عاصفة من الجدل أشعلها حصول الذكاء الاصطناعي على اثنتين من جوائز نوبل
14 October 2024
نشرت بتاريخ 1 فبراير 2019
بحث تقوده الأمم المتحدة يسلّط الضوء على تدفق المياه عالية الملوحة من محطات التحلية في الشرق الأوسط، لكن بعض الخبراء يزعمون أن الأمر أكثر تعقيدًا.
وجد علماء تابعون للأمم المتحدة1 أن كمية المياه شديدة المالحة التي تصرّفها محطات التحلية في البيئة قُدِرَت -خلال تقييمات سابقة- بأقلّ من حجمها بنسبة تصل إلى 50%، ومع ذلك، فرغم التقارير الصادرة بخصوص التأثير السام المحتمل لمياه الصرف عالية الملوحة على الحياة البحرية، فإن أبحاثًا أخرى تظهر أن المحيطات تتكيف جيدًا مع زيادة الملوحة، وأنه ينبغي منح المزيد من الاهتمام للمكونات الأخرى من مخلفات التحلية.
تحوّل محطات التحلية المياه المالحة إلى كميات غير محدودة من المياه النظيفة الصالحة للشرب، مع التخلص من الملح في صورة محلول عالي الملوحة، ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، زادت أبحاث تكنولوجيا تحلية المياه على نحو بالغ السرعة، مدفوعة بالطلب المتزايد دائمًا على المياه النظيفة.
يقول منظور قادر، المدير المساعد لبرنامج المياه والتنمية البشرية في جامعة الأمم المتحدة بكندا، وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة: "إننا نعلم أن ندرة المياه تزداد في العديد من المناطق حول العالم".
ومع زيادة كفاءة تحلية المياه من الناحية التقنية والاقتصادية، يزداد عدد محطات التحلية في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، فرغم الزيادة الكبيرة في المنشآت والأبحاث، فإن الدراسات التي أجريت على الآثار البيئية كانت قليلة، فعندما قيّم قادر وزملاؤه البيانات الحالية عن عمليات التحلية، وجدوا أنها قديمة وغير مكتملة، مع عدم وجود أي دراسة سابقة معروفة اهتمّت بتحديد كمية المياه عالية الملوحة الناتجة من عمليات التحلية على نطاق عالمي.
مياه عالية الملوحة تكفي لتغطية فلوريدا
في بحثهم الذي نشرته دورية "ساينس أوف ذا توتال إنفيرونمِنت" Science of the Total Environment، أحصى قادر ورفاقه ما يصل إلى 15906 محطة تحلية تعمل حاليًا في جميع أنحاء العالم تنتج أكثر من 95 مليون متر مكعب من المياه يوميًا، وأكثر من 141 مليون متر مكعب من المياه عالية الملوحة، وهي كمية تكفي لتغطية ولاية فلوريدا بما يزيد على 30 سم من مياه الصرف كل عام.
تنتج محطات تحلية المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 48% من المياه المحلّاة في العالم، و70% من كميات المياه عالية الملوحة، لأن العديد من محطات التحلية في هذه المنطقة تستخدم طرقًا قديمة أقل كفاءة، مثل التحلية الحرارية، ويقول مؤلّفو الدراسة إنه يمكن للمحطات التي تستخدم هذه الطرق أن تنتج أربعة أضعاف كمية المياه عالية الملوحة مقارنة بمحطات تحلية المياه الحديثة، التي تعتمد على الأغشية.
