رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 16 يناير 2024
تحدث السكتة الدماغية بمعدلات أعلى لدى المصريين وفي سن أصغر مقارنةً بمعظم الدول الغربية
تُصنّف السكتة الدماغية ثاني أكبر سبب لوفاة البالغين وثالث أكبر سبب للإعاقة، وتؤدي إلى وفاة 5.5 ملايين شخص سنويًّا حول العالم، إضافةً إلى إصابة نحو 50% من المصابين بها بإعاقةٍ مزمنة.
وتحدث السكتة الدماغية عندما يتوقف تدفق الدم إلى أجزاء من الدماغ، ما قد يسبب تلف الخلايا العصبية أو موتها.
وبالرغم من أن هناك عوامل خطر قابلة للتعديل تؤدي دورًا كبيرًا في الإصابة بالسكتة الدماغية، في مقدمتها ارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى الكوليسترول والدهون بالدم والتدخين، إلا أن هناك عوامل خطر وراثية يمكن أن تسهم أيضًا في قابلية الأشخاص للتعرض للسكتة، كما أن الأشخاص الذين لديهم طفرة في جين يسمى (MTHFR) قد يكونون أكثر تعرضًا للإصابة بالسكتة الدماغية.
واستنادًا إلى البيانات السكانية التي أُجريت في مصر، تحدث السكتة الدماغية بمعدلات أعلى من معظم الدول الغربية، وفي سن أصغر بنسبة تصل إلى 20.5%.
وعن مدى تطابق ذلك مع حالة المصريين، ربطت دراسة أُجريت في مصر بين المتغيرات الجينية في جين (MTHFR) وزيادة القابلية للإصابة بالسكتة الدماغية بين السكان.
وتسلط الدراسة -التي نشرتها دورية "ساينتفك ريبورتس" (Scientific Reports)- الضوء على التفاعل بين العوامل الوراثية والبيئية في تطور السكتة الدماغية.
الاكتشاف المبكر
تقول عفاف السعيد، أستاذ الكيمياء الحيوية بوحدة الجينات الوراثية في كلية الطب بجامعة المنصورة بمصر، والمشاركة في الدراسة: "إن الجينات الوراثية المسببة للأمراض تختلف من شعبٍ إلى آخر، وأثبتت دراستنا أن المصريين يتطابقون مع العديد من المجتمعات فيما يتعلق بخطورة الطفرات الوراثية في جين (MTHFR) وتأثيرها وعلاقتها بزيادة خطر إصابة الأفراد بالسكتة الدماغية".
تضيف "السعيد" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": لا يُسهم تحديد العوامل الوراثية المؤدية إلى الإصابة بالسكتة الدماغية في الكشف المبكر عن المرض فقط، بل يساعد أيضًا على تنفيذ تدخلات علاجية أو تعديلات في نمط الحياة للوقاية من المرض.
وتتابع: وجدنا أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم، وثبت أن لديهم طفرةً في جين (MTHFR) عبر إجراء تحليل وراثي، يكونون أكثر تعرضًا لخطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
ويُسهم الاكتشاف المبكر لهذه الطفرة الوراثية على نحوٍ كبير في علاج المسببات التي تزيد خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وفي مقدمة وسائله مراقبة مستويات ضغط الدم والكوليسترول والدهون الثلاثية وضبطها، وتناول العلاجات اللازمة للسيطرة على مستوياتها حتى يمكن الوقاية من المرض.
دراسة الحالات والشواهد
راقب الباحثون 100 ناجٍ من السكتة الدماغية تتراوح أعمارهم بين 19 إلى 88 عامًا، عُولجوا في مستشفى جامعة المنصورة خلال يونيو 2022 إلى أبريل 2023، و150 من الأصحاء في العمر والجنس نفسه.
وتنتمي الدراسة إلى ما يُعرف بـ"دراسات الحالات والشواهد"، وهي نوع من الدراسات الرصدية الوبائية التي تقارن بين مجموعتين، إحداهما تعاني من حالة مرضية معينة، والأخرى لا تعاني من المرض، لفحص العلاقة المحتملة بين المرض وسمة أو عامل خطر مُشتبَه به، وأجرى الفريق تحليلًا وراثيًّا للمشاركين، بالإضافة إلى رصد ومراقبة العوامل الأخرى التي تُسهم في خطر السكتة الدماغية، وفي مقدمتها ضغط الدم.
