جائزة نوبل في الطب تذهب إلى مكتشفي أسرار تنظيم الجهاز المناعي
06 October 2025
نشرت بتاريخ 24 سبتمبر 2025
روبوتات الدردشة «يسوع» ليست تقنيات الذكاء الاصطناعي الوحيدة التي بدأت تتسلل إلى الممارسات الدينية، الأمر الذي يُنظر إليه بعين الريبة والحذر في أوساط بعض المتعبدين.
Credit: Vatican Pool/Getty
إن تطويب كارلو أكوتيس ورفعه إلى مصاف القديسين في السابع من سبتمبر الجاري على يد البابا ليو الرابع عشر لهو إمارة واضحة على أن الكنيسة الكاثوليكية تمضي بخطى متزايدة نحو احتضان العالم الرقمي.
أكوتيس، الذي وافته المنية عن عمر يناهز الخمسة عشر ربيعًا من جراء الإصابة في عام 2006 بمرض اللوكيميا ، ذاع صيته لتسخيره الإنترنت لنشر إيمانه، حيث أنشأ موقعًا إلكترونيًّا لتوثيق معجزات الإفخارستيا (سر التناول في المسيحية) التي اعترفت بها الكنيسة. وقد أكسبه هذا كنية "المؤثر الداعية" God’s influencer.
وما صنعه هذا المراهق القديس ذو الدراية الواسعة بعالم التقنيات، ليس سوى مثال واحد على سبل اقتحام التقنيات الحديثة عالم الممارسات الدينية: فروبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والروبوتات التي تؤدي الشعائر والطقوس الدينية تتقلد الآن بالفعل أدوارًا روحية لطالما كانت من نصيب البشر. وتخالج المتعبدين مشاعر متضاربة حيالها.
روبوت الدردشة «يسوع»
أفضى ظهور روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى ابتكار أدوات تدعي إتاحة الفرصة للأشخاص للتحدث مباشرة إلى شخصيات دينية مثل يسوع المسيح. حلل آني فيرهوف، الفيلسوف من جامعة نورث-ويست في بلدة بوتشيفستروم بجنوب إفريقيا، خمسة روبوتات دردشة شهيرة تزعم أنها يسوع، وذلك بطرح أسئلة عليها تتعلق بهويتها وبمبادئ لاهوتية أساسية، وخلص إلى اتجاهات مثيرة للقلق.
ولا واحد من روبوتات الدردشة الخمسة التي خصها بالدراسة طورته أو اعترفت به أي من الكنائس، كما لم يُعرف على وجه التحديد ماهية النصوص الدينية التي دُربت عليها هذه الروبوتات. علاوة على أن أربعة من هذه الروبوتات أنشأتها وتديرها حاليًّا شركات خاصة - تحمل أسماء غير معروفة مثل «كاتلوف سوفتوير» Catloaf Software، وهي شركة لتطوير تطبيقات الهواتف المحمولة تقع في لوس أنجيليس بولاية كاليفورنيا الأمريكية. أما الروبوت الخامس فتديره جماعة مسيحية في كوريا الجنوبية لا تمت بصلة رسمية إلى أي كنيسة. وجميع نماذج الذكاء الاصطناعي تلك متاحة بالمجان وتُمول بالإعلانات، غير أن أحدها متاح باشتراك مدفوع يسمح بالحصول على نسخة خالية من الإعلانات.
يقول فيرهوف: "يصعب الجزم بما إن كانت هذه المبادرات تهدف حقًا إلى خدمة الدين، أم أنها مجرد وسيلة لاستدرار أموال المخلصين للدين".
من دواعي القلق أيضًا أن معظم روبوتات الدردشة الدينية تدعي أنها يسوع نفسه، لا مجرد ذكاء اصطناعي ابتكره البشر لينتحل شخصيته. يستطرد فيرهوف قائلًا: "إن كان الأمر حقًا من صميم المسيحية ومن جوهر الإيمان الصادق، فلا يُفترض أن ينتحلوا صفة الله". ويضيف: "ما أوسع احتمالات استغلال وإساءة استعمال هذه النوعية من روبوتات الدردشة" - فإذا آمن الناس أن روبوت دردشة هو حقًا وحي من الله، فلعلهم يقتنعون بإتباع تعليماته إن كانت لأغراض غير أخلاقية.
وبحسب تقديرات فيرهوف، تزداد شعبية روبوتات الدردشة «يسوع» على نحو مطرد ويصل عدد مستخدميها إلى مئات الآلاف. بل تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضًا في أدوار أو مهام تغلب عليها الصفة الرسمية؛ ففي العام الماضي، في إطار تجربة بالتعاون مع جامعة محلية، ثبتت كنيسة كاثوليكية في لوسرن بسويسرا، أحد روبوتات الدردشة المعروفة باسم «يسوع» في كشك الاعتراف للإجابة عن أسئلة لاهوتية وتقديم الإرشاد الروحي. وفي عام 2023، حضر مئات اللوثريين في نورنبيرج بألمانيا خدمة كنسية أعدها وقدمها روبوت الدردشة «تشات جي بي تي». وقد قُوبل استخدام الذكاء الاصطناعي في كلتا المناسبتين بقدر لا بأس به من الحفاوة، بحسب فيرهوف. وقد تحل روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في المستقبل محل الكهنة في العديد من الأدوار، لكن فيرهوف يرى في ذلك إشكالية كبيرة.
فيتساءل: "إذا كانت عظة ما من إعداد الذكاء الاصطناعي وليس الإنسان، إلى أي مدى يمكننا اعتبارها وحيًا روحيًّا"؟
ترحاب في الأوساط الدينية
المسيحية ليست الديانة الوحيدة التي تلجأ إلى أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية؛ فهنالك أيضًا روبوتات دردشة بوذية وهندوسية ويهودية وإسلامية، غير أن بعض الأديان أكثر انفتاحًا من غيرها على تبني تقنيات حديثة، وكل منها يوظف هذه الأدوات على نحو مختلف عن غيره. فالهندوسية والبوذية، على سبيل المثال، أدخلتا بالفعل بعض أشكال الأتمتة البسيطة إلى شعائرهما الدينية. بعض المعابد في الهند طفقت تستخدم أذرعًا روبوتية لأداء طقس «آرتي» aarti الهندوسي، الذي يقدم فيه المكرسون مصباحًا زيتيًّا إلى الإله كرمز للتخلص من الظلام. وبالانتقال إلى ولاية كيرلا الهندية، نجد أن أحد المعابد هناك يستخدم فيلًا آليًا يعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ومرد ذلك أن هذه التقاليد تولي أهمية أكبر لأداء المناسك أداءً صحيحًا، أكثر من اهتمامها بمعتقد الشخص الذي يؤديها، بحسب هولي وولترز، اختصاصية علم الأنثروبولوجيا بكلية ويليسلي بماساتشوستس. وتشير وولترز إلى وجود ركيزة فلسفية تبرر إدماج التقنيات الحديثة - مثل أدوات الذكاء الاصطناعي والروبوتات - في الممارسات الدينية. فتقول: "الروبوتات لا تكل ولا تمرض ولا تنسى، كما يمكن برمجتها على عدم الوقوع في أخطاء أبدًا".
من جانبه يرى جوشوا جاكسون، المتخصص في علم السلوك بجامعة شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكية، أن الاختلاف المذهبي ما بين التشديد على صحة أداء الطقوس من جانب وامتلاك العقيدة السليمة من جانب آخر يتجلى في بحثه الذي خرج بأن الأشخاص في البلدان ذات الأغلبية المسيحية ينزعون إلى أن يكونوا أقل تسامحًا مع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في دور العبادة مقارنة بأولئك في البلدان الأخرى1. فيتابع قائلًا: "الناس في اليابان أكثر تسامحًا جدًا مع وجود واعظ روبوتي مقارنة بالناس في الولايات المتحدة".
غير أنه حتى في اليابان، أفاد أشخاص بأن الواعظ الروبوتي يشعرهم بأنهم أقل التزامًا تجاه الدين مقارنة بالواعظ البشري1. ويضيف: "حتى لو تبنى القادة الدينيون تلك التقنيات في المستقبل، يوعز بحثنا أنها قد لا تكون بالفاعلية أو الإقناع أو الإلهام نفسه الذي يحققه وجود شخص حقيقي يتقلد السلطة الدينية".
وقد رأت وولترز ردود فعل مماثلة تجاه الطقوس التي يمارسها روبوتات في الهند. فرغم ترحيب الدين بالطقوس المؤتمتة، كثيرون خالجتهم مشاعر متضاربة حيال دمج المزيد من التكنولوجيا في العبادة، على حد قولها.
وتضيف: "يتساءل البعض: هل لا نزال نعتبر هندوسيين إذا لم نؤد أيًّا من هذه الطقوس بأنفسنا؟ هم يرحبون بالأتمتة، إلا أن هنالك حدًا معينًا تصبح بعده غير مقبولة".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ 15 سبتمبر 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.164
تواصل معنا: