جائزة نوبل في الطب تذهب إلى مكتشفي أسرار تنظيم الجهاز المناعي
06 October 2025
نشرت بتاريخ 22 سبتمبر 2025
تشهد المنطقة العربية صعود مبادرات محلية وأكاديمية لدعم الباحثين ونشر المعرفة العلمية، غير أن تحديات التمويل والبنية المؤسسية تظل عائقًا أمام ترسيخ دورها على المدى الطويل.
برزت في السنوات الأخيرة مبادرات عربية تدعم الباحثين، وتعزز التواصل العلمي، وتوفر حلقة وصل بين المجتمع المحلي والدولي. وبالرغم من عملها في واقع صعب وضمن موارد محدودة، تمضي هذه المبادرات قدمًا خطوة تلو الأخرى، لتحدث أثرًا في واقع البحث العلمي في المنطقة.
ولأن الحاجة عادة أم الاختراع، اتسمت هذه المبادرات بروح من المرونة والابتكار، لسدّ فجوات واضحة في المشهد العلمي العربي.
فمثلًا، في عام 2012 أطلق باحثون مصريون بالخارج مؤسسة علماء مصر بشكلٍ تطوعي، بهدف دعم الطلاب والباحثين المصريين في الحصول على أفضل الفرص الدراسية والبحثية بالخارج، وبناء جسر بين العلماء المصريين في الخارج ومجتمع البحث العلمي والصناعة وريادة الأعمال داخل مصر.
بينما تشير دعاء مجاهد، مديرة العمليات في المنتدى العربي العلمي (ساف)، إلى أن المبادرة بدأت كفكرة أثناء جائحة كوفيد 19، حين لمس مؤسسها جون دانيال، الذي كان باحثَا في جامعة كامبريدج، قلة المعلومات المتاحة باللغة العربية حول الجائحة وكيفية التعامل معها. وسرعان ما اجتمع الباحثون لتوفير وترجمة المعلومات ونشرها بسرعة، قبل أن تتوسع المبادرة إلى ما هو أبعد من توفير معلومات حول الجائحة.
أما في فلسطين، فقد أسست ضحى شلة مجتمع البحث العلمي في فلسطين، بعدما اكتشفت شغفها بالبحث العلمي أثناء دراستها للطب. وجدت شلة أن الجامعات لا تدعم هذا الاهتمام مبكرًا، فبدأت بالتطوع في المختبرات المختلفة بين عامي 2016 و 2019، حتى اجتمع حولها طلاب لديهم نفس الشغف. وسرعان ما توسع المجتمع ليضم ممثلين من جميع الجامعات الفلسطينية وعدد من الجامعات خارجها.
وفي قطر، انطلقت منظمة المجتمع العلمي العربي (أرسكو)، بعد نقاشات بين موزة الربان، وأنطوان زحلان، ورشدي راشد، حول واقع المجتمع العلمي العربي، لتؤسس بعدها أرسكو عام 2010 كمؤسسة خيرية غير ربحية.
الرؤية والأهداف
الأفكار وحدها لا تكفي، لذا يفكر القائمون على تلك المبادرات في عدة أمور أساسية، منها الإطار القانوني، وتحديد الرؤية والأهداف، والتمويل بطبيعة الحال.
على مستوى الهيكل المؤسسي، تشير موزة بنت محمد الربَّان، رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي، أن المنظمة تضم مجلس أمناء من أساتذة وعلماء عرب من داخل الوطن العربي وخارجه، وهيئة استشارية علمية، ومكتبًا تنفيذيًا في الدوحة.
تهتم المنظمة بالنشر العلمي وتبادل الخبرات بين الباحثين عبر خطط عملية لربط الجامعات بالمجتمع، وإصدار مجلة علمية محكّمة باللغة العربية، وإطلاق جائزة سنوية للباحثين العرب المتميزين.
أما "علماء مصر"، فيتألف فريق المؤسسة من مجلس إدارة، ومجلس استشاري، ومجلس تنفيذي يشرف على جميع أنشطة المؤسسة، والتي تضم حاليًا نحو 238 متطوعًا نشطًا موزعين على قرابة 20 دولة حول العالم، يعملون من خلال 22 فريقًا متخصصًا.
وبالحديث عن الرسالة، توضح إلهام فضالي، عضو مجلس إدارة "علماء مصر"، ومسئولة العلاقات العامة بالمؤسسة، أن أهداف المؤسسة تتضمن تدريب وإرشاد الباحثين، وعقد ورش عمل ومحاضرات، وكذلك دعم الطلاب والباحثين، وربط المواهب العربية بالجامعات العالمية، وتعزيز ثقافة التميز العلمي وريادة الأعمال ونقل المعرفة والابتكار.
بينما يهتم "ساف" بالأساس بالتواصل العلمي مع الصحفيين وشباب الباحثين، بالإضافة لتبسيط المعلومات العلمية للجمهور العام، مع عقد مؤتمر افتراضي سنويًا، يجمع صغار الباحثين مع أقرانهم من ذوي الخبرة. تعتمد "ساف" نموذجًا أشبه بالشركات الناشئة، ولكنها لا تزال تعتمد على التبرعات، مع عقد شراكات مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية.
