أخبار

تداعيات سوء التغذية تطارد أبناء الفقراء والأغنياء في أفريقيا

نشرت بتاريخ 18 مايو 2023

لا تقتصر مظاهر سوء التغذية على التقزم والسمنة ونقص الوزن.. بل تمتد لتشمل الأنيميا والكُساح ونقص الكالسيوم وهشاشة العظام

محمد السيد علي

Victor Nnakwe on Unsplash
يعتبر سوء تغذية الأطفال أحد أكبر التحديات التي تواجه الأنظمة الصحية، وتعوق تحقيق هدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، للقضاء على جميع أشكال الجوع وسوء التغذية حول العالم بحلول 2030.

ويُعد نقص التغذية (التقزُّم والهزال) وزيادة الوزن والسمنة من أبرز أشكال سوء تغذية الأطفال التي تمثل عبئًا مزدوجًا يتم تقييمه بشكل عام على مستوى سكان العالم؛ لارتباطه بالظروف الاجتماعية والاقتصادية للسكان. 

وتعاني منطقة شرق وجنوب أفريقيا من العبء الأكبر لتقزُّم الطفولة وأحد أعلى أعباء زيادة الوزن لدى الأطفال دون سن الخامسة في أفريقيا؛ إذ يبلغ معدل انتشار التقزم 34.5٪ في شرق أفريقيا، أما زيادة الوزن -متضمنةً السمنة- فتنتشر بنسبة 10.2٪ في جنوب أفريقيا، وبشكل عام، يبلغ معدل انتشار التقزم في أفريقيا 29.1٪ وزيادة الوزن بما في ذلك السمنة 4.7٪.

وكشفت دراسة حديثة، أجراها فريقٌ من عدة جامعات بريطانية ونشرتها دورية "بلوس جلوبال بابليك هيلث"، أن سوء التغذية لدى الأطفال يمثل عبئًا مزدوجًا يستهدف الأُسر الغنية والفقيرة على حدٍّ سواء، لكن شكله يختلف وفق الحالة الاقتصادية والمنطقة التي يقطنها مَن يعانون منه.

وأوضحت الدراسة أن العدد الأكبر من الأطفال الذين يعانون من التقزُّم والهزال يعيشون بين الأسر الفقيرة بالمناطق الريفية في شرق وجنوب أفريقيا، في حين يعيش معظم الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن بين الأُسر الغنية، وفي المنازل الحضرية.

يوضح ريشي كالياتشيتي -الأستاذ المساعد بقسم العلوم الصحية بكلية الطب في جامعة وارويك البريطانية، والباحث المشارك في الدراسة- أن "انتشار التقزُّم والهزال كان أعلى بين الأطفال الذين يعيشون في أفقر الأُسر، مع أمهات حاصلات على أدنى مستوى تعليمي وفي المناطق الريفية، وكان انتشار زيادة الوزن أعلى بين الأطفال الذين يعيشون في أغنى الأُسر بالمناطق الحضرية، مع أمهات لديهن مستوى تعليمي أعلى".

يقول كالياتشيتي في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": سلطت نتائج الدراسة الضوء على حجم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية للعبء المزدوج لسوء التغذية بين المناطق الحضرية والريفية بين الأطفال دون سن الخامسة في المنطقة، ويمثل رصد حالات عدم المساواة في سوء التغذية لدى الأطفال جزءًا أساسيًّا من مبادرات الصحة العامة على المستوى الإقليمي، وذلك مفيد لرصد السياسات والبرامج والممارسات القائمة على مبدأ الإنصاف في الصحة.

تفاوت عبء سوء التغذية

ركّزت الدراسة على إجراء تقييم شامل للتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية في مستوى السكان للعبء المزدوج لسوء تغذية الأطفال دون سن الخامسة، خاصةً في المناطق الحضرية والريفية.

ورصد الباحثون معدلات سوء التغذية في 13 دولة بجنوب شرق وجنوب أفريقيا، هي جزر القمر وإسواتيني وكينيا وليسوتو وملاوي وموزمبيق وناميبيا ورواندا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وأوغندا وزامبيا وزيمبابوي، واستخدم الباحثون مسوحًا أُسريةً تمثيليةً على المستوى الوطني، بين عامي 2006 و2018 بمشاركة 72 ألفًا و231 طفلًا دون سن الخامسة.

وأثبتت النتائج أن معدل انتشار التقزُّم تراوح من 22.3٪ في ناميبيا إلى 42.8٪ في موزمبيق، بينما تفاوت انتشار الهزال من 2.3٪ في رواندا إلى 11.7٪ في جزر القمر، وتراوح انتشار زيادة الوزن بما في ذلك السمنة من 3.7٪ في تنزانيا إلى 13.5٪ في جنوب أفريقيا.

وأكد الباحثون أهمية استهداف صانعي السياسات لفئات معينة من السكان المعرضين لسوء تغذية الأطفال، لتجنُّب المزيد من اتساع التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والتفاوتات بين المناطق الحضرية والريفية.

يقول "كالياتشيتي": وجود عبء مزدوج لسوء التغذية يعكس التحديات المستمرة في المنطقة مع انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي والأمراض المعدية والجفاف والفيضانات والصراع، بالإضافة إلى وجود البيئة المسببة للسمنة التي تدفعها العولمة والتوسع الحضري السريع.

السر في أنماط الأغذية

من جهته، يشير مجدي نزيه -استشاري التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية في مصر- إلى أن مظاهر سوء التغذية لا تقتصر على التقزم وزيادة الوزن ونقصه، لكنها تمتد لتشمل الأنيميا والكُساح ونقص الكالسيوم وهشاشة العظام، وذلك وفق افتقار الشخص إلى التغذية السليمة التي تزود جسمه بالعناصر الغذائية المهمة للوقاية من العديد من الأمراض، ويكون ذلك لدى الصغار والكبار على حدٍّ سواء.

وفي تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست"، أرجع "نزيه" انتشار معدلات سوء التغذية إلى عوامل، أبرزها الاستبدال بأنماط الأغذية التقليدية لمجتمعاتنا التي تعيش فيها، إذ حلت محلها الأغذية المُستحدثة والمُستوردة من مجتمعات أخرى، وعلى رأسها الوجبات السريعة، والأغذية المُصنّعة والمعالجة، وتفضيل الأطفال لأغذية بعينها على حساب أخرى، ما يجعلهم لا يحصلون على العناصر الأساسية التي تحتاج إليها أجسامهم يوميًّا.

ويضيف: لا بد أن تُحافظ كل بيئة على نوعية الأكل التقليدي الذي تشتهر به؛ فعلى سبيل المثال، تعتمد ثقافتنا في منطقة الشرق الأوسط منذ القدم على تحضير الطعام عبر السلق والخبز والشوي، وهي طرق تناسب درجة حرارة بيئتنا المُرتفعة، في حين تعتمد طرق الطهي الغربية على القلي، ونسب الدهون المرتفعة، وهي طرق تناسب درجة الحرارة المنخفضة هناك، لذلك فهي لا تناسب بيئتنا ولا تتسق مع ثقافتنا الغذائية، وبجانب تسبُّبها في سوء التغذية، فإنها تزيد من فرص الإصابة بأمراض على رأسها السمنة والقلب والأوعية الدموية.

ولتلافي الإصابة بسوء التغذية، ينصح "نزيه" بتناوُل وجبة متوازنة تحتوي على 3 عناصر أساسية يحتاج إليها الجسم، ويتمثل العنصر الأول في النشويات كالخبز والمكرونة والأرز والعجائن أو الدهون، وثاني العناصر هو البروتين بمصادره المختلفة النباتية والحيوانية، والعنصر الثالث هو الأغذية التي تحتوي على الفيتامينات والألياف والمعادن الضرورية للجسم، وهذه يمكن الحصول عليها عبر تناوُل طبق سلطة خضراء يحتوي على 5 ألوان فأكثر، وفق المتاح في المنزل.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.56