«زويل» وأثره في إرساء دعائم النهضة العلمية في مصر
08 October 2024
نشرت بتاريخ 6 ديسمبر 2023
ترسب جزيئات الغبار بالشرق الأوسط قد يكون أكبر بـ3 مرات مما كان يُعتقد سابقًا
في المناطق الصحراوية مثل الشرق الأوسط، يكون للغبار تأثيرٌ عميقٌ على البيئة والمناخ وجودة الهواء، ما ينعكس بالضرورة على جودة تكنولوجيا الطاقة الشمسية وكفاءة استخدامها.
ويحمل الغبار المعادن عبر البر والبحر لمسافات بعيدة؛ إذ يعمل كمخصب طبيعي لتوفير المغذيات للحياة البحرية، وعندما يستقر الغبار في الماء، يُطلق المعادن التي يمكن أن تدعم نمو العوالق النباتية.
لكن في الوقت ذاته، قد يؤدي الغبار إلى الإضرار بالبنى التحتية للمحطات الشمسية في ظل التوجه العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة للتخفيف من تأثير تغيُّر المناخ.
وفي محاولة لرصد مدى تأثيرات جزيئات الغبار على كفاءة الطاقة الشمسية، وجدت دراسة أجراها باحثون بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" أن ترسُّب جزيئات الغبار بالشرق الأوسط قد يكون أكبر بـ3 مرات مما كان يُعتقد سابقًا، وهو ما له تأثيرٌ عميق على نشر تكنولوجيا الطاقة الشمسية بالمنطقة.
وأوضح الباحثون أن التقديرات الجديدة تجعل نسبة الفقد في كفاءة تكنولوجيا الطاقة الشمسية الناجمة عن الغبار تتراوح بين بين 15 و45%، ونُشرت النتائج بدورية "جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش: أتموسفير".
من جهته، يقول جورجي ستينشيكوف، الأستاذ بقسم العلوم الفيزيائية والهندسة بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وقائد فريق البحث: دراستنا ركزت على قياس تأثير الغبار الناعم والخشن على المناخ والأجهزة الشمسية.
وأضاف "ستينشيكوف" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": نتائجنا أثبتت أن الصحراء العربية تولِّد غبارًا أكثر بـ3 أضعاف مما تم تقديره سابقًا باستخدام النماذج الرياضية الحالية مثل (MERRA2)، وهي أدوات تنتج بيانات لدراسة جزيئات الغبار في الغلاف الجوي، وتوفر تمثيلاتٍ كميةً لتوزيع جزيئات الغبار في الوقت والمكان، ويمكن استخدامها لدراسة تأثيرات الغبار على الطقس والمناخ.
ويتابع: هذه النتائج تنطبق بشكل مباشر على تقييم ترسب المغذيات في البحار الإقليمية (البحر الأحمر والخليج العربي) ومعدلات تلوث الألواح الكهروضوئية.
تقديرات جديدة
النماذج الحالية لدراسات جزيئات الغبار في الغلاف الجوي، والتي يستخدمها العلماء في المقام الأول تقوم بتحليل جزيئات الغبار ذات الحجم الدقيق (أقل من 10 ميكرومترات)، لكن في المقابل، لا يمكنها توقع تأثير جزيئات الغبار الخشنة.
ووفق الدراسة، يحدد حجم جزيئات الغبار مدى تأثيراتها، وتُظهر قياسات ترسُّب الغبار أن جزيئات الغبار الخشنة التي يبلغ نصف قطرها "10 ميكرومترات" تشكل معظم الكتلة المترسبة للغبار، ومع ذلك، لا ترصدها النماذج الحالية.
وباستخدام البيانات التي جمعتها أجهزة "كاوست" منذ عام 2012 بالتعاون مع الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لمناطق بالسعودية، استطاعت الدراسة الجديدة معالجة القصور في النماذج الحالية عبر رصد نسب ترسيب جزيئات الغبار الخشنة.
وأظهرت النتائج أن جزيئات الغبار الخشنة تُسهم بأكثر من ٨٠% من كتلة الغبار الموجود على الأرض، ما يؤثر على كفاءة تكنولوجيا الطاقة الشمسية بنسب تتراوح بين ١٥ و٤٥% للوحات الشمسية المُنتشرة على السواحل الغربية والشرقية للمملكة العربية السعودية تباعًا، وذلك بافتراض دورة تنظيف أسبوعية.
ووفق النتائج، تُعد جزيئات الغبار الدقيقة المحمولة جوًّا والتي يبلغ نصف قطرها "3 ميكرومترات" مسؤولةً بشكل أساسي عن التعتيم الكبير (5 إلى 10٪) للإشعاع الشمسي، وإعاقة إنتاج الطاقة الشمسية.
ومع ذلك، يرتبط ترسُّب كتلة الغبار في المقام الأول بالجسيمات الخشنة، ما يقلل من كفاءة الألواح الكهروضوئية بنسبة 2 إلى 5٪ يوميًّا.
لذلك، فإن دمج الغبار الخشن في عمليات المحاكاة النموذجية من شأنه أن يحسِّن الوصف العام لتوازن كتلة الغبار وتأثيرها على الأنظمة البيئية والأجهزة الشمسية، وفق النتائج.
حركة جزيئات الغبار
"جزيئات الغبار الكبيرة تؤثر على الخلايا الشمسية عبر طريقتين: الأولى أنها تترسب على أسطح الألواح الشمسية وبالتالي تحجب ضوء الشمس، والأخرى أنها تنتشر في الغلاف الجوي وتُحدث تشتيتًا لأشعة الشمس، وبالتالي تقلل من كثافة الإشعاع الشمسي الواصل إلى الخلايا الشمسية، وفي الحالتين تؤثر على عملية حصاد ضوء الشمس"، وفق محمود الدماصي، باحث الدكتوراة المصري في معهد هيلمهولتز برلين للطاقة والمواد بألمانيا.
وعن أهمية النتائج، أضاف "الدماصي" لـ"نيتشر ميدل إيست" أن فهم حركة جزيئات الغبار الكبيرة وتأثيرها يجعلنا نرصد تحركها وتأثيرها بشكل فعال على مجال الخلايا الشمسية، وهذا يجعلنا نتعامل مع البيانات الواقعية للغبار، بدلًا من النماذج الرياضية القديمة المبنية على بيانات غير دقيقة.
وأوضح أن نتائج البحث مهمة، خاصةً للبيئات الصحراوية المليئة بالرياح الشديدة مثل الجزيرة العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص، ومهمة أيضًا للدول الشبيهة بالبيئة السعودية التي تقع في الصحراء الكبرى، بهدف إعادة الحسابات من جديد وفق تحركات الغبار وأحجام جزيئاته، استرشادًا بهذا البحث، للتأكد من مدى دقة القياسات العملية والمعاملات الرياضية التي تتنبأ بحركة الغبار وتأثيره.
ووافقه الرأي أحمد مرتضى السمان، الأستاذ بمركز بحوث وتطوير الفلزات في مصر، مضيفًا أن "تأثير تراكُم جزيئات الغبار على كفاءة الألواح الشمسية لا يعود إلى عيب في الخلية الشمسية، بل في العوامل الجوية المحيطة بها".
كفاءة الألواح الشمسية
ورأى "السمان" في حديث لـ"نيتشر ميدل إيست"، أنه بناءً على نتائج الدراسة، فإن كفاءة الألواح الشمسية ستتأثر بشدة في منطقة الشرق الأوسط في ظل تزايُد مستويات الغبار، وهذا يفتح الباب أمام إجراء مزيد من الأبحاث حول تحقيق أفضل الطرق للحفاظ على استدامة تنظيف الخلايا الشمسية بأقل التكاليف، بالإضافة إلى تطوير خلايا شمسية جديدة مزودة بطبقة سطحية ناعمة للغاية ومقاومة للغبار، لتصبح أكثر ملاءمةً للمنطقة.
أما "ستينشيكوف" فيرى أن التنبؤ بمعدل ترسب الغبار سيساعد في تطوير دورات التنظيف المثالية للأجهزة الشمسية، كما توفر الدراسة أيضًا صيغة نظرية لحساب معدل التلوث كدالة لمعدل الترسيب.
وأضاف أن "التوزيع المكاني لمعدلات ترسيب الغبار سيساعد في اختيار الموقع الأمثل لنشر الألواح الكهروضوئية، فعلى سبيل المثال، وجدت نتائجنا أن معدل ترسب الغبار والتلوث على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية أعلى بـ3 مرات منه على الساحل الغربي".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.270
تواصل معنا: