أخبار

آلية جديدة لإعادة توجيه أدوية مُعتمدة لمكافحة "كوفيد-19"

نشرت بتاريخ 7 يونيو 2023

إستراتيجية إعادة توجيه الأدوية قد تُسفر عن علاجات آمنة وفعالة وملائمة من حيث الوقت والتكلفة

محمد السيد علي

Intellec7 Enlarge image
"لا يمكننا نسيان محارق النار، لا يمكننا نسيان القبور التي تم حفرها، لن ينسى أيٌّ منا ضحايا الجائحة"، بتلك الكلمات لخصت "ماريا فان كيركوف" -رئيسة وحدة الأمراض الناشئة والأمراض حيوانية المصدر في منظمة الصحة العالمية- انتهاء حالة طوارئ جائحة "كوفيد-19".

فعلى الرغم من إعلان منظمة الصحة العالمية انتهاء حالة طوارئ جائحة "كوفيد-19"، إلا أنها أكدت -في الوقت ذاته- أن خطر ظهور متحورات جديدة للفيروس المسبب للمرض لا يزال قائمًا.

وبعد أشهر من اندلاع الجائحة في ديسمبر 2019، وقبل التوصل إلى لقاحات أو علاجات لمواجهتها، مثّلت إستراتيجية إعادة توجيه الأدوية المُعتمدة بالفعل لأمراض مماثلة، إحدى أبرز الإستراتيجيات العلاجية التي استعانت بها الأنظمة الصحية لمواجهة تداعيات "كوفيد-19"، في ظل حدوث حالات غير مسبوقة من الإصابات والوفيات.

وأسفرت الجهود غير المسبوقة من قِبل المجتمع العلمي عن عدد من العلاجات المضادة للفيروسات المتاحة عن طريق الفم والمعتمدة، منها عقار "باكسلوفيد" الذي أجازته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للاستخدام الطارئ كأول دواء مضاد لكورونا عن طريق الفم لعلاج "كوفيد-19" الخفيف إلى المتوسط.

وعلى الرغم من فاعلية "باكسلوفيد"، فإنه قد لا يلائم جميع المرضى بسبب عدد من التفاعلات مع العديد من الأدوية التي يمكن أن تؤدي إلى آثار ضارة خطيرة.

وفي هذا الاتجاه، أجرى فريق بحثي بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة لاستكشاف إمكانية إيجاد علاجات أكثر فاعليةً لـ"كوفيد-19"، وفق إستراتيجية إعادة توجيه الأدوية.

الفريق قاده محمود سلامة، الأستاذ المساعد بكلية الصيدلة بجامعة تكساس التقنية للعلوم الصحية، وهشام صادق، أستاذ أمراض القلب والبيولوجيا الجزئية والفيزياء الحيوية، بالمشاركة مع جون شوجينز، أستاذ المناعة المشارك بجامعة جنوب غرب تكساس الأمريكية.

وتوصل الفريق في دراسة نشرتها دورية "بيوميديسن فارماكوثيرابي" إلى آلية محتملة يمكن أن تجعل عقارين معتمدين بالفعل مرشحين واعدين لإعادة توجيههما لمكافحة الفيروس المسبب للوباء.

يقول "سلامة" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": لقاحات "كوفيد-19" المتوافرة بالفعل قد لا تمنح حمايةً كاملةً للأشخاص، نتيجة الطفرات السريعة والمستمرة للفيروس، لذلك ما زال البحث جاريًا عن علاجات جديدة للمرض.

ويضيف: إستراتيجية إعادة توجيه الأدوية المُعتمدة بالفعل لاستحداث علاجات جديدة قد تسفر عن علاجات آمنة وفعالة، وملائمة من حيث الوقت والتكلفة.

ودلّل على ذلك بدراسة كشفت أن رحلة إنتاج دواء جديد بدايةً من مركب كيميائي إلى حصوله على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية يمكن أن تستغرق من 10 إلى 15 عامًا، وتتكلف حوالي 2870 مليون دولار، في حين ذكرت دراسة أخرى أن إعادة توجيه دواء معتمد بالفعل يمكن أن تتكلف حوالي 300 مليون دولار ويستغرق الدواء من 5 إلى 6 سنوات لاعتماده.

أدوية مستهدفة

تقوم إستراتيجية إعادة توجيه الأدوية فيما يتعلق بـ"كوفيد-19" على اختيار علاجات مُعتمدة يمكن لتركيبتها الكيميائية استهداف مستقبلات أو إنزيمات الفيروس المسبب للمرض أو العوامل المضيفة اللازمة لتكاثر الفيروس في الخلية في أثناء فترة الإصابة، وبالتالي يمكن استخدام هذه التركيبة في تطوير أدوية جديدة للمرض.

وبدأ الفريق إستراتيجيته تلك في مارس 2020، ومن بين 10 أدوية مُرشحة بالفعل لهذا الغرض، أثبتت الاختبارات التي أجراها الباحثون على مستوى الخلية أن عقارين واعدين فقط مرشحان لإعادة استخدام تركيبتهما الكيميائية لاستهداف الفيروس، هما "أتوفاكوين" المضاد للملاريا، و"ميبيندازول" المضاد لديدان البلهارسيا.

وأجرى الباحثون اختبارات أخرى لرصد تأثير هذين العقارين على مستوى المُستقبل المسؤول عن تكاثر الفيروس، وتوصلوا إلى آلية جديدة يمكنهم من خلالها استهداف الخلايا المستضيفة للفيروس، وليس الفيروس نفسه، وبالتالي تقليل تداعياته على الجسم.

وعادةً يحتاج المُستقبِل المسؤول عن تكاثر الفيروس بالجسم إلى 3 إنزيمات ضرورية لإكمال مهمته، أحدها إنزيم "إم برو" Mpro، وعند التأثير على هذا الإنزيم، فإن ذلك يؤدي إلى وقف تكاثر الفيروس ومنعه من تكوين معدلات كافية للعيش داخل الخلية، وركز الباحثون على استهداف "إم برو"، وهو الإنزيم ذاته الذي يستهدفه أيضًا عقار "باكسلوفيد" المعتمد لعلاج كورونا.

وفي بداية التجربة، ركز الفريق رصد تأثير عقاري "أتوفاكوين" و"ميبيندازول" على تثبيط إنزيم "إم برو"، ورغم أنهم وجدوا أن "ميبيندازول" يؤدي بالفعل إلى تثبيط إنزيم "إم برو"، فقد وجدوا أن تأثير "أتوفاكوين" كان متواضعًا.

آلية جديدة

وقادت هذه التجربة الباحثين إلى اكتشاف آلية جديدة يمكن من خلالها لعقار "أتوفاكوين" أن يقلل انتشار الفيروس في الجسم، وذلك عبر تأثيره على الخلايا المستضيفة للفيروس، وليس الفيروس ذاته كما يفعل عقار "ميبيندازول".

يقول "سلامة": يحتاج الفيروس المسبب لـ"كوفيد-19" إلى الخلية كعائل من أجل التكاثر والانتشار، لكن عقار "أتوفاكوين" تمكن من إيقاف تكاثر الفيروس، ورغم توافر اللقاحات الواقية من العدوى، فإن هناك تبعات خطيرة تحدث نتيجة الإصابة بـ"كوفيد-19"، أبرزها الجلطات والتأثيرات على مستوى الرئتين، ويُعد استهداف الفيروس على مستوى الخلايا المضيفة له إستراتيجيةً فعالةً لتقليل خطورة هذه التبعات على أجهزة الجسم المختلفة.

ويقول أيمن فرج -الأستاذ المساعد بقسم الكيمياء الصيدلية بجامعة الأهرام الكندية في مصر، والمشارك في الدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": لا توجد ضمانات لعدم عودة المرض للانتشار مجددًا، في ظل تحورات عانى منها الفيروس على عدة مستويات، وبالتالي يمكن أن نُفاجأ بأن الأدوية المتوافرة حاليًّا لا تؤثر على تلك التحورات.

ويضيف: أحد أبرز أهداف نهج إعادة توجيه الأدوية لمواجهة "كوفيد-19" يتمثل في ضرورة إيجاد خيارات علاجية جديدة وفق آليات جديدة، تساعد على تقليل الآثار الجانبية المصاحبة للعدوى.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.80