مقالات

جامعة سعودية تدعم المسار البطيء نحو التحديث

نشرت بتاريخ 18 فبراير 2015

يقول الباحثون في أفضل مؤسسة علمية إن التعليم سيكون أبلغ أثرًا من المعارضة الصوتية

ديكلان بتلر

جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية استثناء صارخ بالنسبة للمجتمع السعودي الصارم.
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية استثناء صارخ بالنسبة للمجتمع السعودي الصارم.
© Susan Baaghil/Reuters 

إثر التنفيذ اللافت للنظر لحكم الجلد بحقّ الناشط السعودي رائف بدوي الشهر الماضي، دخلت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) –الجامعة العالمية متعددة الثقافات، التي تتميز بوضعها غير المألوف- في دائرة الضوء.

تلقى بدوي 50 جلدة، الدفعة الأولى من الحكم الذي ينص على ما مجموعه 1,000 جلدة، بالإضافة إلى 10 أعوام في السجن، عقابًا له على إنشاء موقع على شبكة الإنترنت للنقاش الاجتماعي والسياسي. وإلى جانب إثارة القضية غضبًا عالميًّا، فقد وُضعت قادة جامعة الملك عبد الله تحت ضغوط للتحدث علنًا عن غياب حرية التعبير في المملكة العربية السعودية، حيث مقر الجامعة. ولكن الباحثين هناك يحاجون بأنهم ربما يستطيعون التأثير بشكل أكبر على المجتمع السعودي -وربما على العالم العربي والإسلامي الأوسع– عن طريق الاستمرار بهدوء في جهودهم الرامية إلى إنشاء مركز عالمي للبحث والتفكير النقدي.

يعبر عن ذلك التوجه مارك تِسْتَر -الأسترالي الجنسية، الذي يشغل منصب مدير مشارك لمركز الزراعة الصحراوية التابع لجامعة كاوست- بقوله: "إن جامعة كاوست مبنية على القيم التي أتبناها بوصفي عالِمًا، وسيصبح تأثير جامعة الملك عبد الله محسوسًا مع مرور الوقت، وجزء كبير منه سيكون عن طريق تأثير خريجيها".

أُسّست جامعة الدراسات العليا (كاوست) عام 2009 على يد المغفور له الملك عبد الله، بهدف إرساء ثقافة العلم والتنوير داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.

حرمها الجامعي الذي يقع في ثول على بعد 90 كيلومترًا شمالي جدة، يمثل استثناءً صارخًا لتقاليد المجتمع السعودي الصارمة، حيث لا تمييز فيها على أساس الجنس أو الدين أو العرق. وعلى عكس ما هو سائد في بقية البلاد، يختلط الرجال والنساء، ويمكن للمرأة أن تقود سيارة أيضًا. كان ضمان الحريات في الحرم الجامعي شرطًا للعلماء الغربيين البارزين الذين دعموا تطوير جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

في 18 يناير، بعد مرور تسعة أيام على تلقّي بدوي الدفعة الأولى من الجلدات، وجّه 18 فائزًا بجائزة نوبل من مختلف أنحاء العالم كتابًا إلى جان لو شامو، رئيس جامعة الملك عبد الله، داعين فيه "الأصوات المؤثرة في جامعة الملك عبد الله" للتحدث عن حرية الاختلاف في الرأي. وتحذّر الرسالة من أن علاقات كاوست الدولية قد تكون معرّضة للخطر في حال استمرار فرض القيود على حرية الفكر والتعبير في المملكة العربية السعودية.

يقول أحد الباحثين العارفين بشؤون جامعة الملك عبد الله، طالبًا عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية القضايا: إنه إذا كان يتعين على باحثي كاوست الإفصاح عن آرائهم أو الانخراط في نشاط سياسي، فسيكون تأثيرهم على النظام ضئيلاً، وسيوفر الذرائع لمنتقدي المؤسسة في السعودية. مضيفًا: إن جامعة الملك عبد الله مثيرة للجدل هناك، وقد سعت الدولة ورجال الدين لإبعاد الجامعة وعلمائها عن القضايا السياسية أو الاجتماعية المحلية. "إنها دائمًا تحت مجهر العناصر المحافظة".

يمكن للعلماء أن يكونوا أكثر فائدة للمملكة العربية السعودية من خلال العمل في جامعة الملك عبد الله بدلاً من انتقادها من الخارج، يقول تِسْتَر. مضيفًا: "إننا نحرز إسهامًا حقيقيًّا في البلاد من خلال التعليم، ومن خلال التقدم في البحوث."

لقد استقطبت كاوست علماء روادًا من مختلف أنحاء العالم للانضمام إلى هيئة التدريس التي يصل عدد أعضائها إلى نحو 130، وأنشأت المراكز العلمية لدراسة الشؤون الإقليمية المهمة، مثل الزراعة الصحراوية، وبحوث البحر الأحمر، وتحلية المياه، والطاقة الشمسية. ويستضيف الحرم الجامعي الآن 840 طالبًا من 69 بلدًا، من ضمنهم 246 من المملكة العربية السعودية و302 من النساء.

يقول باحث أجنبي آخر طلب إغفال اسمه: "فلسفتي هي أنني لا أعتقد أنني أتنازل، بل أسهم بتواضع في فتح الأمور للنقاش".

في الواقع، فإن كثيرًا من الدعم الدولي الذي كان حاسمًا لتطوير جامعة الملك عبد الله جاء استنادًا إلى أن المملكة العربية السعودية سوف تحسّن الحريات خارج أسوار الحرم الجامعي. ومع ذلك، تُظهر قضية رائف بدوي أن المملكة قد صعّدت من قمعها للحريات منذ تأسيس جامعة الملك عبد الله.

كانت هناك "روح الأمل" عند افتتاح جامعة الملك عبد الله، كما جاء في الرسالة التي شارك في التوقيع عليها جون بولاني، الحائز جائزة نوبل في الكيمياء عام 2005. أما الآن فقد بدأ الصبر مع النظام السعودي "ينفد". ويتابع: "أعتقد أن المجتمع العلمي كان بطيئًا في إدراك أن جامعة الملك عبد الله لا يمكن أن تكون جزيرة للحرية".

يجادل تِسْتَر بأن جامعة الملك عبد الله تعمل على تثقيف جيل جديد من الطلاب السعوديين، الذين سيعينون في نهاية المطاف على تحويل المملكة بشكل أعمّ. "إن وجود جامعة الملك عبد الله هو دليل على رغبة المملكة في التطوير"، كما يقول، ويضيف: "سيستغرق الأمر وقتًا، وأرجو من الناس أن تمنحنا الوقت".

إن جامعة الملك عبد الله ليست القوة الأكاديمية الوحيدة للتغيير في المملكة العربية السعودية. فبرنامج المنح الدراسية البالغة قيمتها مليارات الدولارات، الذي أطلقه الملك عبد الله عام 2005، والمفترض استمراره حتى 2020، يموّل مئات الآلاف من طلاب الجامعة وطلاب الدراسات العليا السعوديين لكي يدرسوا في الخارج. يقول العلماء العارفون بالشؤون السعودية إنهم يعتقدون أن خطة المغفور له الملك عبد الله كان يفترض أن تثمر عن فوائد آجلة: فبعد التعرض للأفكار والثقافات البديلة، سيضيف الطلاب العائدون الاعتدال إلى المجتمع السعودي، وسيخففون قبضة رجال الدين المحافظين. فالتعليم في المملكة يركز بشدة على الدين. كما يعبر أحد الباحثين: "إنه يدرّس القرآن أكثر من الجدول الدوري".

على الرغم من أن أعدادًا كبيرة من الرجال السعوديين قد تلقوا تعليمًا أجنبيًّا منذ مدة طويلة، فإن أحد الاختلافات الجوهرية التي يوفرها هذا البرنامج هي أنه متاح للنساء. "هذا هو الذي سيكون سببًا للتحول"، كما يقول عالم أجنبي آخر، عمل بشكل وثيق مع كاوست. وأضاف: "لكنه لن يحدث بين عشية وضحاها".

ومع ذلك، يتفق العلماء داخل الجامعة وخارجها على أن التأسيس لثقافة واقتصاد قائمين على المعرفة، سيتطلب إصلاحات من قِبل القيادة السعودية أيضًا. "إن الفكرة كلها وراء تأسيس كاوست كانت رغبة المغفور له الملك عبد الله في وضع المملكة العربية السعودية مرة أخرى في التيار الرئيسي للعلوم"، وفقًا لقول عالم رفض الكشف عن اسمه. مضيفًا: ولكن العلم الحديث بحاجة إلى التفكير الحر والإبداع، ولا يمكنه الازدهار في ثقافة قمعية. ومستطردًا: "إذا كانت المملكة العربية السعودية ترغب في أخذ مكانها على ساحة العلوم والتكنولوجيا الحديثة، فيتعين عليها حقًّا إيلاء حقوق الإنسان لديها الاهتمام الكافي".

doi:10.1038/nmiddleeast.2015.33


  1. Nature 518, 18–19 (05 February 2015) http://dx.doi.org/10.1038/518018a