أما مؤسسة مجتمع البحث العلمي في فلسطين، فتعمل بالأساس على سدّ الفجوة بين الطلاب والباحثين من ناحية، وأساتذة الجامعات من ناحية أخرى. وعلى مدار سنوات عملها، استطاعت ضم 500 متطوع، وعقد 19 تدريبًا، والعمل مع 800 طالب، بالإضافة إلى الفعاليات والأنشطة المخصصة لنشر المعرفة للجمهور غير المتخصص.
تحديات التمويل
يُعد تمويل هذا النوع من المبادرات عائقًا رئيسيًا، مما يتطلب مرونة شديدة واستعدادًا للتفكير خارج الصندوق، مع التعاون مع العديد من الشركاء للوصول إلى مصادر تمويل مستدامة.
تعتمد معظم المبادرات على شبكة واسعة من المتطوعين، كما هو الحال في "علماء مصر"، بدءًا من المجلس الاستشاري ومجلس الإدارة والمجلس التنفيذي، إضافةً إلى مساهمات عينية وخدمية من شركات عالمية مثل بوديو، مايكروسوفت، وجوجل. وتسعى "علماء مصر" إلى تأمين مصادر دخل أكثر استدامة عبر شراكات مع مؤسسات صناعية وبحثية، إلى جانب تنويع موارد التمويل بالاستفادة من نشاطها على المنصات الرقمية وخبرات متطوعيها، دون التأثير على التزامها التام بمجانية خدماتها.
تعتمد "ساف" أيضًا على المتطوعين، ولكن وفق مجاهد، "نحتاج في المرحلة المقبلة لشراكات مع مؤسسات أخرى كشكل من أشكال التكامل، فمثلا، نتواصل مع الصحفيين ونوصلهم بالعلماء والمؤسسات، ونتشارك مع ناشرين متخصصين في الكتابة للأطفال لتوفير محتوى مناسب لهم".
الأمر ذاته بالنسبة لمجتمع البحث العلمي في فلسطين، إلا أنه اعتمد في البداية على حاضنات المشاريع الصغيرة، ولكن لم تكلل التجربة بالنجاح، بسبب رغبة الحاضنات في الوصول لنموذج هادف للربح وهو ما يتعارض مع رؤية المؤسسة المُسجلة كمؤسسة غير حكومية وغير هادفة للربح.
تقول شلة، "ربما لا يزال أمامنا المزيد من التحديات السياسية، لكن نأمل أن نتخطاها ونستمر في العمل، عن طريق عقد شراكات مع جامعات، وسيكون تركيزنا بالأساس على تنمية القدرات في منهجيات البحث وغيرها من المعارف الضرورية للباحث".
وفق الربان، تحاول أرسكو الحفاظ على استقلاليتها بعدم تلقي دعم خارجي مشروط، وتعتمد منذ تأسيسها على التمويل الكامل من مؤسسة الربّان للدراسات والبحوث، التي تملكها رئيسة المنظمة. ومع ترسيخ مكانتها وتوقيعها مذكرات تفاهم مع مؤسسات عربية مرموقة، بات المجال مفتوحًا للشراكات والتمويل الطوعي لدعم أنشطتها، مع دراسة خطط مستقبلية لتنويع التمويل عبر برامج تدريبية وخدمات استشارية وإصدارات علمية.
القيمة المضافة
تقدم "علماء مصر" برامج متعددة. تعقب فضالي، "استفاد عشرات الآلاف من الطلاب العرب من خدمات علماء مصر المختلفة، من دول متعددة مثل الجزائر، اليمن، فلسطين، المغرب، سوريا، موريتانيا، السودان، والأردن".
كذلك تنظم "علماء مصر" برنامج ممكن للمكفوفين ومتحدي الإعاقة في العالم العربي، للحصول على فرص متساوية في التعليم وسوق العمل، من خلال توفير الأدوات والدعم اللازم وتطوير المنتجات والتقنيات المناسبة.
وعلى صعيد الشراكات، يعمل ساف مع منتدى الصحافة العلمية من خلال مسابقة سنوية، يفوز فيها ثلاثة فائزين بحضور المنتدى كل عام. تضيف مجاهد، "نستشعر زيادة الاهتمام بالمحتوى الذي نقدمه، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والذي نرى زيادة مطردة في عدد متابعيها، بالإضافة لتزايد عدد الصحفيين المتقدمين للمسابقة كل عام".
بينما تحاول منظمة المجتمع العلمي العربي، التمسك بالهوية واللغة العربية من خلال إحدى روافدها، وهي مجلة "أجسر" المحكّمة، والتي تصدر باللغة العربية، وتهدف إلى تجسير الهوة بين الواقع الذي يُهمل فيه استخدام اللغة العربية في الكتابة العلمية الرصينة وبين مستقبل يتمكن فيه الباحث العربي أن يكتب ويقرأ ويفكر ويتعلم ويُعلّم بلغته المحلية.
بالرغم من محدودية الموارد، لا تزال تلك المبادرات تبني جسورًا جديدة للعلم، لكن يظل التحدي الأكبر أمامها في ضمان استدامة هذه الجهود عبر شراكات ومصادر تمويل متعددة، لتمكين الباحثين في العالم العربي.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.161
تواصل معنا: