وُلدَ السير "روبرت روبنسون" في الثالثَ عشَرَ منْ سبتمبر عامَ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وستةٍ وثمانينَ في مزرعةِ روفورد بالقربِ منْ ديربيشاير، المملكة المتحدة، كانَ والدُه "ويليام برادبري روبنسون" ووالدتُه كانتْ "جين دافنبورت" التي كانتِ الزوجةَ الثانيةَ لوليام.

 وقدْ كانَ لوالدِه عشَرةُ أطفالٍ منْ زواجِه الأولِ بينَما كانَ روبرت أكبرَ الأطفالِ الخمسةِ منْ زواجِ والدِه الثاني.

 التحقَ أولًا بمدرسةِ روضةِ أطفالٍ في بلدةٍ بالقربِ منْ تشيسترفيلد. ثمَّ التحقَ "بمدرسةِ تشيسترفيلد النحوية" حيثُ أظهرَ اهتمامَه بالرياضياتِ لأولِ مرة.

 وعندما كانَ في الثانيةَ عشْرةَ منْ عمرِه، التحقَ "بمدرسةِ فولنيك" وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ ذهبَ إلى "جامعةِ مانشستر" لدراسةِ الكيمياءِ حيثُ كانَ هناكَ طلبٌ كبيرٌ على الكيميائيينَ في صناعةِ النسيج.

في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ تخرجَ بتفوقٍ معَ مرتبةِ الشرفِ في الكيمياءِ منْ "جامعةِ مانشستر".

 بعدَ التخرجِ التحقَ بقسمِ الكيمياءِ العضويةِ الذي كانَ يُديرُه وقتَها عالِمُ الكيمياءِ الكبيرُ ويليام إتش بيركين.

 كانَ السير روبرت متسلقًا متحمسًا للجبال، إذْ تسلقَ جبالَ الألبِ كما كانَ لاعبَ شطرنجٍ متحمسًا ورئيسًا للاتحادِ البريطانيِّ للشطرنجِ في الفترةِ ما بينَ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسينَ وعامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وخمسينَ، كما كانَ محبًّا للتصويرِ الفوتوغرافيِّ والموسيقى.

في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنَي عشَرَ، تمَّ تعيينُه أستاذًا للكيمياءِ العضويةِ البحتةِ والتطبيقيةِ في جامعةِ سيدني. ثمَّ عادَ إلى بريطانيا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةَ عشَرَ لتولِّي كرسيِّ الكيمياءِ العضويةِ في جامعةِ ليفربول حتى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وعشرينَ عندَما قبِلَ التعيينَ مديرًا للبحوثِ في شركةِ الصبغاتِ البريطانية.

بعدَ عامٍ واحد، أصبحَ أستاذًا للكيمياءِ في سانت أندروز، وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وعشرينَ تولى رئاسةَ قسمِ الكيمياءِ العضويةِ في جامعةِ مانشستر حتى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وعشرينَ عندما قبِلَ منصبًا مشابهًا في جامعةِ لندن.

وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثينَ، تمَّ تعيينُه أستاذًا في جامعةِ أكسفورد، حيثُ ظلَّ حتى تقاعدِه في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وخمسينَ وكانَ مديرًا لشركةِ شل للكيماوياتِ ومستشارًا كيميائيًّا منذُ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وخمسين.

كانَ السير "روبنسون" عضوًا في أكثرَ منْ ثلاثينَ لجنةً حكوميةً ورئيسًا لبعضِها. كما كانَ مندوبًا منَ المملكةِ المتحدةِ إلى المؤتمرِ الأولِ لليونسكو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وأربعين. ومُنحَ وسامَ فارسٍ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وثلاثينَ ووسامَ الاستحقاقِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وأربعين.

 في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنَي عشَرَ، تزوجَ "جيرترود مود والش" التي كانتْ وقتَها طالبةً في جامعةِ مانشستر. تعاونُوا في العديدِ منْ مجالاتِ البحثِ الكيميائي. توفيتْ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وخمسينَ. كانَ لديهِم ابنٌ وابنةٌ واحدة. في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وخمسينَ، تزوجَ مرةً أخرى "ستيرن سيلفيا هيلستروم" منْ نيويورك.

 توفيَ السير روبرت روبنسون في الثامنِ منْ فبراير عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وسبعينَ في لندن عنْ عمرٍ ناهزَ ثمانيةً وثمانينَ عامًا.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.15