ولأن ما يقرب من 80% من المياه المحلاة ينتج في نطاق مسافة 10 كيلومترات من الساحل، يجري التخلص من نفايات المياه المالحة في البحر مباشرة، ويشعر الفريق التابع للأمم المتحدة بالقلق لأنه، مع مرور الوقت، يمكن لهذا أن يزيد من محتوى الملح في مياه البحر عالية الملوحة بالفعل، مما يقلل من قدرتها على الاحتفاظ بالأكسجين ويشكل خطرًا واضحًا على الحياة البحرية، كما أن المواد الكيميائية التي تستخدم في المعالجة والتي توجد في مياه الصرف يمكن أن تشكل خطرًا إضافيًا
لكن، هل الأمر بهذا القدر من السوء الذي يبدو عليه؟
يقول باحثون في منطقة الشرق الأوسط إن حقيقة صرف المياه عالية الملوحة في البحر ربما لا تستدعي كل هذ الذعر حاليًا، يقول مايكل بيرومين، القائم بأعمال مدير "مركز أبحاث البحر الأحمر" Red Sea Research Center (RSRC) في "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" KAUST بالمملكة العربية السعودية، إنه لا يزال "متفائلًا بحذر"، مشيرًا إلى بحث نشره زملاؤه.
ففي عام 2014، اكتشف فريق من الباحثين في "كاوست" KAUST 2 أنه على الرغم من "الزيادة الكبيرة" في الملوحة في منفذ تصريف محطة تحلية المياه الخاصة بالجامعة، فإن هذه الزيادة كانت غير ملحوظة على عمق خمسة أمتار فحسب تحت سطح البحر، وفي مجال الصناعة، تمتلك محطات التحلية أيضًا في الغالب مواقع صرف محددة وتقنيات معينة للمساعدة على الانتشار السريع للملح.
يضيف رايان فان دير ميرفا -الباحث الرئيسي في دراسة "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" KAUST لعام 2014 والذي يعمل الآن أستاذًا مساعدًا في "جامعة خليفة" بدولة الإمارات العربية المتحدة- أنّ أحد الجوانب التي تتعرض للتجاهل غالبًا هو قدرة الحياة البحرية على تحمل الملوحة الزائدة، كما يقول إنه، إضافة إلى هذا، يمكن لصرف المياه عالية الملوحة أن يوفر موئلًا ملائمًا في واقع الأمر، وذلك بعد أن شاهد بنفسه مواقع "لا توجد الحياة فيها -على مسافة مئات ومئات الأمتار حرفيًا- سوى حول منشأة الصرف مباشرة".
يتفق كلا الباحثين على أن هذا لا يعني أنه لا توجد مخاوف بشأن تحلية المياه، فعلى الرغم من أن الحياة البحرية عادة ما تتعامل جيدًا مع الملوحة، كما يقول فان دير ميرفا، يوجد خطر متمثل في ارتفاع درجة الحرارة الذي يحتمل أن يكون ناتجًا عن الكميات الضخمة من النفايات السائلة الدافئة التي تُلقى في بحار دافئة بالفعل.
ويضيف قائلًا: "زيادة ضئيلة بمقدار 0.5 إلى 1 درجة مئوية تضع ضغطًا هائلًا على بعض الأنواع البحرية التي تعيش في الشعاب المرجانية".
تدرس الجهود البحثية بالفعل طرق تحويل المياه عالية الملوحة من نفايات إلى سلعة مفيدة. يقول قادر: "إننا الآن في مرحلة نحتاج فيها إلى بذل المزيد من الجهد لتحويل المياه عالية الملوحة من مشكلة بيئية إلى فرصة اقتصادية".
وتشمل الحلول المحتملة استخدام المياه عالية الملوحة في تربية أنواع الأسماك القادرة على تحمل الملوحة. ففي إحدى الحالات، أدى استخدام المياه شديدة الملوحة إلى زيادة الكتلة الحيوية السمكية بنسبة 300%. وتضم الأفكار الأخرى تعدين المياه الملحية لاستخراج الملح والمعادن التي يحتوي عليها، ولكن، في حين قد يكون هذا خيارًا قابلًا للتطبيق في المستقبل، فإن التكاليف في الوقت الحاليّ تفوق الفوائد المرجوة.
يعتقد قادر أن الدول الرئيسية المنتجة للمياه عالية الملوحة يجب أن تسعى إلى تشكيل تحالف.
يقول: "هذه فرصة لأن تتعلم البلدان من بعضها"، ويؤكد أن فريقه يتطلع إلى التعاون مع تلك البلدان للمساعدة على وضع سياسات عامة وإدارة المياه عالية الملوحة.
doi:10.1038/nmiddleeast.2019.16
تواصل معنا: