مقالات

Read this in English

جائحة الليشمانيا تلوح في جنوب السودان

نشرت بتاريخ 3 أكتوبر 2016

سوء التغذية والنزوح يتركان سكان جنوب السودان عرضة للإصابة بالليشمانيا الحشوية مع ازدياد إمكانية انتشارها في مناطق أوسع.

سارة هدلستن

مستوصف لانكين، منظمة أطباء بلا حدود
مستوصف لانكين، منظمة أطباء بلا حدود
© Lukman Hakim Bauty

يُبدي العلماء الذين يتتبعون العلاقة بين الحرب والهجرة والمرض مخاوفَ من أن تؤدي الأزمة الإنسانية في جنوب السودان إلى تفشي الأمراض المعدية، مثل داء الليشمانيات الحشوي، في جميع أنحاء المنطقة.

داء الليشمانيات الحشوي، أو الكالازار، هو عدوى طفيلية في مجرى الدم، تنتقل عن طريق لدغة ذبابة الرمل. وهو يتلف الكبد والطحال ونخاع العظام، وهو مرض مميت إن تُرك دون علاج.

"خلال حرب السودان التي دارت في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، قضى هذا المرض على حياة أكثر من 100,000 شخص. وهذا العدد يتجاوز عشرة أضعاف الذين قضوا بسبب الإيبولا في غرب أفريقيا. وقد تتكشف كارثة مماثلة الآن"، وفق قول بيتر هوتز، عميد الكلية الوطنية الأمريكية لطب المناطق الحارة، ومبعوث الولايات المتحدة العلمي إلى الشرق الأوسط.

يُعَد داء الليشمانيات الحشوي مرضًا متوطنًا في السودان وجنوب السودان، حيث يسمح المناخ بنمو ذبابة الرمل، كما أن الأنظمة الصحية الضعيفة لا تكفي لعلاج المصابين. هناك بعض الحصانة الطبيعية في المناطق الموبوءة. ولكن الأدلة تشير إلى أن الصراع، وسوء التغذية المزمن، وما يتلوهما من نزوح وتشريد، تقطع دورة الحصانة وتتيح انتعاش المرض.

ينتقل الأفراد غير المحصنين الفارون من مناطق النزاع إلى المناطق الموبوءة، وسرعان ما يصابون بالعدوى. اللاجئون المصابون بالمرض قد يحملونه إلى مواقع جديدة، حيث تمرِّر ذبابة الرمل الناقلة الطفيلي إلى مجموعة جديدة، مسبِّبةً حدوث فاشية جديدة.

كلما زادت معاناة الناس من سوء التغذية، ازدادت أرجحية إصابتهم بالأعراض. 

"إننا نتوقع حدوث فاشية أخرى. فالبيانات تشير إلى أن الأرقام في المنطقة ترتفع أو تنخفض تبعًا للسلم أو الحرب"، استنادًا إلى قول وليد السالم -عالم الأوبئة في وحدة الأمراض التي تحملها النواقل، في وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية، والمؤلف المشارك مع هوتز، لمراجعة لداء الليشمانيات الحشوي في جنوب السودان، التي نُشرت في دورية Parasites and vectors1 الشهر الماضي.

في الوقت الحالي يواجه ما يقرب من خمسة ملايين شخص انعدام الأمن الغذائي، كما أن ربع مليون طفل عرضة لخطر سوء التغذية الحاد في جنوب السودان، وفقًا لآخر تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وهناك نحو 1.6 مليون شخص مشردون داخليًّا، وهرب أكثر من 900,000 شخص إلى البلدان المجاورة. 

"لدينا مخزون للطوارئ [من الأدوية ووسائل التشخيص]، في انتظار شحنه؛ لأننا على أهبة الاستعداد"، وفقًا لقول خوسيه أنطونيو رويز بوستيجو، رئيس برنامج مكافحة داء الليشمانيات في منظمة الصحة العالمية. "إذا رأينا المزيد من حركة السكان، فربما نشهد خلال عام أو نحوه ارتفاعًا حادًّا في حالات الليشمانيا الحشوية".

قد تمتد فترة حضانة المرض لتصل إلى سنة، لذا لا يتم الإبلاغ عن الحالات فورًا. كما أن العنف المستمر يعوق المرضى عن الوصول إلى المراكز الصحية، لذلك فإن العديد من الوفيات ستبقى دون أن يُبلَّغ عنها.

إن تحسين مراقبة البيانات وتحسين وسائل التشخيص ضروريان لفهم تفشي الوباء؛ لأن التفاعل بين الناس وذبابة الرمل والبيئة شديد الدقة، وكثيرًا ما يكون شديد المحليّة، حسبما يقول رويز بوستيجو. وهو يقدّر حدوث وباء كل عشر سنوات؛ لأن المناعة الطبيعية تتراجع في المجموعات السكانية مع مرور الوقت حتى في المناطق الموبوءة. 

آخر مجموعة من الأرقام العالمية التي نشرها ألفار وزملاؤه فيPLOS One5 تحدّد معدل الإصابة بالليشمانيا الحشوية بحوالي 30,000 إصابة سنويًّا في شرق أفريقيا، ولكن هذا التقدير يستند إلى بيانات يرجع تاريخها إلى ما قبل عام 2008. أما المعلومات الأحدث الصادرة عن منظمة الصحة العالمية(WHO) ، والتي نشرها أبو بكر وزملاؤه في PLOS Neglected Tropical Diseases4 ،فتُظهر أنه في أثناء الوباء الذي امتد في الفترة 2009 - 2012 كانت هناك أكثر من 28,000 حالة في جنوب السودان وحده، وثلاثة أرباع المصابين بها كانوا من الأطفال.

في عام 2014، أدى اندلاع موجة جديدة من الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى زيادة معدلات العدوى بداء الليشمانيا الحشوية داخل البلاد وعبر الحدود. تُظهر موجزات البلاد الصادرة هذا العام عن منظمة الصحة العالمية أنه جرى الإبلاغ عن أكثر من 8,000 حالة في جنوب السودان. وارتفع معدل الإصابة بالأمراض لأكثر من الضعف في كينيا، وبنسبة الثلث في إثيوبيا، وبمقدار النصف مرة أخرى في السودان.

"نظرًا للصراع، لم يكن الناس قادرين على الحصول على رعاية صحية أو أدوات لحماية أنفسهم من ذبابة الرمل، كالناموسيات. عندما يُلدغ الناس ولا يتلقون علاجًا، فإنهم يصبحون بمنزلة مصدر للعدوى"، يقول لقمان حكيم بوتي، الذي عُيّن في فريق الاستجابة للطوارئ مع منظمة أطباء بلا حدود في لانكين، في ولاية جونغلي في جنوب السودان في ذلك الوقت.

في الشرق الأوسط يتراوح عدد الإصابات السنوية في المنطقة بين 5,000 و10,000 إصابة سنويًّا، وفقًا لتقديرات ألفار القديمة5. ومن المقرر أن تُصدر منظمة الصحة العالمية مزيدًا من المعلومات الحديثة عن المنطقة في وقت لاحق من هذا العام. في الوقت الراهن، تمكننا الموجزات القُطرية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في شهر يونيو الماضي فيما يختص ببعض البلدان من تشكيل صورة أفضل. فقد كان للمغرب العدد الأكبر من حالات الليشمانيا الحشوية المسجلة وبلغ 86 حالة، تليه إيران، وتونس، وسوريا، والجزائر، و12 حالة في المملكة العربية السعودية3. ثمة مؤشر جديد يعتمد على عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الموبوءة حول هذا العدد من حالات العدوى، يجعل حساب إمكانية حدوث الإصابة للناس في المنطقة واقعيًّا؛ فنسبة الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة تبلغ 90 في المئة في تونس و32 في المئة في السعودية و10 في المئة في المغرب.

الشرق الأوسط موئل لذبابة الرمل التي توزع داء الليشمانيات على نطاق واسع. وحيث ينتقل المرض بين الناس، يختلف الطفيلي النوعي بين منطقتين ويختلف المرضان: L Donovani ينشر الشكل الحشوي، وL Tropica، ينشر الشكل الجلدي الأوسع انتشارًا.

توجد معظم الأمراض الأكثر إهمالًا في العالم بين الفقراء الذين يعيشون في دول مجموعة العشرين الأعظم، وهي تضم داء الليشمانيات"، وفق قول هوتز، الذي يضيف: "الآن يتعين على مجموعة العشرين أن تضطلع بدور أكبر في هذه الأمراض". 

doi:10.1038/nmiddleeast.2016.176


  1. Al-Salem, W. et al. A review of visceral leishmaniasis during the conflict in South Sudan and the consequences for East African countries Parasites and Vectors http://dx.doi.org/10.1186/s13071-016-1743-7 (2016)
  2. UN Humanitarian Chief Condemns Violence Against Civilians And Aid Workers In South Sudan Office for the Coordination of Humanitarian Affairs http://reliefweb.int/report/south-sudan/un-humanitarian-chief-condemns-violence-against-civilians-and-aid-workers-south(2016)
  3. Leishmaniasis Country Profiles for 2014, World Health Organisation http://www.who.int/entity/leishmaniasis/burden/Country_profiles/en/index.html (2016)
  4. Abubakar, A. et al. Visceral Leishmaniasis Outbreak in South Sudan 2009– 2012: Epidemiological Assessment and Impact of a Multisectoral Response. PLOS Neglected Tropical Diseases http://dx.doi.org/10.1371/journal.pntd.0002720.g002 (2014)
  5. Alvar, J. et al. Leishmaniasis Worldwide and Global Estimates of Its Incidence PLoS ONE http://dx.doi:10.1371/journal.pone.0035671 (2012)