وكشفت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم طفرة في جين (MTHFR) قد يكونون أكثر تعرضًا للإصابة بالسكتة الدماغية.
يُعد جين "إم تي إتش إف آر" مسؤولًا عن إنتاج إنزيم ضروري لتحويل حمض الفوليك إلى الشكل النشط الذي يستخدمه الجسم، ويمكن أن تؤثر هذه الطفرة على كيفية عمل الجين.
ووجد الباحثون أن هناك نوعين رئيسيين من الطفرات في جين "إم تي اتش إف آر" هما الطفرة (A1298C) وتتسبب في أن يكون الإنزيم أقل فاعليةً في تحويل حمض الفوليك إلى الشكل النشط، بالإضافة إلى الطفرة (C677T) التي تتسبب في أن يكون الإنزيم أقل استقرارًا، ويمكن أن تؤدي هاتان الطفرتان إلى زيادة مستويات "الهوموسيستين" في الدم، وهو حمض أميني يمكن أن يكون سامًّا للخلايا إذا ارتفعت مستوياته.
وعن علاقة جين "إم تي اتش إف آر" بالسكتة، ذكرت دراسة سابقة أن الأشخاص الذين لديهم طفرة في هذا الجين لديهم مستويات أعلى من "الهوموسيستين" في الدم، وهذا يجعلهم أكثر تعرضًا لأمراض القلب والأوعية الدموية، التي تُعد عامل خطر رئيسيًّا للسكتة الدماغية، كما يُعتقد أن ارتفاع مستوى "الهوموسيستين" يُسهم في تصلب الشرايين ويعزز تكوين جلطات الدم، وكلاهما يسهم في تطور السكتة.
خطوة على الطريق
من جهته، يرى شريف الخميسي -أستاذ الطب الجيني ورئيس قسم الأبحاث بجامعة شيفيلد في المملكة المتحدة، وغير المشارك بالدراسة- أن "اكتشاف متغيرات محددة لدى المصريين في جين يرتبط بخطر الإصابة بالسكتة الدماغية أمر مهم وخطوة في الاتجاه السليم".
يقول "الخميسي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يتسق ذلك مع اهتمام مصر بمشروع "الجينوم البشري المرجعي للمصريين"، الذي يركز على بناء جينوم مرجعي مصري يحمل المتغيرات الجينية الأكثر شيوعًا لدى السكان.
لكن "الخميسي" يرى في الوقت ذاته أن "الفريق البحثي يحتاج إلى إجراء مزيد من الدراسات لاكتشاف السبب الذي يجعل الطفرتين المحددتين على وجه الخصوص ترتبطان بزيادة خطر تطور السكتة لدى المصريين".
ووافقته الرأي إنجي عاصم أشعت -أستاذ الوراثة الإكلينيكية المساعد بالمركز القومي للبحوث في مصر، وغير المشاركة بالدراسة- مضيفةً أن الدراسة تأتي في إطار التوصيات بإجراء العديد من الدراسات الدولية، التي تشمل أجناسًا ومجموعاتٍ عرقيةً مختلفة، لدراسة الطفرات الجينية في جين "إم تي اتش إف آر" وارتباطها بالسكتة الدماغية.
تقول "أشعت" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يُنصح مَن لديهم استعداد وراثي لخطر السكتة الدماغية بضرورة اتباع نظام غذائي صحي، والابتعاد عن التدخين، وتنظيم مستويات ضغط الدم، وممارسة الرياضة، وإجراء فحوصات دورية لمستويات دهون الدم مثل الكوليسترول والدهون الثلاثية، لتجنُّب حدوث السكتة الدماغية وجلطات القلب.
وتضيف: لا ترتبط الطفرات في هذا الجين بالسكتة الدماغية فقط، لكنها يمكن أن تسبب مشكلاتٍ مرضيةً أخرى، وقد شاركتُ مؤخرًا في دراستين مصريتين، وجدتا علاقةً بين المتغيرات في هذا الجين وظهور سمات توحد لدى الأطفال، والعيوب الخلقية بالقلب مثل عيوب الحاجز الأذيني والبطيني لدى الأطفال، بالإضافة إلى الإجهاض المتكرر لدى السيدات.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.22
تواصل معنا: