أخبار

دراسة تربط موجات الحَر بانبعاثات شركات بعينها

نشرت بتاريخ 28 سبتمبر 2025

ربع موجات الحرّ تقريبًا لم تكن لتحدث لولا الاحترار العالمي.. بل ويمكن عزوُها إلى الانبعاثات الصادرة عن شركاتٍ بعينها في قطاع الطاقة.

جيف توليفسون

عامًا بعد عام، تزداد موجات الحَرِّ حدةً وكثافة. 

عامًا بعد عام، تزداد موجات الحَرِّ حدةً وكثافة. 
حقوق الصورة: Mario Tama/Getty

ليس جديدًا أن يعزو علماءُ المناخ العواصفَ والجفافَ وموجاتِ الحَر إلى الاحترار العالمي، فهم يفعلون ذلك منذ عشرين عامًا. الجديدُ أنهم يحمِّلون اليوم الشركاتِ المنتجة للوقود الأحفوري المسؤوليةَ الأساسية عن ذلك. فقد نشرت دورية Nature مؤخرًا دراسةً تُثبت أن نحو ربع موجات الحَر المسجَّلة خلال الفترة الممتدة بين عامَي 2000 و2023 يمكن ربطها مباشرةً بانبعاثات غازات الدفيئة الصادرة عن شركات طاقة بعينها.1

ولعلَّ هذه الدراسة تُتَّخذ دليلًا إضافيًا يؤيد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد عدد من الشركات، وتسعى إلى تحميلها المسؤولية عن الإضرار بالمناخ.

يقول المؤلف الرئيس للدراسة، يان كيلكايل، الباحث في شؤون المناخ بالمعهد الاتحادي للتكنولوجيا في مدينة زيورخ السويسرية: "لأنني عالم، فأنا في حِلٍّ من تحديد المسؤوليات القانونية عن هذه الأحداث. لكن ما أستطيع قوله هو أن كل شركة من هذه الشركات المعروفة بكثافة انبعاثاتها الكربونية تسهم في حدوث موجات الحر، فتجعلها أشدّ حدّة وأكثر تواتُرًا".

خلُصت الدراسة إلى أن أكثر من ربع الموجات المسجَّلة، وعددها 213 موجة، كانت لتكون "مستحيلة الوقوع من المنظور العلمي" لولا الاحترار العالمي الناجم عن الأنشطة البشرية. وقد زادت الانبعاثات المرتبطة بشركات الطاقة وغيرها من مصادر الانبعاثات الرئيسية احتمال وقوع نحو 53 موجة حر بأكثر من عشرة آلاف ضعف.

المصدر: المرجع الأول.

ليست هذه المرة الأولى التي تُعزى فيها آثار تغيّر المناخ إلى الشركات المنتجة للوقود الأحفوري، غير أنّ كيلكايل وفريقه ذهبوا خطوة أبعد من سابقيهم، فربطوا شركاتٍ بعينها مباشرةً بموجات حر محدَّدة. ويقول قانونيون إن هذا النوع من الأدلة قد يدعم دعاوى قضائية مناخية تركز على أحداث بعينها، مثل موجة الحَر التي اجتاحت شمال غرب المحيط الهادئ في الولايات المتحدة عام 2021. وقد رفعت بالفعل حكومةُ إحدى مقاطعات ولاية أوريجون دعوى مدنية تطالب بتعويض قدره 52 مليار دولار أمريكي ضد الشركات المنتِجة للوقود الأحفوري بدعوى تسبُّبها في تلك الموجة.

ويقول كريستوفر كالاهان، الباحث المتخصص في أنظمة الأرض في جامعة إنديانا بمدينة بلومنجتون الأمريكية، الذي سبق أن ربط الآثار الاقتصادية لارتفاع درجات الحرارة بالشركات المنتِجة للوقود الأحفوري2: "هذه الدراسة تمثل إضافةً إلى أدبياتٍ نامية ــ وإن كانت لا تزال محدودة ــ تُظهر أنّه بات ممكنًا اليوم إثبات وجود رابط سببي مباشر بين مصادر الانبعاثات والأخطار الناجمة عن تغيّر المناخ". أما كيف توظَّف هذه النتائج فهو متروك للقضاة وهيئات المحلَّفين والمحاكم والساسة.

انبعاثات هائلة

بدأ كيلكايل وزملاؤه بإعداد سجلٍّ تاريخي لحجم غازات الدفيئة الصادرة عن 180 من الجهات المعروفة بكثافة الانبعاثات الناتجة عن أنشطتها، ومنها كبريات شركات الطاقة فضلًا عن المؤسسات المملوكة للدول مثل شركة «أرامكو» Aramco السعودية وشركة «جازبروم» Gazprom الروسية (وجَّهت مجلة Nature إلى الشركتين دعوةً للتعليق، لكنها لم تتلقَّ منهما ردًّا). كما أحصى الباحثون الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الإسمنت والفحم في دول مثل الهند والصين. وخلصت الدراسة إلى أن هذه المؤسسات مجتمعةً مسؤولة عن نحو 57% من الانبعاثات التاريخية على مستوى العالم.

استخدم الفريق نماذج مناخية لتحليل اتجاهات درجات الحرارة العالمية في سيناريوهين: مع وجود غازات الدفيئة وفي غيابها. ثم قيّم الأثر المحتمل للاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري على موجات الحَر المسجَّلة حول الكوكب، وأرجع هذه الآثار إلى الانبعاثات المرتبطة بشركاتٍ بعينها من كبريات الشركات المنتِجة للانبعاثات الكربونية (انظر: فُرص حدوث موجات الحر أعلى من أي وقتٍ مضى).

ويقول كارستن هاوشتاين، عالِم المناخ في جامعة لايبزيج بألمانيا: "إنها مقاربة منهجية تقطع بنا خطوة أخرى على الطريق نحو إثبات وجود علاقة سببية مباشرة، بحيث أصبح في إمكاننا توجيه اللوم إلى الجهات المسؤولة، وعلينا ألا نتقاعس عن فعل ذلك".

وعلى الرغم من هذه التقديرات العلمية اللافتة بشأن مسؤولية هذه الشركات كثيفة الانبعاثات، لا تزال حالةٌ من عدم اليقين تكتنف الأمر في كثير من الأحيان، وذلك بالنظر إلى ندرة موجات الحَر الشديد من الناحية الإحصائية. فبحسب التقدير الأساسي الذي خرج به كيلكايل وزملاؤه، مثلًا، زادت انبعاثات شركة «إكسون موبيل» ExxonMobil من احتمال وقوع موجة الحَر التي حلَّت بمنطقة شمال غرب المحيط الهادئ عام 2021 بأكثر من عشرة آلاف ضعف. غير أنّ التقديرات، في حدِّها الأدنى، تشير إلى أنّ الشركة لم تزد ذلك الاحتمال إلا بنسبة 19% فحسب. ولم ترد شركة «إكسون موبيل» على طلب للتعليق من فريق الأخبار في Nature.

أسئلة قانونية

تقول جيسيكا وينتز، الباحثة القانونية في «مركز سابين المعني بقوانين تغيّر المناخ» بجامعة كولومبيا، والمقيمة في مدينة سانتا روزا بولاية كاليفورنيا الأمريكية: "ستسهم هذه النتائج في فتح نقاش عام – نحن في أمسِّ الحاجة إليه – بشأن المسؤولية عن أضرار التغير المناخي". وتضيف أن هذا البحث قد تكون له انعكاسات مباشرة على عشرات الدعاوى القضائية الجارية ضد منتجي الوقود الأحفوري. غير أن العلم ليس سوى جانبٍ من جوانب عدة يُنظر إليها في مثل هذه القضايا.

ومن الأسئلة القانونية المطروحة مثلًا: هل من المنطقي تحميل شركات الطاقة مسؤولية تغيّر المناخ، وإلى أي مدى؟ فهي تعمل في إطار قوانين وطنية ودولية، وغالبًا ما تحظى بدعم حكومي، بينما عملاؤها هم الذين يستهلكون الوقود الأحفوري فعلًا ويطلقون غازات الدفيئة.

وتقول وينتز إن معظم الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحاكم الأمريكية ــ التي يزيد عددها على عشرين دعوى ــ تدفع بأن الشركات المُنتجة الوقود الأحفوري، مثلها مثل شركات التبغ قبل عقود، كانت على علم بالمخاطر التي تطرحها منتجاتها، وسعت عمدًا إلى تقويض العلم والسياسات الحكومية التي كان من شأنها أن تحول دون وقوع تلك الأضرار. وتضيف: "لقد ضلّلوا الرأي العام؛ وهذا بحد ذاته يُثبت التهمة عليهم".

يعكس هذا الطرح أيضًا كيفية تعامل العلماء مع الأرقام. يقول كالاهان: "ثمة اليومَ كثرةٌ من الأدلة على أن كبار منتجي الوقود الأحفوري كانوا على دراية بتغيّر المناخ قبل غيرهم، واستغلوا قوتهم وأرباحهم لإضعاف العمل المناخي وتشويه سمعة علم المناخ". وهذا يجعل تحميل هذه الشركات مسؤولية الانبعاثات الناجمة عن المنتجات التي تبيعها فعلًا "سليمًا من الناحية الأخلاقية"، على حدّ تعبيره. ويضيف: "إنه قرارٌ اتخذناه، ونعلن ذلك دون مواربة".

وقد تواصلت دورية Nature أيضًا مع شركات أخرى – هي «بي بي» BP، و«شِل» Shell، و«شيفرون» Chevron، و«الشركة الوطنية الإيرانية للنفط» National Iranian Oil Company، و«كول إنديا» Coal India – للتعليق على نتائج الدراسة، لكن الدورية لم تتلقَّ ردًّا من هذه الشركات حتى وقت مثول هذه المقالة للنشر.

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 15 سبتمبر 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.167


1.     Quilcaille, Y. et al. Nature 645, 392–398 (2025).

2.     Callahan, C. W. & Mankin, J. S. Nature 640, 893–901 (2025).