أخبار

الكشف عن آلية انتشار سرطان الخلايا الحرشفية الجلدي

نشرت بتاريخ 31 يوليو 2023

رسائل كودية مُشفّرة تساعد على تغيير البيئة المُحيطة بالخلايا السرطانية وتسهل توحُّش الورم وانتشاره.

محمد السيد علي

Mediscan / Alamy Stock Photo Enlarge image
تكتسب الآلية الجزيئية التي تُسهم في نمو سرطان الخلايا الحرشفية الجلدي وانتشاره أهميةً خاصة؛ لدورها البارز في تحقيق فهمٍ أفضل للمرض وسبل علاجه.

وينشأ سرطان الخلايا الحرشفية الجلدي في الخلايا الحرشفية التي تُشكّل الطبقات الوسطى والخارجية من الجلد، وإذا لم يعالج ينمو حجمه أو ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم، ما يؤدِّي إلى مضاعفات خطيرة.

ووجدت دراسة نشرتها دورية "سيل ديث ديسكفري"، وأجراها باحثون من جامعة أوبسالا السويدية بمشاركة باحث مصري، أن خلايا هذا النوع من السرطان الجلدي تنتج "الحويصلات خارج الخلية"، والتي تُعرف اختصارًا بـ(EVs)، ما يساعد على تعزيز نمو الورم الخبيث وانتشاره.

وفي السنوات الأخيرة، كانت هناك أدلة متزايدة على أن تلك الحويصلات تؤدي دورًا في تطور سرطان الجلد، الذي يُعد خامس أكثر السرطانات شيوعًا حول العالم؛ إذ يصيب 1.2 مليون حالة سنويًّا.

يقول أندور بيفاركسي -الأستاذ في قسم الكيمياء الحيوية الطبية بجامعة أوبسالا بالسويد، وقائد فريق البحث- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تقوم الخلايا السرطانية بإنتاج وإفراز عدد كبير من الحويصلات خارج الخلية، إلا أن دور هذه الحويصلات لا يزال غامضًا، كما أن خصائصها لم يتم تحديدها حتى الآن في سرطان الخلايا الحرشفية الجلدي.

الخلايا تتواصل

من جهته، يضيف محمد مصطفى علي جندي -الباحث المصري بقسم الكيمياء الحيوية الطبية بجامعة أوبسالا بالسويد، وأحد المشاركين في البحث- أن "المفتاح الأساسي لتلك الدراسة يكمن في قدرة الخلايا السرطانية على إنتاج جسيمات أو حويصلات صغيرة يتم إفرازها خارج الخلية، وتُمثل تلك الحويصلات إحدى طرق التخاطب والاتصال بين بعض الخلايا وبعضها الآخر، بحيث يتم إرسال شُحنات من الرسائل الكيميائية بين تلك الخلايا في صورة بروتينات وجزيئات أخرى متعددة، يتم تحميلها في تلك الحويصلات، ثم استقبالها بواسطة خلايا في مكان آخر".

يقول "جندي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تتواصل الخلايا السرطانية فيما بينها عن طريق رسائل كودية مُشفّرة تساعد على تغيير البيئة المُحيطة بتلك الخلايا، ما يؤدي إلى توحُّش الورم وانتشاره، لذلك فإن استهداف الآلية المسؤولة عن إنتاج الحويصلات قد يَعوق تطور المرض.

وعن دور هذا التواصل في انتشار المرض، يقول "جندي": تمثل تلك الرسائل المُشفرة أحد أهم أسلحة الخلايا السرطانية للتواصل، وكذلك لتغيير صفات الخلايا الطبيعية المحيطة بها، وتحويلها إلى عامل حفاز لنمو الأورام وانتشارها.

وأشار إلى أن الخلايا السرطانية ذات القدرة على الانتشار تتميز بإنتاج قدر أكبر من الحويصلات، مقارنةً بالخلايا الطبيعية والخلايا السرطانية البادئة.

بيئة مصغرة للورم

ووفق "جندي"، فإن الفريق ركّز على دراسة العلاقة بين الخلايا السرطانية الحرشفية للجلد والخلايا المُختلفة المحيطة بالورم، والتي تُمثل بيئةً مصغرةً للورم، وتعتبر الداعم الأساسي لنمو الأورام وانتشارها.

وللوصول إلى نتائج الدراسة، زرع الفريق نوعين من خلايا سرطان الخلايا الحرشفية الجلدي البشرية في فئران تجارب، بحيث تُنتج أحد أنواع الخلايا تلك الحويصلات، في حين تفتقر الخلايا الأخرى إلى أحد الجينات المُهمة في تكوين الحويصلات.

ولفك الشفرة الوراثية، استخدم الباحثون تقنية تسلسل الحمض النووي الريبي لدراسة تأثير زراعة نوعي الخلايا السرطانية على نمو الأورام، وكذلك على خلايا الفئران المجاورة للورم؛ إذ تُستخدم هذه كجزء من مشروع "أطلس جينوم السرطان" لقياس الاختلافات في مخططات تحليل التعبير الجيني بين الخلايا السرطانية وغير السرطانية.

ووجد الباحثون أن النوع الأول من الخلايا السرطانية التي تمت زراعتها عمل على تحويل الخلايا البينية المحيطة بالورم من خلايا طبيعية إلى خلايا ليفية مرتبطة بالورم، عبر إفراز أحد العوامل السرطانية المُحفّزة لتوحُّش المرض وانتشاره، الذي يُعرف باسم "عامل النمو المحول بيتا" (TGF-beta)، في حين افتقرت الخلايا السرطانية الأخرى إلى تلك القدرة عندما عطَّل الفريق إنتاج الحويصلات.

يقول "جندي": استخدمنا تقنية مطياف الكتلة في تحليل الحويصلات وما تحتويه من بروتينات، ووجدنا أن الخلايا السرطانية ذات القدرة على الانتشار تحتوي -بصورة حصرية- على العديد من البروتينات والعوامل التي تقوم على إعادة برمجة البيئة المُحيطة بالورم، ومنها "عامل النمو المحول بيتا"، الذي يقوم بتحويل الخلايا الطبيعية المحيطة إلى خلايا ليفية سرطانية.

وأضاف: يقوم جين يُدعى (RAB27A) بإنتاج بروتين مهم يتحكم في عملية إخراج الحويصلات إلى خارج الخلية، لذا فإن تثبيط هذا الجين يقلل إخراج الحويصلات من الداخل إلى الخارج، وبالتالي يؤدي إلى تقليل حجم الأورام عند زراعتها في الفئران.

أما "بيفاركسي" فيقول: أظهرت نتائجنا أنه عندما نُثبّط إفراز الحويصلات، فإن قدرة الخلايا السرطانية على النمو في الحيوانات تضعف، ما يدل على أن الخلايا السرطانية تستفيد من الحويصلات لتنمو وتنتشر.

الخلايا الليفية

يضيف "بيفاركسي": وجدنا أيضًا أن الخلايا الموجودة في الأنسجة المحيطة بالأورام، والتي تسمى الخلايا الليفية، تستفيد من الحويصلات المُستمدة من الخلايا السرطانية، وهذا يحفز تحوُّلها إلى نوع خاص من الخلايا يسمى الخلايا الليفية المرتبطة بالسرطان، والتي يُعتقد أنها تعزز نمو الخلايا الليفية والأورام.

وعن أهمية النتائج، أوضح أن إحدى القدرات غير المفهومة للخلايا السرطانية في تعطيل العلاجات الفعالة هي قدرتها على التعامل مع الخلايا المجاورة لها، فيما يسمى بـ"البيئة المكروية للورم"؛ إذ يمكن للخلايا السرطانية أن تكبح الخلايا المناعية المتصاعدة للاستجابة المناعية المضادة للورم، وتنشط الخلايا الليفية أو الخلايا البطانية لتعزيز تكوين أوعية دموية جديدة، لتُمد الخلايا السرطانية بالمغذيات المهمة.

وأشار "بيفاركسي" إلى أن فهم الآليات التي تسمح للخلايا السرطانية بمعالجة الخلايا في بيئتها المكروية قد يؤدي إلى تطوير علاجات أكثر فاعليةً ضد الأورام تستهدف تلك الآليات.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.116