نضال قسوم.. نحو ثقافة علمية تتجاوز المختبرات ومقاعد الدراسة
10 October 2024
نشرت بتاريخ 9 أكتوبر 2023
ثلث مرضى كوفيد يصابون بتشوهات في أكثر من عضو من أعضاء الجسم بعد خمسة أشهر من مغادرتهم المستشفى
رغم إعلان منظمة الصحة العالمية في مايو الماضي أن "كوفيد-19" لم يعد يمثل حالة طوارئ صحية عالمية، إلا أن كثيرًا من الناس ما زالوا يُحتجزون في المستشفيات بسبب فيروس "سارس- كوف-2" المسبب للمرض، ولا تزال هناك تداعيات كثيرة غير معروفة لهذا المرض على الجسم.
وعادةً يتماثل معظم المصابين بـ"كوفيد-19" للشفاء خلال بضعة أسابيع، لكن بعض الأشخاص ربما تنتابهم أعراض للمرض تستمر مدةً طويلةً بعد ذلك، فيما يُعرف بمتلازمة "كوفيد طويل الأمد"، التي تنطوي على أعراض مثل ضيق التنفس والتعب وضباب الدماغ، وتستمر مدةً طويلةً بعد إصابة المرضى بالفيروس لأول مرة.
ووفق دراسة نشرتها دورية "ذا لانسيت ريسبيراتوري ميديسن" (The Lancet Respiratory Medicine)، فإن ثلث الأشخاص الذين دخلوا المستشفى مصابين بمرض "كوفيد-19" يعانون من "تشوهات الأعضاء المتعددة" بعد أشهر من الإصابة بالمرض، موضحةً أن "تلك النتائج تُمثل خطوةً إلى الأمام في مساعدة الذين يعانون من كوفيد طويل الأمد".
تقول "بيتي رامان"، أستاذ طب القلب والأوعية الدموية بجامعة أكسفورد، وقائد فريق البحث: "إن تلك الدراسة هي الأولى التي تنظر في فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لأعضاء متعددة، وهي الدماغ والقلب والكبد والكلى والرئتين، بعد دخول المستشفى بسبب فيروس كورونا.
تضيف "رامان" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تخبرنا النتائج أن المرضى الذين تم إدخالهم إلى المستشفى سابقًا بسبب "كوفيد-19" معرضون لخطر متزايد بمقدار ثلاثة أضعاف من حدوث تغيرات في أعضاء الجسم على المدى الطويل عند التصوير بالرنين المغناطيسي، وقد ارتبط ذلك بضعف شديد في الصحة البدنية والعقلية بعد خمسة أشهر من الإصابة.
تداعيات متأخرة
أثارت تقارير عديدة عن ظهور مضاعفات متأخرة لـ"كوفيد-19" مثل التهاب عضلة القلب والسكتة الدماغية والصمات الرئوية، التكهنات بأن "الخلل الوظيفي متعدد الأعضاء" -والذي يُعرف أيضًا بمتلازمة الاختلال العضوي المتعدد- الناجم عن المرض قد يكون مسؤولًا عن ضعف التعافي واستمرار الأعراض لدى الأفراد، وهي الحالة التي يُشار إليها باسم "كوفيد طويل الأمد".
ويُعتقد أن ذلك ناجمٌ عن العديد من العوامل، التي تتضمن السُّمِّيَّة الخلوية الناجمة عن الفيروس، والالتهاب المزمن، والاضطرابات الأيضية، وتأثيرات العلاج الحادة، خاصةً التهوية الغازية للمرضى الخاضعين لأنابيب التنفس الصناعي، وفق الدراسة.
ومع ذلك، فإن العبء الدقيق للضعف المستمر في الأعضاء المتعددة بعد دخول المستشفى بسبب "كوفيد-19" وكيف يمكن أن يؤثر هذا الضعف على تعافي المريض وأعراضه، ليس معروفًا حتى الآن.
أُجريت الدراسة خلال مرحلة مبكرة من الوباء، قبل أن تؤدي المناعة الجماعية من التطعيم والعدوى السابقة إلى إضعاف الخطورة الإجمالية لكوفيد، كما أنها لم تغطِّ متغيرات أوميكرون الأقل خطورةً والتي لا تزال سائدةً في جميع أنحاء العالم.
فحوصات الأعضاء
خلال الدراسة، قارن الباحثون فحوصات الأعضاء لـ259 بالغًا تم إدخالهم إلى المستشفى بسبب كورونا في جميع أنحاء المملكة المتحدة في 2020-2021 مع مجموعة مراقبة مكونة من 52 شخصًا لم يصبهم الفيروس مطلقًا.
ووجدت الدراسة أن ما يقرب من ثلث مرضى كوفيد لديهم تشوهات في أكثر من عضو واحد بعد خمسة أشهر في المتوسط من مغادرة المستشفى، وأن المرضى الذين حُجزوا في المستشفى بسبب كوفيد كانوا أكثر تعرضًا للإصابة بتشوهات في الرئة بنسبة 14 مرة، وفق توضيحات البيان الصحفي الذي حصلت "نيتشر ميدل إيست" على نسخة منه.
وكانوا أكثر تعرضًا للإصابة بتشوهات في الدماغ بثلاث مرات، في حين بدت قلوب المرضى وأكبادهم أكثر مرونة.
وشملت التشوهات في الدماغ معدلًا أعلى من آفات الدماغ البيضاء، التي تم ربطها بالتدهور المعرفي المعتدل، في حين كانت الندوب وعلامات الالتهاب من التغيُّرات التي شوهدت في الرئتين.
تقول "رامان": لقد وجدنا أن بعض هذه التشوهات من المحتمل أن يتحسن بمرور الوقت، لكن بعض التغييرات قد يكون أكثر ثباتًا، ولا نعلم حتى الآن كيف سيؤثر ذلك على الناس في السنوات القادمة، ولكن هذا مجال بحث نشطًا بالنسبة لنا.
وأضافت: لوحظ التأثير الأكبر في الرئتين على وجه الخصوص؛ إذ كانت الرئتان أكثر تعرضًا بنسبة 14 مرة لتكون غير طبيعية عند التصوير بالرنين المغناطيسي لدى المرضى، وكان الدماغ أكثر تعرضًا بـ3 مرات والكلى بمرتين لتكون غير طبيعية بين المرضى.
وأشارت إلى أن الأشخاص الذين يعانون من تشوهات أعضاء متعددة كانوا أكثر تعرضًا أربع مرات للإبلاغ عن ضعف عقلي وجسدي شديد، ما يجعلهم "غير قادرين على أداء أنشطتهم اليومية".
عواقب بعيدة المدى
من جهته، يقول أحمد بنداري، أستاذ أمراض القلب والأوعية الدموية المساعد بكلية الطب في جامعة بنها المصرية: بصفتي طبيب قلب أكاديميًّا، أجد نتائج هذه الدراسة في المملكة المتحدة مثيرةً للاهتمام ومثيرةً للقلق أيضًا، وعلى الرغم من أننا نعلم أن كوفيد-19 يمكن أن يكون له تأثير كبير على نظام القلب والأوعية الدموية، فإن ظهور تشوهات في أعضاء متعددة على ثلث المرضى الذين يدخلون المستشفى أمرٌ يستحق النظر بجدية.
يضيف "بنداري" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يضاف ما رصدته الدراسة من تشوهات بأعضاء مختلفة نتيجة "كوفيد-19" إلى مجموعة الأدلة المتزايدة على أن "كوفيد-19" ليس مرضًا تنفسيًّا فقط، بل يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى في جميع أعضاء الجسم.
وتابع: يجب أن نضع في اعتبارنا أنه على الرغم من أن القلب قد لا يُظهر تشوهات واضحة لدى هؤلاء المرضى، إلا أن وظيفة القلب الإجمالية قد تظل معرضةً للخطر إلى حدٍّ ما، وقد تم توثيق المضاعفات القلبية لـ"كوفيد-19"، مثل التهاب عضلة القلب، في أبحاث سابقة، ويمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد على المرضى.
وأشار "بنداري" إلى أن النتيجة الأكثر أهميةً لهذه الدراسة هي قدرتها على تعزيز فهمنا لـ"كوفيد طويل الأمد"، وهو حالة مُعقّدة تنتج على الأرجح عن تفاعُل التشوهات في أعضاء متعددة، ويمكن أن ترشدنا هذه المعرفة لتطوير علاجات مستهدفة وإستراتيجيات دعم لأولئك الذين يعانون من أعراض المرض.
ويقول: بينما نواصل الدراسة ومعرفة المزيد عن "كوفيد-19"، يجب ألا نُغفل أهمية التطعيم بوصفه أداةً حاسمةً في الوقاية من العدوى الشديدة والمضاعفات المحتملة على المدى الطويل، ورغم أن العالم قد أحرز تقدمًا كبيرًا في السيطرة على الوباء، يُذكِّرنا هذا البحث بأنه يجب علينا أن نظل يقظين ونواصل التحقيق في تأثير الفيروس على جسم الإنسان، بهدف تحسين نتائج المرضى.
المعرضون للخطر
بدوره، يقول هشام عبد الله قاسم -استشاري الأمراض الصدرية في مصر- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": إن التشوهات التي تظهر بالرئتين نتيجة "كوفيد طويل الأمد" عبارة عن تليفات تظهر خاصةً في الجزء السفلي من الرئة، وتكون وفق درجة الالتهابات التي يسببها الفيروس، وتؤثر على قدرة الجهاز التنفسي على العمل بكفاءة، وفق حجم هذه التليفات؛ لأن الأجزاء المصابة بالتليفات لا تؤدي وظائفها، وبالتالي تؤثر على باقي الرئة.
يضيف "قاسم": من واقع ممارستي الطبية، تكون تداعيات الفيروس على الجهاز التنفسي بسيطةً وتزول بالتعافي في معظم الحالات، لكن في حالات أخرى يصاب المرضى بحساسية شديدة في الصدر، رغم عدم معاناتهم منها قبل الإصابة بالمرض، والتأثيرات التي رصدتها الدراسة ربما تكون مرتبطةً ارتباطًا كبيرًا بالموجة الأولى للفيروس التي كانت أشد وطأةً على الجهاز المناعي، لكن حاليًّا مع زيادة الإصابات وانتشار اللقاحات، أصبح لدى الجهاز المناعي معرفة معقولة بالفيروس، إضافةً إلى انتشار اللقاحات المضادة للمرض، وهذا يخفف إلى حدٍّ كبير من تداعيات المرض عند الإصابة.
ويتابع: هناك مرضى قد يكونون معرَّضين لتلك التشوهات أكثر من غيرهم، مثل مرضى السكري، لأن مستويات السكر المرتفعة في الدم تُضعف الجهاز المناعي، وبالتالي فإن تداعيات الفيروس على الجهاز التنفسي والالتهابات الرئوية تكون أعلى، كما أن السكري يبطئ عملية الشفاء من الفيروس، وبعد التعافي تكون التأثيرات اللاحقة للإصابة أكبر، مقارنةً بغير المصابين بالسكري.
البحث عن حلول
تعلق "رامان" قائلة: كجزء من هذه الدراسة، حددنا بعض عوامل الخطر المهمة، المتضمنة العمر والأمراض المصاحبة وشدة العدوى الحادة لتغيرات الأعضاء على المدى الطويل بعد "كوفيد-19"، وتؤكد نتائج الدراسة حاجة الأشخاص في الفئات المعرضة للخطر (كبار السن، والمرضى المصابين بأمراض مصاحبة، والمرضى الذين يعانون من نقص المناعة) إلى البقاء على اطلاع على التطعيم المعزز؛ لأن هذه هي الطريقة الأكثر فاعليةً للوقاية من الأمراض الشديدة.
وعن التدخلات المحددة التي يمكن أن تساعد في تقليل تشوهات الأعضاء، تقول "رامان": في الوقت الحاضر، نستعد لدراسة آثار العلاج المضاد للالتهابات (توسيليزوماب) في المرضى الذين يعانون من الالتهابات الناتجة عن كوفيد طويل الأمد، أي أولئك الذين لديهم دليل على الاستجابة الالتهابية المستمرة والذين يعانون من أعراض مستمرة، ومن المقرر أن تبدأ هذه الدراسة في غضون أسابيع قليلة.
وأضافت: الدراسة الحالية قدمت أول نظرة أكثر شمولًا على تشوهات الأعضاء المتعددة لدى مرضى "كوفيد-19" بعد دخول المستشفى باستخدام أحدث تقنيات التصوير، وفي دراستنا القادمة، سنتناول الآثار السريرية طويلة المدى للتشوهات في التصوير بالرنين المغناطيسي لدى 500 مريض.
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.198
تواصل معنا: