لماذا حصد التنبؤ ببنية البروتينات جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024؟
12 October 2024
نشرت بتاريخ 9 أغسطس 2023
هذه الأداة القائمة على الذكاء الاصطناعي تتيح لمن لا يملكون ناصية الكتابة أن يُنتجوا نصوصًا عالية الجودة.. إلا أنها لا تؤثر في كتابات المُجيدين من الكُتَّاب إلا قليلا.
أفادت دراسة1 حديثة بأن روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» ChatGPT يمكن أن يساعد على إنجاز مهام الكتابة بسرعةٍ أكبر، وجودةٍ أعلى. وأثبتت الدراسة أن هذه الأداة البرمجية القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي تكون مفيدةً بوجهٍ خاص في حالة ضِعاف الكتابة، أي الذين لا يُتقنون فنونها، إذ ترفع مستوى كتابتهم إلى درجةٍ تقترب بعض الشيء من مستوى أشخاصٍ أعلى منهم مستوًى، وأكثر حِذقًا.
تطرح النتائج التي خلُصَتْ إليها الدراسة أسئلةً حول ما إذا كان «تشات جي بي تي»، وما أشبهه من أدوات، سوف تحلُّ محلَّ العمالة البشرية. غير أنها تشير أيضًا، حسبما أوضح مؤلفو الدراسة، إلى بعض الفوائد الاجتماعية المحتملة.
ففي تعليقٍ أدلَتْ به ويتني تشانج، التي شاركت في وضع الدراسة، وهي طالبة دكتوراه بقسم الاقتصاد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي MIT) بمدينة كيمبريدج الأمريكية، قالت: "ربما تكون دلالة ذلك أننا قد نشهد، في المدى البعيد، تراجعًا لمظاهر غياب العدالة، مع توحيد مستوى الأداء الذي يقدِّمه أصحاب مهارةٍ بعينها".
مهمة كتابة
تقول تشانج إنه عندما أُزيح الستار عن «تشات جي بي تي» في نوفمبر من عام 2022، أخذ الجميع يفكرون في هذه الأداة – التي تُنتج نصوصًا عالية الجودة عند الطلب – ويخمِّنون شكل تأثيرها في سوق العمل. ومن هذا المنطلق، أقدمت الباحثة، بمعاونة زميلها شاكد نوي، وهو طالب دكتوراه بقسم الاقتصاد بمعهد «إم آي تي» أيضًا، على تصميم تجربة تهدف إلى قياس تأثير «تشات جي بي تي» في إنتاجية العمَّال. ونُشرت نتائج الدراسة بدورية «ساينس» Science العلمية في وقتٍ سابق من الشهر الجاري.
شارك في الدراسة 453 موظفًا من حَمَلة المؤهلات العليا: منهم من يعمل في مجال التسويق، ومنهم المتخصص في كتابة طلبات المِنَح، ومنهم المدراء أيضًا. وطلب الباحثان من المشاركين كتابة بيانات صحفية، وتقارير قصيرة، وخطط تحليل أعمال، وغير ذلك من صنوف النصوص.
وبعد انتهاء نصف المشاركين تقريبًا من إنجاز مهمة كتابة مبدئية، طُلب إليهم التسجيل في «تشات جي بي تي»، واستخدامه لإنتاج قطعة نصية ثانية، إذا ما وجدوا في استخدامه نفعًا. وهنا، لاحظ الباحثان أن المشاركِين الذين أُتيح لهم استخدام هذه الأداة قد تمكَّنوا من إنجاز المهمة الثانية خلال مدةٍ زمنية أقصر بشكلٍ ملحوظ: 16 دقيقة في المتوسط، مقارنةً بما متوسطه 27 دقيقة في حالة المجموعة التي لم يُتَح لها استخدام تلك الأداة.
وكان الباحثان قد اتفقا مع خبراء من ذوي الاختصاص على تقييم جودة النصوص المقدَّمة من المشاركين، وإعطاء كل نص درجة من 1 إلى 7. لوحظ أن تقييمات المهمة الثانية كانت أعلى من الأولى، بنسبة 18% في المتوسط، في حالة مجموعة المشاركين التي تسنَّى لها استخدام «تشات جي بي تي»، قياسًا إلى المجموعة الأخرى التي لم تُمكَّن من ذلك.
كما لوحظ أن مقدار الزيادة في التقييم، ومن ثم تحسُّن الجودة، كان أكبر في حالة المشاركين الذين حصلوا على تقييم متواضع في المهمة الأولى؛ إذ تحسَّن تقييمهم في المهمة الثانية، مع الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، بمقدار نقطةٍ واحدة إلى نقطتين. أما أولئك الذين حصلوا على تقييمٍ مرتفع ابتداءً، فلم يكد يطرأ تغيُّر يُذكر على تقييم أدائهم في المهمة الثانية، بعد استخدامهم «تشات جي بي تي». ومن اللافت أن مدة إنجاز المهمة الثانية كانت أقصر من الأولى في الحالتين؛ سواءٌ أحصل المشارك في المهمة الأولى على تقييم مرتفع أم منخفض.
وهكذا، يمكن القول إن لهذه الأداة "تأثيرًا أقربَ إلى أن يكون معزِّزًا للديمقراطية"، على حد قول روبرت سيمانز، عالم الاقتصاد بكلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك، وهو لم يشارك في تأليف الدراسة موضع النظر. يقول سيمانز: "المنفعة الأكبر ستكون من نصيب العاملين الأقلَّ خبرة".
هل يزاحم الروبوت البشر على أشغالهم؟
قد نرى في نتائج الدراسة تغيُّرًا إلى الأفضل، إذا نحن نظرنا إليها من زاوية غياب العدالة الذي تتفشَّى وتتعاظم مظاهره في سوق العمل، حسب رأي أنطون كورينِك، وهو باحث اقتصادي يعمل بمركز الأبحاث المسمَّى «مؤسسة بروكنجز» The Brookings Institution، ويقيم في مدينة شارلوتسفيل، الواقعة بولاية فرجينيا الأمريكية. إلا أن كورينك يستدرك قائلًا إن الدراسة تحمل في طيَّاتها كذلك "أخبارًا غير سارَّة"، هي احتمال أن تنتفي الحاجة إلى مهاراتٍ بعينها. يقول: "كل هؤلاء الموظفين ذوي الياقات البيضاء، الذين يمارسون أعمالًا مكتبية، ويبرعون في الكتابة – أو في غيرها من المهام التحليلية التي تستطيع النماذج اللغوية أداءها – جاء الذكاء الاصطناعي ليقلِّل من قيمة مهاراتهم بين عشيَّةٍ وضحاها".
ويبدو أن بعضًا من مخرجات الدراسة يتفق مع ما ذهب إليه كورينك؛ لاسيَّما إذا علمنا أن المشاركين الذين استخدموا «تشات جي بي تي» لم يُدخِلوا على النصوص المولَّدة بالذكاء الاصطناعي إلا تعديلات طفيفة، وهذه التعديلات لم يكن لها دورٌ يُذكَر في رفع تقييماتهم.
فهل يعني ذلك أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تزيح أصحاب بعض المهن عن أعمالهم لتحلَّ محلهم؟ يرى كورينك أن "غالبية المِهَن تنطوي على عدد كبير من المهام، وليست الكتابة إلا جانبًا منها. وإذا كانت النماذج اللغوية قادرةً على تيسير النهوض بهذا الجانب، أو تحسينه، فبقية الجوانب لا تزال بحاجةٍ إلى جهد بشري – حتى هذه اللحظة على الأقل".
أما سيمانز، فيرى من الصعب التنبُّؤ بأثر هذا التحسُّن في الإنتاجية، المدفوع بالذكاء الاصطناعي، على الأجور. يقول: "لكن الأمر يقتضي من العمَّال والموظفين جميعًا أن يكونوا على إلمام بهذه التقنية، ما استطاعوا إلى ذلك من سبيل. فالذكاء الاصطناعي سوف ينتشر في كل مكان، كانتشار الإنترنت الآن. وهؤلاء الذين يجيدون التعامل مع هذه التقنية هم مَن سيتقاضون أجورًا طيبة".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.124
Noy, S. & Zhang, W. Science 381, 187–192 (2023).
https://www.nature.com/articles/d41586-023-02270-9
تواصل معنا: