مقالات
Commentary

Read this in English

هل نستطيع كسب المعركة ضدّ متلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟

نشرت بتاريخ 10 يونيو 2014

مع الارتفاع الحاد في عدد الإصابات المُبلَغ عنها من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وتضاعفها خلال شهر واحد فقط، هل يجب أن يعترينا القلق، أم ما زال بوسعنا إيقاف انتشار المرض؟

إسلام حسين

إسلام حسين
إسلام حسين

أدت شدة وباء السارس الذي أصاب أكثر من 8,000 شخص منذ أكثر من عشر سنوات، وأسفر عن مقتل نحو 10% منهم، إلى ازدياد المخاوف من ظهور قريبه القاتل: متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، وهو مرض فيروسي حيواني المنشأ يُحدثه فيروس تاجي جديد (nCoV).

 أصاب الفيروس مئات البشر بالعدوى، وأدى إلى وفاة نحو 30% من المرضى، وارتفع مؤخرًا مجموع الإصابات العالمية بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية بسبب الفيروس التاجي بشكل يدعو إلى القلق. وقد شهد أبريل 2014 تضاعف عدد الإصابات الجديدة، ولا تزال الأرقام في تصاعد مستمرّ.

أدى سفر الإنسان إلى حمل الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية من المملكة العربية السعودية –مركز نشوء الفيروس- عبر المحيطات إلى العديد من البلدان الأخرى، وبغياب وجود لقاحات أو مضادات فيروسية، الذي يذكِّرنا بمأساة السارس، يتزايد الخوف من تفشّي وباء فيروسي جديد.

غموض طريقة الانتقال 

اقترحت العيّنات الفيروسية الأولية أن فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، مثل السارس، قد نشأ في الخفافيش، ولكن الفحص المتعمّق كشف أن الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية كان مطابقًا تمامًا لتسلسل كامل جينوم الفيروس الذي عُثر عليه في الإبل وحيدة السنام في المملكة العربية السعودية.

ولكن هناك العديد من الأسئلة الخاصة بانتشاره، مثل: كيف انتقل الفيروس من الإبل إلى البشر؟ فنحن لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت الإبل هي المستودع الحيواني الوحيد لهذا الفيروس. ستجلب البحوث الإضافية مزيدًا من الإجابات في الأسابيع المقبلة.

في حوالي 75% من حالات متلازمة الشرق الأوسط التنفسية لم يكن هناك قصة اتصال مع الإبل، مما يقترح بقوة وجود مسار بين البشر لانتقال هذا الفيروس. إن الارتفاع المفاجئ في عدد الإصابات الجديدة طوال شهر أبريل يحتاج أيضًا إلى تفسير. هل يتحوّر الفيروس ليكسب المزيد من التكيّف مع البشر؟ إنه احتمال مخيف. ولكن عند تحليل تسلسلات عدد محدود من الجينومات الكاملة المأخوذة من حالات المتلازمة التنفسية الجديدة التي ظهرت في شهر أبريل في المملكة العربية السعودية، لم تجد كريستيان دروستن -المختصة بعلم الفيروسات في جامعة بون في ألمانيا- أي دليل على وجود الطفرات، وخاصة في موقع ربط المستقبلات في البروتين الشوكي الذي يرتبط بالمستقبلات الموجودة على خلايا الإنسان –والتي تعرف باسم دايببتيديل ببتيداز-4 (DPP4).

سيكون هذا الخبر سارًّا لو أننا تمكنَّا من إجراء التسلسل لجزء أكبر من تجمع الفيروسات الجوالة حاليًّا. بالإضافة إلى ذلك، فإن فيروسات الحمض النووي الريبي تتحوّر بوتيرة مرتفعة، وقد تخضع لمزيد من التغييرات المكيّفة مستقبلاً.

الارتباط بالسعودية

حتى الآن، تم ربط جميع حالات هذه المتلازمة التنفسية بالشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى، مع الإبلاغ عن وقوع الغالبية العظمى من الحالات في المملكة العربية السعودية. وكما هو واقع الحال، بدأ أكثر من 60% من الحالات الأخيرة للمتلازمة التنفسية على شكل مجموعات من حالات العدوى المكتسبة في المستشفيات بين العاملين في مجال الرعاية الصحية في مستشفى الملك فهد في جدة.

