أيهما أكثر ابتكارية: الأفكار وليدة الذكاء الاصطناعي أم وليدة البشر؟
01 December 2024
نشرت بتاريخ 12 نوفمبر 2013
يعد التعليم موضوعا كبير الأهمية بالنسبة للأمم المتحدة في الوقت الراهن. في جميع أنحاء العالم يناقش المسؤولون والعلماء والخبراء في مجال التعليم العالي كيفية تحديث الأهداف الإنمائية للألفية التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة. إحدى الأفكار هي أن البديل المقترح، أهداف التنمية المستدامة، ينبغي أن توسّع دائرة التركيز من التعلم في سن المدرسة إلى نوعية التعليم العالي. وقد حصل العديد من قراء نيتشر على تعليم جامعي، وكثير منهم مدرّسون جامعيون بدورهم. ولا بدّ أن يكون للجميع رأي فيه.
خلصت مجموعة رفيعة المستوى شكّلتها المفوضية الأوروبية بغرض تقديم تقرير عن جودة التعليم في مؤسسات التعليم العالي في المنطقة إلى أنها "خيبة أمل محرجة". وأضاف التقرير، الذي نشر في يونيو: "إن الالتزام الجادّ بتقديم أفضل أساليب إنجاز مهمة التدريس الجوهرية ليس عالميا، بل فرديّ في أحسن الأحوال، وكثيرا ما يعتمد على الالتزام المستنير لعدد قليل من الأفراد". وقد ظهرت مخاوف مماثلة بشأن التعليم العالي في الولايات المتحدة.
وتصبح المشكلة أكثر حدة عندما توضع على خلفية استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي. أشار العالم الصيني كيانج وانج على هذه الصفحة في وقت سابق من هذا العام (انظر: Nature 499 , 381; 2013)، إلى وجود انفصال مقلق بين ما يدرسه الطلاب في المدارس والجامعات، والمهارات التي يحتاج إليها هؤلاء الطلاب في العالم الحقيقي. كان يتحدث عن الصين، ولكن الطلاب في كل مكان يواجهون نفس المشكلة المحيرة. نحن بحاجة الى تثقيف شبابنا ليصبحوا أصحاب مشاريع؛ حتى يتمكنوا من خلق فرص عمل خاصة بهم على الرغم من حالة عدم اليقين الاقتصادي.
يجب أن يكون هدفنا من التعليم إيقاد جذوة في قلب كل فرد.
يواجه الطلاب في العالم العربي أيضا حالة عدم اليقين السياسي، كما يتضح من أحداث "الربيع العربي" واستمرار حالات التوتّر. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في مجال التعليم -في الالتحاق بالمدارس، على سبيل المثال– فإن الحاجة إلى استراتيجيات تدريس مبتكرة أمرٌ أكثر إلحاحا هنا. يميل إصلاح التعليم في هذه البلدان إلى التركيز على تشييد المباني الجديدة والمرافق والمناهج. أما المعارف والمعلومات والنظريات فتُقدَّم على أنها حقائق لا تقبل الجدل، وهذا يخلق طلابا يتصارعون مع فكرة عدم اليقين، ولا يطورون مهارات التحليل وحل المشكلات، التي يحتاجون إليها لتحقيق التقدّم.
إننا بحاجة إلى صياغة نظم التعليم الخاصة بنا وتطويرها. فمجرد استنساخ النماذج الغربية من التعليم ببساطة يحمل في طيّاته مخاطر تتجاهل -من بين قضايا أخرى- التكوينات السياسية وشؤون الدين والجنس الخاصة بمنطقتنا. وفي واقع الأمر، سيصبح التعاون الصحي بين الشرق والغرب قابلا للتطور بعد أن ينجح العالم العربي في توسيع برامجه التعليمية المبتكرة.
في أثناء تدريسي لمقرر بيولوجيا الخلية لطلاب الجامعة في الأردن، قدّمت بعض الابتكارات التي تهدف إلى جعل الطلاب يفكرون لأنفسهم. فكما نعلم جميعا، تقدّم وسائل الإعلام في كثير من الأحيان تقارير علمية غير دقيقة. إنني أطلب من الطلاب تحديد مادة في الإذاعة والتلفزيون أو في الصحف، والتحقق من صحتها. بعد ذلك يراسلون المؤسسة الإعلامية لتوضيح النتائج التي توصلوا إليها، مضيفين ملحوظة حول تأثير المعلومات المضلّلة على المرضى وعموم الناس، وأهمية توضيح مصدر القصة.
هذا نموذج لما يسميه المربون "تعلّم الخدمات". حيث يتعلم الطلاب من خلال بحوثهم الخاصة، في حين يخدمون المجتمع في الوقت نفسه، وهو وسائل الإعلام في هذه الحالة، ما يمكنها من الناحية النظرية أن تغيّر طريقة بث التقارير العلمية في المستقبل. يتيح تعلم الطلاب للخدمات معرفة ما هو أكثر من الحقائق؛ إنهم يكتشفون علاقة المعلومة بالحياة الحقيقية، وكيفية تأثيرها على المجتمع. إنهم يرون دورهم في بناء هذا المجتمع ويكتسبون الشعور بالمسؤولية. عندما يتخرجون، سيكونون أكثر ثقة ليحاولوا دفع عملية التغيير، حتى في عالم من البطالة أو عدم الاستقرار.
العديد من طلاب الجامعة لا يكترثون ببعض المقررات الدراسية التي يأخذونها، وهذا يرجع في الغالب إلى كونها إجبارية. وهذا ما ألمسه لدى بعض الطلاب أثناء مقرر البيولوجيا الجزيئية الذي أدرّسه. ولكي أثير اهتمامهم، أود من الناحية المثالية أن أعطيهم رواية ذات صلة ليقرؤوها، مثل رواية راديو داروين لجريج بير. فبالإضافة إلى تغطية المفاهيم الأساسية للبيولوجيا الجزيئية، يناقش هذا الكتاب أخلاقيات تطبيقها على حالات العالم الحقيقي. ستدبّ الحياة في المناقشات الدراسية عند مناقشة الشخصيات والموضوعات، وسيجد الطلاب نقاطا مرجعية مختلفة للنظر في موضوع معين. كما يمكن أيضا استخدام الدراما لتعليم الآليات البيولوجية. إن إشراك الطلاب فعلا في عالم ثلاثي الأبعاد سيجعلهم يفكرون في الآلية من منظور الجزيء. ثم سيتمكنون من فهم القيود والتحديات وقدرات الخلايا وجمالها بشكل أفضل.
إن مجتمعاتنا ليست بحاجة إلى طلاب يحصلون على معلوماتهم من الكتب الدراسية فقط؛ إننا بحاجة إلى طلاب يمكنهم الانخراط في مجتمعاتهم بشكل إيجابي. كثيرا ما يركز التعليم العالي على الشق الأول دون إيلاء الشقّ الأخير أي اهتمام. نحن جميعا أصحاب مشاريع محتملون، بمعنى أننا يمكننا تحديد المشكلات بسهولة. إن التحدّي الأكبر -حيث يفشل التعليم التقليدي- هو تمكيننا من التغلّب على الشكوك والعوائق، والإقدام على اتخاذ الإجراءات اللازمة. إن هدف التعليم العالي بالنسبة للطلاب هو تعلّم تطبيق المعارف والمهارات التي اكتسبوها في عالم الحياة اليومية.
وكما قال الشاعر وليام بتلر ييتس: "التعليم ليس ملء الدلو، بل إشعال النار". يجب أن يكون هدفنا من التعليم إيقاد جذوة في قلب كل فرد.
doi:10.1038/nmiddleeast.2013.209
تواصل معنا: