هل يمكن أن تكون سوريا خالية حقًّا من شلل الأطفال؟ 

أعلنت الأمم المتحدة أن تفشّي شلل الأطفال في سوريا وانتشاره لاحقًا إلى العراق هو الأمر "الأكثر تحديًا في تاريخ القضاء على شلل الأطفال". وبعد ما يزيد قليلاً على عام واحد، يبدو أن حملة التطعيم الشاملة واسعة النطاق قد نجحت، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO).

يقول كريس ماير –رئيس استراتيجية التخلص من شلل الأطفال والدعم الطارئ في منظمة الصحة العالمية-: "من المرجّح أنه في حال وجود نظام ترصّد حساس للبحث عن حالات شلل الأطفال وعدم تمكّنه من العثور عليها لمدة عام، فلا يوجد شلل الأطفال، ولكن نظرًا للظروف في سوريا والعراق فإننا حذرون". 

ويضيف ماير: إنه على الرغم من أن انتقال فيروس شلل الأطفال البرّي قد توقفّ ظاهريًّا في سوريا والعراق، إلا أنه "يوصَى بإجراء مرحلة أخرى من التقصّي واستعراض عمليات الاستجابة لمقتضيات الفاشية في كلا البلدين خلال الشهور الستة القادمة". 

خلال عام 2013، كانت هناك 36 حالة جديدة من حالات شلل الأطفال المبلغ عنها في سوريا، التي سبق أن أُعلن خلوّها من المرض. وكانت حملة التحصين اللاحقة التي قادتها منظمة الصحة العالمية قد استهدفت 27 مليون طفل في جميع أنحاء المنطقة، عدة مرات.

لكن بعض خبراء الصحة يشككون في كون سوريا قد تخلصت حقًّا من الفيروس، معتبرين أن ترصّد شلل الأطفال صعب في ظل الظروف السائدة. وقد تعطلت الجهود بسبب العنف المستمر الذي أدى إلى فقدان الأطفال، إضافة إلى تأخر الاختبارات وعدم اكتمالها، وعدم التحقق من الحالات المشتبه بها.

تقول آني سبارو -المتخصصة في الصحة العامة وشلل الأطفال-: إن لديها "ثقة منخفضة" بتقرير منظمة الصحة العالمية، مشيرة إلى القيود الشديدة في الحصول على عينات البراز لتشخيصها رسميًّا في المختبرات.

وتشرح: إن الذراع الإنساني للمعارضة السورية، ووحدة تنسيق الدعم (ACU)، التي دأبت على تطعيم الأطفال في شمال سوريا، أبلغا عن 105 حالات من الشلل الرخو الحاد (AFP) عام 2014، مع وجود 63% فقط من كفاية جمع عينات البراز. لذا، نظرًا لعدم وجود المرافق الكافية، ولتحديات تشخيص فيروس شلل الأطفال في سوريا، لم يتم التأكد تمامًا من العديد من الحالات.

كما تضيف: "لا يمكن اعتبار غياب الأدلة المختبرية عن فيروس شلل الأطفال البري نفيًا لوجود شلل الأطفال في هذه الظروف؛ حيث يستحيل إجراء الرّصد الدقيق، وحيث لا يتم الإبلاغ عن الحالات المتوافقة سريريًّا من شلل الأطفال".

وتضيف سبارو: إنها لم تثق في دقة ترصّد الحكومة السورية وإبلاغها عن شلل الأطفال، مستشهدة بإنكارها المستمر لظهور الفيروس للمرة الأولى في دير الزور. وتعتمد منظمة الصحة العالمية بشكل كبير على الرصد الحكومي وعلى شبكة الإنذار المبكر والاستجابة التابعة لها، والتي تعتمد على شبكة من المتطوعين والمرافق الصحية داخل سوريا للتطعيم والإبلاغ عن الحالات.

من الخطر أن تثق بإمكانية إبقاء العدوى خارج المنطقة، إذا كان اللقاح لا يوفّر المناعة؛ فربما كانت العدوى ’تنتظر‘ لتعاود القدوم. 

مبكر جدًّا

آدم كوتس، الباحث في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، والذي درس الأزمة على الأرض، رحّب بالأخبار الآتية من منظمة الصحة العالمية، ولكنه لاحظ ندرة المعلومات الواردة من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون الإسلاميون المعروفون باسم ’تنظيم الدولة الإسلامية‘.

وكرر تأكيد ماير أن حملة التطعيم كانت فعالة جدًّا، ولكنه شدّد على وجوب استمرارها على الرغم من الأوضاع المتدهورة.

يقول كوتس: "يتمثل التحدّي الآن في استمرار هذه الحملات، وتعزيز نظم المعلومات الصحية، ودعم المنظمات المحلية غير الحكومية، على الرغم من الوضع الأمني ​​المستمر في التدهور، وزيادة حركة الناس، وتراجع الظروف الصحية، وتناقص ميزانيات المساعدات".

"في افتتاحية نُشرت في أواخر 2013، حذّر مارتن آيشنر -من قسم الإحصاء الحيوي الطبي في جامعة توبنجن في ألمانيا- من أن عودة ظهور مرض شلل الأطفال في سوريا يمكنها تهديد المناطق المجاورة لسنوات قادمة. ومع تطور حالة واحدة فقط إلى شلل من بين 200 شخص أصيب بالعدوى، فقد تكون هناك سنة "انتقال صامت" قبل الكشف عن تفشي المرض.

بعد مرور أكثر من عام، يشير آيشنر إلى دراسات المحاكاة التي كان قد أجراها فيما مضى، والتي عمد فيها إلى زيادة تغطية خدمات التطعيم ثم دراسة الفترات الزمنية الفاصلة بين حدوث فاشيتي شلل الأطفال.

"إن انقضاء سنة واحدة دون مرض يُعَد مؤشرًا ضعيفًا جدًّا للقضاء على الوباء"، كما يقول، مضيفًا: إن مرور ثلاث سنوات دون حدوث إصابة يترافق باحتمالية عالية جدًّا (أكثر من 95%) للقضاء على المرض.

كما يضيف: "من الخطر أن تثق بإمكانية إبقاء العدوى خارج المنطقة، إذا كان اللقاح لا يوفّر المناعة؛ فربما كانت العدوى ’تنتظر‘ لتعاود القدوم".

وفي الوقت نفسه، يعترف ماير -من منظمة الصحة العالمية- بإمكانية تفويت بعض حالات شلل الأطفال في سوريا بسبب حركة اللجوء المستمرة، وصعوبة الوصول إلى المجموعات السكانية الأكثر عرضة للخطر. "تبقى هناك إمكانية تفويت بعض حالات الانتقال المتبقية؛ بالإضافة إلى ذلك، فالانتقال الكثيف المستمر لشلل الأطفال في باكستان يعني أن خطورة استيراد الفيروس ثانية لا تزال مرتفعة".

تقول سبارو: إن حادثة خلط لقاح الحصبة التي أدت إلى الوفاة المأسوية لـ17 طفلاً في أواخر العام الماضي قد زادت من رفض الأهالي لتطعيم أطفالهم. كما لا تتوفر غالبًا سلسلة المرافق المبرّدة اللازمة للحفاظ على صلاحية اللقاح الفموي للاستعمال.

في حين أنه كان من المقرّر بدء حملة جديدة للتطعيم ضد شلل الأطفال في أواخر فبراير، فقد تم تعليقها إلى جانب حملة تطعيم مخطط لها ضد الحصبة، في أعقاب وفيات لقاح الحصبة.

وكما يقول سبارو: "الأطفال السوريون يدفعون الثمن... والمشكلة تتجاوز شلل الأطفال بكثير".

اشترك للحصول على النشرة الإلكترونية المحدّثة كل أسبوعين لكي تبقى على اطلاع بكافة المستجدات على الموقع.