بشكل عام، وفَوْر الاشتباه بحدوث المتلازمة التنفسية، يجب وضع المرضى في غرف عزل سلبية الضغط؛ حيث يجبر الهواء الذي قد يكون حاملاً للفيروس على المرور عبر مرشّحات خاصة قبل أن يتجول خارجًا من خلال نظام تهوية السقف. ولكن هذا لم يكن الحال مع حالات الإصابة الأولى في المملكة العربية السعودية.

قامت منظمة الصحة العالمية بزيارة جدة في أوائل شهر مايو لإجراء فحوص واستطلاعات في الموقع، وخلصت إلى أن زيادة الإصابات في جدة قد تكون نتيجة للزيادة الموسمية في الحالات الأولية، المترافقة مع زيادة في مواليد الإبل أو تلقيح أشجار النخيل الحاملة لمجاثم الخفافيش. قد تكون هذه الأسباب هي التي أزكت انتشار الفاشيات في المشفى، والتي تفاقمت فيما بعد بسبب التدابير غير المثالية في مكافحة العدوى.
 
في لقاء مع صحيفة الوطن السعودية المحلية التي تصدر على الإنترنت، كشف عبدالله العسيري -مدير مكافحة العدوى في وزارة الصحة السعودية- أن مريضين من بين الذين أصيبوا بالمتلازمة التنفسية، بقيا في غرفة الطوارئ في المستشفى لمدة ستة أيام قبل التأكد من إصابتهما بهذه المتلازمة ووضعهما في الحجر الصحي.

الحدّ من انتشار الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟

يبدو أن توعية الحجاج إلى مكة المكرمة حول هذا المرض هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق في الوقت الحالي.

سيزور نحو مليوني شخص من أكثر من 180 بلدًا المملكة العربية السعودية خلال الأشهر القليلة المقبلة لأداء فريضة الحج، وهي أكبر تجمع بشري في العالم. وفي غياب فرض أي قيود على السفر من قبل منظمة الصحة العالمية، تواجه السلطات السعودية تحدّيًا يتمثل في تأمين السلامة الصحية لضيوفها الذين سيعودون إلى بلادهم.

ونظرًا للزيادة الأخيرة في عدد الإصابات بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية واقتراب مواسم العمرة والحج، عقدت منظمة الصحة العالمية اجتماعًا طارئًا يوم 14 مايو، وخلصت إلى أن وضع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية خطير، ولكنه لم يصل بعد إلى مرحلة الطوارئ على المستوى العالمي (PHEIC). واستند التقييم إلى عدم وجود دليل مباشر على قابلية الانتقال المستدام من إنسان إلى إنسان.

إذن، يبقى الآن السؤال عمّا يجب أن نفعله للحدّ من تفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الحالية؟

ليس من المتوقع توفّر لقاح أو علاج مضاد للفيروسات على المستوى التجاري في المستقبل القريب. ويرجع هذا أساسًا إلى التكلفة الضخمة للبحوث الممتدة، والسعي للتطوير، والعملية المعقدة لاستصدار موافقة السلطات التنظيمية على تلك المنتجات.

لذا، ستتطلب السيطرة على متلازمة الشرق الأوسط التنفسية دعمًا من قبل شركات الأدوية الكبرى، التي ستستثمر هذه الأموال إذا كانت تتوقع جدوى اقتصادية لمثل هذه المنتجات باهظة الثمن. وبطبيعة الحال، ستتأخر الدراسات نتيجة لعدم توفر نموذج حيواني مناسب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في الوقت الحاضر. 

لقد مرّ اثنا عشر عامًا على تفشي السارس الأولي، وما زلنا لا نملك لقاحات بشرية على المستوى التجاري. وربما يكون تطوير لقاح للجمال أمرًا أقرب إلى المنطق؛ لأن كلفة اللقاحات الحيوانية أقل عادة، وتستلزم دورة تطوير/ موافقة أقصر. ومع ذلك، فإننا ما زلنا لا نعرف إذا كانت الإبل فحسب هي المستودعات الحيوانية.

يبدو أن توعية الحجاج إلى مكة المكرمة حول هذا المرض هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق في الوقت الحالي. فتوخّي الحذر واتباع وسائل النظافة الشخصية الجيدة وارتداء الأقنعة كلها تدابير بناءة. والتواصل الفعّال بشأن المخاطر المرافقة، وخاصة بالنسبة للذين يعانون حالات صحية مسبقة، لأنهم هم الذين يعانون عادة من أسوأ مضاعفات المتلازمة التنفسية، كل هذا سيساعد بالتأكيد على خفض أعداد الوفيات.

لم تصدر منظمة الصحة العالمية توصيات لإجراء مسح في المطار على الحجاج العائدين بعد رحلة الحج؛ لأن التجربة السابقة لاتباع هذا الإجراء في حالتي وباء السارس ووباء إنفلونزا H1N1 أثبتت عدم جدواه في الحدّ من انتشار المرض.

قد تستمر فترة حضانة فيروس المتلازمة التنفسية 15 يومًا. من الممكن أن يجتاز حاملو العدوى -الذين لا تظهر عليهم أي أعراض في فترة الحضانة- اختبارَ الكشف الحراري دون أن يُلتقطوا. ويبدو أن توزيع منشورات على المسافرين تصف أعراض المتلازمة التنفسية والإجراءات التي يجب اتخاذها في حالة الاشتباه بالإصابة بها، هو الخيار الأكثر حكمة.

إن كسر حلقة انتقال العدوى أمرٌ حاسمٌ لإجهاض فاشية متلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وقد أوصت منظمة الصحة العالمية بفرض تدابير صارمة لمكافحة العدوى في المستشفيات.

من المرجّح أن يستمر انتقال العدوى من الإبل، وإلى أن تتّضح طريقة انتقال العدوى، حثّت منظمة الصحة العالمية الناس على الابتعاد عن الإبل، وتجنّب شرب حليبها وغيره من المنتجات الغذائية. وللإبل مكانة مهمة في التقاليد والاقتصاد بالنسبة للسعوديين؛ لذا فإن التخلص منها ليس خيارًا واقعيًّا، وربما يكون غير مجدٍ على الإطلاق. إن زيادة الوعي الصحي العام ورفع طاقة المختبرات لإجراء الفحوص ستعزّز إمكانيات الكشف المبكر عن متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

لا شكّ في حاجتنا الماسّة لإجراء المزيد من المراقبة وتحليل المزيد من الجينومات الفيروسية لنكون متقدمين خطوةً إلى الأمام على أي تغييرات قد تجعل الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية أكثر تكيّفًا مع البشر.

على الرغم من محدودية أسلحتنا في المعركة ضد متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، فما زال بإمكاننا كسب بعض التقدم عن طريق اليقظة المستمرة، وتضافر الجهود التعاونية العالمية، والشفافية، والسرعة في تبادل المعلومات.


إسلام حسين باحث وعالم مختصّ بالفيروسات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ولاية ماساتشوستس. وهو يشارك حاليا في العديد من المشاريع التي تركز على تحديد وتتبع وتقصّي أي تغيّرات جينية قد تؤدي إلى تولّد سلالات إنفلونزا لها قدرة على إحداث أوبئة. 

doi:10.1038/nmiddleeast.2014.143


  1. Zaki AM. et al. Isolation of a novel coronavirus from a man with pneumonia in Saudi Arabia. The New England Journal of Medicine 367: 1814-1820 (2012).
  2. Memish ZA. et al. Middle East respiratory syndrome coronavirus in bats, Saudi Arabia. Emerging Infectious Diseases 19: 1819-1823 (2013).
  3. Briese T. et al. Middle East Respiratory Syndrome Coronavirus Quasispecies That Include Homologues of Human Isolates Revealed through Whole-Genome Analysis and Virus Cultured from Dromedary Camels in Saudi Arabia. mBio 5: 1-5 (2014).