أخبار

هل عانى أطفال العزل الإجباري بسبب كوفيد-19 من التأخر اللغوي؟

نشرت بتاريخ 28 مارس 2024

أثر إغلاق الحضانات والمدارس قبل أربع سنوات على التواصل الاجتماعي للأطفال.. وأدى إلى ظهور مشكلات لغوية وصعوبات في التعلم فيما بعد

علياء أبوشهبة

مثَّل الإغلاق بيئة مختلفة تمامًا بالنسبة للأطفال
مثَّل الإغلاق بيئة مختلفة تمامًا بالنسبة للأطفال
skynesher/ E+/ Getty Images Enlarge image

عندما ظهرت أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد مارس 2020، كانت سمر أحمد برفقة أسرتها الصغيرة على سطح الباخرة النيلية نفسها التي اكتُشف فيها وجود الفيروس، لكنها لم تُصب وأسرتها بعدوى الفيروس.

ظنت "سمر" أنها نجت، لكن ابنها الوحيد "سليم"، 5 سنوات، حصد آثار الجائحة السلبية الناتجة عن الإغلاق والعزل المنزلي، والتي أعلنت في نهاية شهر مارس قبل أربع سنوات.

تقول "سمر" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": بدأ طفلي يتحاشى التواصل البصري، ما دفعني لاصطحابه إلى أطباء متخصصين في الطب النفسي والتخاطب، أكدوا أن العزلة الطويلة بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي أثرت على قدرته على التواصل، وبدأ سليم جلسات علاج منتظمة لمدة عامين تقريبًا مكنته من التحدث بشكل طبيعي في عمر أربع سنوات.

حالة الطفل "سليم" ربما عبرت عنها دراسة نشرتها دورية "بريتيش ميديكال جورنال"، وأعدها باحثون في قسم طب الأطفال بالكلية الملكية للجراحين في أيرلندا.

وتوضح الدراسة أن الأطفال الذين وُلدوا خلال الإغلاق واجهوا مشكلات في التواصل الاجتماعي؛ إذ انخفضت قدراتهم على ذكر الكلمات والقدرة على الإشارة أو التوديع عند عمر 12 شهرًا، وذلك مقارنةً بأطفال وُلدوا في الفترة بين عامي 2008 و2011.

تأثر التواصل الاجتماعي

تقول سوزان بيرن، استشاري طب أعصاب الأطفال، والمؤلفة المشاركة في الدراسة: "مثَّل الإغلاق بيئة مختلفة تمامًا بالنسبة للأطفال؛ إذ كانوا أقل تعرضًا للتفاعل مع أشخاص خارج العائلة، وكان لدى الأطفال المولودين خلال الجائحة مهارات تواصل اجتماعي منخفضة بشكل طفيف مقارنةً بنظرائهم الذين لم يتعرضوا للإغلاق عندما كانوا أطفالًا".

تضيف "بيرن": لا يمكننا تحديد سبب ذلك بدقة، ولكن هؤلاء الأطفال كانت دوائرهم الاجتماعية صغيرة جدًّا، وأظهرت نسبة أكبر من الأطفال المولودين الذين عانوا من الإغلاق معدلات أقل من الحدود المعيارية للقلق التنموي في مجال التواصل (11.9٪)، مقارنةً بمعدلات مَن وُلدوا قبل الوباء والإغلاق والتي بلغت 5.4%، لقد كان لدى غالبية الأطفال الذين وُلدوا خلال الجائحة درجات تواصل طبيعية تمامًا، ولكن في المجموعة الإجمالية كانت هناك نسبة أعلى معرضة لخطر المخاوف التنموية مقارنةً بمجموعة ما قبل الوباء، ما يستوجب مواصلة برامج الفحص التنموي الوطنية لجميع الأطفال، وتوفير الموارد المناسبة لخدمات التدخل المبكر.

وردا على سؤال لـ"نيتشر ميدل إيست" حول ما إذا كان هذا الوضع مؤقت أم أن آثاره ستستمر في المستقبل مما يؤدي إلى خلق جيل مختلف؟ تقول "بيرن": نحن نعلم أنه بحلول عمر السنتين، عانى الأطفال المولودين في أثناء الجائحة والإغلاق من عجز في التواصل. ولا نعرف كيف سيؤثر ذلك على الأطفال في أثناء نموهم. وتخطط مجموعتنا البحثية لمتابعة هؤلاء الأطفال حتى سن المدرسة على الأقل لمعرفة ما إذا كانت مشكلات التواصل مستمرة أم لا.

وتتابع: بغض النظر عن وقت ولادة الطفل (سواء كان وباءً أم لا)، فمن المهم جدًا أن يتم وضع برنامج تنموي لتحديد الأطفال الذين قد يستفيدون من التدخل العلاجي المبكر للمساعدة في مراحل نموهم. وإذا كانت الأسر مهتمة بمراحل النمو، فيجب عليها مناقشة هذا الأمر مع مقدم الرعاية الصحية الأولية أو ممرضة الصحة العامة.

وتتفق نتائج الدراسة مع ورقة بحثية نشرتها دورية (JAMA)، وأُجريت على 546 طفلًا صينيًّا عمرهم 6 أشهر و285 طفلًا عمرهم 12 شهرًا، وقد أظهروا عجزًا في المهارات اللغوية والحركية الدقيقة في السنة الأولى.

الاعتراف بداية الحل

تؤكد سلمى حسن -استشاري طب التخاطب والصوت والبلع- "ضرورة التفرقة بين التأخر اللغوي ومشكلات النطق لدى الأطفال".

تقول "حسن" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": الحوار بين المتكلم والمستمع يمر بأربع مراحل هي: الصياغة وفيها يحدد المخ المعنى الذي يريد التعبير عنه وترتيبها في جمل، ويليها مرحلة الإرسال وتعني النطق، ويتم فيها استخدام الفم واللسان وتحويل الإشارة اللغوية إلى سمعية، ثم الاستقبال عندما يستقبل المستمع الرسالة، وأخيرًا الفهم عندما يقوم المخ بتفسيرها وفهمها، بالتالي فإن المتطلبات الأساسية لاكتساب اللغة هي: سلامة القنوات الحسية- صحة وظيفة الدماغ- الصحة النفسية- البيئة المنبهة، ويعتبر الحرمان البيئي من أهم أسباب التأخر اللغوي.

تضيف "حسن": أثر إغلاق الحضانات والمدارس على الحالة النفسية للأطفال، وأدى إلى ظهور مشكلات لغوية وصعوبات في التعلم، وهو ما لمسته من خلال الحالات التي استقبلتها.

وأكدت استشاري التخاطب أن الخطوة الأولى للعلاج تتمثل في اعتراف الآباء بوجود مشكلة لدى طفلهم، وتنصح الآباء بمتابعة التطور اللغوي لدى الطفل، وإذا وصل لعمر 12 إلى 18 شهرًا ولم ينطق بكلمة فهذا الطفل بالتأكيد لديه مشكلة ويجب توجيهه إلى طبيب التخاطب لتشخيص المشكلة ومتابعتها، وإجراء مقياس سمع من خلال طبيب السمعيات، واختبار الذكاء والقدرات من قبل متخصص في علم النفس.

وتابعت: التأخر اللغوي الناتج عن الحرمان البيئي يعد مشكلة بعيدة المدى، يمكن أن يسبب للطفل صعوبات في التعلم، مثل عسر القراءة، ما يزيد من مشكلات العنف والعزل الاجتماعي.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.106