رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 17 أبريل 2019
صور تجسس التقطتها U2 ورُفِعت عنها السِّرِّيَّة تكشف مظاهر أثرية لم تسبق رؤيتها في الشرق الأوسط.
قد تتمكّن الصور التي التقطتها الولايات المتحدة في أواخر خمسينيات القرن الماضي لمنطقة الشرق الأوسط من توفير نافذة قيّمة تطلّ على الماضي. فقد جعل فريق من الباحثين الأمريكيين الآن هذه الصور أكثر إتاحة، مُظهرًا كيف يمكنها إلقاء ضوء جديد على أسئلة أثرية وتاريخية.
في ذروة الحرب الباردة، قامت طائرات تجسس أمريكية من طراز U2 برحلات استطلاعية فوق أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا، والتقطت صورًا لأهداف عسكرية محتملة. قبل عدة عقود، رُفِعت السرية عن صور 11 مهمة، لكنها لم تُفهرس، ولم يتوافر دليل على مسارات الرحلات والمناطق التي صُوّرت، مما جعل استعمالها من قِبَل علماء الآثار أمرًا صعبًا. الآن، تمكنت إميلي هامر -من جامعة بنسلفانيا- وجاسون أور -من جامعة هارفارد- من وضع فهرسٍ منهجيٍّ لأفلام U2، ووثّقا الطريقة التي اتبعاها لرقمنة الأفلام السالبة. يقدم عملهما نظرةً فاحصةً على المعالم الأثرية التي لم تعد رؤيتها ممكنةً في بلدان مثل الأردن والعراق.
عمد الثنائي هامر وأور إلى مقارنة علب الأفلام التي تحتفظ بها الإدارة الوطنية للمحفوظات والسجلات بالوثائق التي رُفعت عنها السرية في أداة البحث عن سجلات وكالة المخابرات المركزية (CIA) لتحديد الأفلام التابعة لكل مهمّة. بعد ذلك، عمدا إلى دمج الصور التي التقطتها كاميرا التتبُّع منخفضة الدقة في كل رحلة مع صور الأقمار الصناعية الحديثة المتوافرة في برنامج Google Earth وسواه من البرامج؛ بغرض إعادة بناء مسارات الرحلات الجوية للمهمات التي رُفعت عنها السريّة. وقد مكنهم ذلك من اختيار الأفلام السالبة التي تغطي المواقع موضع الاهتمام، ثم صوروها وعالجوها بعد ذلك لإنتاج صور عالية الدقة لمظاهر أثرية محددة.
"في كثير من الطرق، يمكن اعتبار علم الآثار سباقًا مع الزمن؛ فالبشر يغيّرون سطح الأرض باستمرار، ماحين آثار الماضي جزئيًّا أو كليًّا"، وفق قول هامر. "تتيح الصور الجوية والفضائية القديمة لعلماء الآثار العودة بالزمن حتى منتصف القرن العشرين، قبل أن يؤدي التوسع الحضري والتحديث والتطوير والتكثيف الزراعي إلى محو الآثار السطحية لهذه المجتمعات القديمة، التي نجحت في البقاء في عديد من الحالات لآلاف السنين".
قدمت صور U2 التي أُخذت للأردن أفضل عرض حتى الآن لمحتوياته الحجرية المعروفة باسم المصائد الصحراوية أو الطائرات الورقية الصحراوية، والتي يُعتقد أنها كانت مصائد جماعية لقطعان الغزلان وسواها من الحيوانات قبل 5000 إلى 8000 سنة مضت. يجب دراسة الطائرات الورقية الصحراوية من منظور جوي، لكن الكثير من ملامحها تعرّض للدمار منذ ستينيات القرن الماضي، ولم تظهر إلا في صور منخفضة الدقة أُخِذت من برنامج القمر الصناعي CORONA للتجسس، الذي استمر تشغيله بين عامي 1959 و1972.
اكتشفت هامر وأور أيضًا ملامح جديدة لنظام القناة الذي كان يدعم العاصمة الآشورية نمرود، في شمالي العراق الحديث، كالممرات الرأسية المستخدمة في البناء والصيانة، والتي لم يمكن تحديدها في صور كورونا.
أخيرًا، دمجا صور U2 وكورونا لدراسة حجم مجتمعات الأهوار العربية وشكلها، والتي اختفى الكثير منها بعد بناء سدود هيدروكهربائية ضخمة وبعد أن جففت حكومة صدام حسين الأهوار. توفّر هذه الصور بيانات ديموغرافية ومكانية ستحظى باهتمام المؤرخين وعلماء الآثار.
"إن الحصول على أرشيف صور جديد أمر مثير دومًا"، استنادًا إلى قول جينيفر بورنيل، المختصة بعلم الآثار في جامعة ساوث كارولينا، والتي تمتلك خبرة في علم الآثار الجوية والفضائية. "يعتمد حجم التأثير الذي ستتركه على الأسئلة المحددة التي تودّ طرحها".
وفقًا لبورنيل، التي لم تشارك في الدراسة، فإن قيمة الصور الجوية أو الأقمار الصناعية في علم الآثار تعتمد على كم كان بدء التغطية مبكرًا، واستمراريتها على مدى مواسم مختلفة وسنوات متعددة، ومدى توافر الصور من المرحلة السابقة للتطور الصناعي، الذي غالبًا ما يحجب ميزات مهمة.
تقدم صور U2 مصدرًا واعدًا استنادًا إلى هذه المعايير.
لمساعدة الآخرين على استخدامها، قدم الثنائي هامر وأور معلومات مفصلة عن كيفية تصويرهما للأفلام، وأعادا تشكيل الصور، بالإضافة إلى شرح لنظام كاميرا U2 وطريقة تفسير الأفلام السالبة. والأهم من ذلك، أنهما وضعا فهارس جغرافية مكانية على الإنترنت متاحة الوصول من أجل المهمات التي رُفعت عنها السرية؛ لكي يتمكن الباحثون من تحديد الأفلام التي يحتاجون إليها بسهولة. هذه المصادر ستجعل استخدام أرشيف صور U2 أسهل على الباحثين، وهي تقدّم طرق اطلاع غير مسبوقة على مر التاريخ.
doi:10.1038/nmiddleeast.2019.56
Hammer, E & Ur, J. Near Eastern landscapes and declassified U2 aerial imagery. Advances in Archaeological Practice http://dx.doi.org/10.1017/aap.2018.38 (2019).
تواصل معنا: