مقالات

الطاقة الشمسية تساعد المنطقة العربية على مواجهة الشح المائي

نشرت بتاريخ 7 ديسمبر 2023

11 دولة عربية منها مصر والأردن والإمارات والسعودية والعراق ضمن الدول الـ25 الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي على مستوى العالم

محمد السعيد

رسم تخطيطي لدورة حصاد المياه في الغلاف الجوي في أثناء النهار
رسم تخطيطي لدورة حصاد المياه في الغلاف الجوي في أثناء النهار
Wang Ruzhu Enlarge image
يعيش أكثر من 2.2 مليار شخص حاليًّا في بلدان تعاني من الشح المائي، في حين يلقى 3.5 ملايين شخص حتفهم سنويًّا بسبب أمراض مرتبطة بالمياه.

 

وتقع بلدان المنطقة العربية في قلب الصحراء الكبرى، وهي من أعلى مناطق العالم معاناةً من الإجهاد المائي، لكنها أيضًا من بين أكثر الأماكن المشمسة حول العالم، ما يؤهلها لاستغلال الطاقة الشمسية الوفيرة لتحسين قدراتها في مواجهة التهديدات المرتبطة بالإجهاد المائي.

 

ووفق دراسة جديدة، طور باحثون من جامعة "شنغهاي جياو تونج" الصينية تقنيةً جديدةً لحصاد المياه من الغلاف الجوي تعمل بالطاقة الشمسية.

 

ويرى مؤلفو الدراسة التي نشرتها مجلة " أبلايد فيزيكس ريفيو" (Applied Physics Review) أن "هذه التقنية تُسهم في توفير ما يكفي من مياه الشرب للناس للبقاء على قيد الحياة في المناطق الجافة الصعبة".

 

توضح الدراسة أنه يمكن استخدام تقنية حصاد المياه -الموجودة بشكل طبيعي في الهواء- لتوفير الاحتياجات اليومية من إمدادات المياه مثل مياه الشرب، وللأغراض المنزلية الأخرى، والمياه المستخدمة في الصناعة.

 

الهلاميات المائية 

 

تاريخيًّا، واجه الباحثون تحدياتٍ عند حَقن الملح في الهلاميات المائية؛ إذ يقلل المحتوى العالي من الملح قدرة التضخم في الهلاميات المائية بسبب تأثير التمليح، ويؤدي إلى تسرب الملح وانخفاض قدرة امتصاص الماء.

 

يشير شيانج شانجي -الباحث في معهد علم التبريد في جامعة شنغهاي جياو تونغ، والمؤلف الرئيسي للدراسة- إلى أنه "تم تصنيع مادة ماصة في صورة هلام (جل) فائق الاسترطاب باستخدام مشتقات الأملاح النباتية والأملاح الاسترطابية لتحقيق حَقن ملح عالٍ بشكل غير مسبوق.

 

يقول "شانجي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": أتاح لنا ذلك مشاهدة هذا "الهيدرو-جل" القادر على امتصاص كمية لا مثيل لها من الماء والاحتفاظ بها للحصول على أعلى عائد من حصاد المياه من الغلاف الجوي باستخدام جهاز تجميع المياه. 

 

ويضيف: "كيلوجرام واحد من الهلام الجاف يمكنه امتصاص 1.18 كيلوجرام من الماء في البيئات الجوية القاحلة، و6.4 كيلوجرامات في البيئات الجوية الرطبة".

 

والهلاميات المائية هي مواد بوليمرية رقيقة ولينة ذات هيكل ثلاثي الأبعاد، ويزداد حجمها في الماء مع الحفاظ على هيكلها الخاص، وتعتبر هذه البوليمرات مواد ديناميكية مرنة وغير ضارة على الأنسجة الحية، كما أنها قابلة للتحلل الحيوي وقادرة على احتواء كميات كبيرة من المياه.

 

كعكة سحرية

 

يشرح "شانجي" الكيفية التي أنتج الفريق بها الجل أو الهلام قائلًا: صنعنا كعكة "كوكيز" سحرية تحتوي على عدد كبير من الثقوب المصممة لاحتواء كميات كبيرة من الماء مثل الإسفنجة، ويتم انتزاع محتوى الماء الرطوبي من الغلاف الجوي بواسطة هذه الكوكيز الإسفنجية.

 

باستخدام هذه التقنية، تمكن الباحثون من تسخين "الكعكة" لامتصاص محتوى الماء الذي يمكن بالتالي تكثيفه في مكثف، ومن ثم يمكن الحصول على مياه صالحة للشرب في الصحراء، وفق الدراسة. 

 

يقول "شانجي": من السهل تحضير هذه الكعكة، ولا يتطلب صنعها أدوات محددة، ويمكن صنعها حتى في المطبخ المنزلي، ويتم خفق المادة الأولية في رغوة، ثم خَبزها، ولا تزيد تكلفة تحضيرها على نطاق واسع عن 15 دولارًا للكيلوجرام الواحد.

 

إجهاد مائي

 

يحذر تقرير أعده معهد الموارد العالمية من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقع ضمن أكثر المناطق معاناةً من الإجهاد المائي.

 

وكانت الدول الخمس الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي هي: البحرين، وقبرص، والكويت، ولبنان، وسلطنة عمان، وقطر.

 

كما وقعت مصر، والأردن، وليبيا، والإمارات، وفلسطين، واليمن، والجزائر، والمغرب، والسعودية، وتونس، والعراق ضمن الدول الـ25 الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي على مستوى العالم.

الـ25 دولة الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي على مستوى العالم باللون الأحمر
الـ25 دولة الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي على مستوى العالم باللون الأحمر

Wri.org/aqueduct/ CC BY 4.0 DEED Enlarge image

 

وتعتقد "أليسا أوفت" -باحثة الدكتوراة في حوكمة المياه في معهد دلفت للمياه في هولندا- أن هناك عدة أسباب وراء الإجهاد المائي، بما في ذلك التوزيع المكاني لمصادر المياه السطحية والجوفية، وتغير المناخ الذي يؤثر على أنماط الطقس مثل الجفاف والفيضانات، وعدم كفاية البنية التحتية لمعالجة المياه أو سوء توزيعها، وسوء الإدارة التي تمكِّن البعض من الاستخدام غير المستدام للمياه. 

 

تقول "أليسا" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": من أهم أسباب تفاقُم الإجهاد المائي الصراعات المسلحة والهجرة التي يمكن أن تؤثر على حقوق المياه، والوصول إلى مرافق المياه وتشغيلها وصيانتها، والاعتماد على الموارد الطبيعية التي يمكن أن تحد من الأمن الغذائي وسبل العيش.

 

ثروة شمسية عربية 

 

تمثل الصحاري أكثر من 80% من مساحة الوطن العربي، وتتصف هذه المناطق بانخفاض إجمالي كميات التساقط السنوي من الأمطار، والتي لا تتعدى في المتوسط العام 200 ملليمتر، مما يضعها ضمن أكثر أقاليم العالم جفافًا.

 

لكن هذه الصحراء قد تمتلك ثروة؛ إذ لا يزال هناك الكثير من المحتوى المائي الموجود في الهواء الجوي، ويمكن لجهاز تجميع المياه الجوية القائم على الامتصاص المقترح في الدراسة أن يقوم بتركيز مياه الرطوبة الموجودة في الهواء وتحويلها إلى مياه سائلة صالحة للاستخدام، وفقًا للباحث. 

 

يقول جواد الخراز -المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تتمتع المنطقة العربية بموقع جغرافي متميز وصحاري شاسعة، وإمكانيات كبيرة لإنتاج الطاقة الشمسية خاصةً مع الجو المشمس معظم أيام السنة، وهناك بلدان -مثل مصر والمغرب والسعودية والإمارات والأردن- تستثمر بشكل واسع في الطاقة المتجددة عمومًا ومن بينها مشروعات الطاقة الشمسية.  

 

ووفق تقرير صدر عن مرصد الطاقة العالمي في سبتمبر الماضي، فإن الإمارات وسلطنة عمان والمغرب هي أكثر دول المنطقة إنتاجًا للطاقة الشمسية بالإضافة إلى مصر والأردن.

 

كما تجاوز إجمالي سعة الطاقة الشمسية العاملة في مصر 2 جيجاواط حتى مايو 2023، مع خطط مستقبلية لإضافة 20.6 جيجاواط، بينما تجاوز إجمالي القدرة التشغيلية في الأردن 1.14 جيجاواط، مع خطط لإضافة 1.16 جيجاواط.

 

منطقة واعدة

 

يرى "شانجي" أن المنطقة العربية ضمن أكثر المناطق الواعدة لتطبيق التقنية المقترحة، إذ إنها ضمن الأماكن الأكثر حرارةً وجفافًا على وجه الأرض، "وهذا من شأنه أن يمكِّن ملايين الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول بشكل مستمر على مياه صالحة للشرب من الحصول على أجهزة بسيطة لتجميع المياه في منازلهم يمكنهم تشغيلها بسهولة". 

 

يقول "شانجي" في تصريحاته لـ"نيتشر ميدل إيست": رغم ارتفاع درجة الحرارة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إلا أن محتوى الرطوبة في الغلاف الجوي ليس منخفضًا، وفي هذه المناطق يكون الفرق كبيرًا في درجات الحرارة بين النهار والليل، وتزداد الرطوبة النسبية ليلًا، وهو أمر مناسب جدًّا للمادة لامتصاص الرطوبة، وتكون درجة الحرارة في أثناء النهار مرتفعة، مما يسهل استخدام الطاقة الشمسية لامتصاص المادة الماصة للحصول على مياه عذبة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.271