أخبار

بعد إعلان فوز أردوغان: الباحثون الأتراك يخشون الافتئات على حريتهم الأكاديمية

Published online 5 يونيو 2023

يتوقع الباحثون أن تفرض الحكومة مزيدًا من القيود على استقلال الجامعات وحرية التعبير.. والبعض يقولون إنهم يختارون بين الهجرة والتقاعد.

ميريام نداف

أعرب عدد من الباحثين لدورية Nature عن مخاوفهم من أن تؤدي إعادة انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى فرض مزيد من القيود على الحرية الأكاديمية؛ وهو الذي أقالت إدارته في السابق آلافًا من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأتت برؤساء الجامعات عن طريق التعيين لا الانتخاب، وحدَّت من الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات منذ اعتلائها السلطة قبل 21 عامًا.

وقد تأكَّد فوز أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، على منافِسِه، كمال كليجدار أوغلو، ممثل تحالف الأمة المعارض، بعد حصوله على 52.1% من الأصوات، مقابل 47.9% لمنافسه، في نتائج الانتخابات التي أُعلِنَت في الثامن والعشرين من مايو الماضي. وقال مراقبون مستقلون، يتبعون «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا» (OSCE)، إن الانتخابات قدمت "بدائل سياسية حقيقية"، لكنها منحت "أفضليةً غير مبررة لشاغل المنصب".

وفي تعليقٍ أدلَتْ به ياسمين يالم، العضوة المؤسسة لـ«جمعية أخلاقيات الأبحاث البيولوجية التركية»، التي يقع مقرها في العاصمة أنقرة، قالت: "سوف يخفُت صوت الجامعات التركية خلاف السنوات الخمس المقبلة". وأضافت أن العديد من العلماء وأساتذة الجامعات الذين كانوا يُمَنُّون النفس بالتغيير في انتخابات مايو يفكرون الآن في التقاعد المبكر، أو الهجرة.

كانت «رابطة الجامعات الأوروبية» (EUA) قد أبدَتْ استعدادها، قبل إجراء الانتخابات، لدعم الحكومة المستقبلية، وتقديم المشورة لها فيما يخص زيادة إشراك المجتمع الجامعي في صنع القرار المؤسسي. وفي تصريحاتٍ أدلَتْ بها لدورية Nature، ذكرَتْ الرابطة أنَّ عرضها ما زال قائمًا، إذا ما طُلب منها ذلك. وكانت الرابطة قد وضعَتْ تركيا، في تقريرها المنشور في مارس ماضي، في ذيل ترتيب أحد سجلات الأداء الخاصة بالحرية الأكاديمية في البلدان والأقاليم الأوروبية.

في عام 2016، نَفَّذَت إدارة أردوغان واحدة من أكبر حملات التطهير في تاريخ تركيا، إثر محاولة انقلاب عسكري ضدها. وعلى أثر ذلك، فَقَدَ أكثر من 150 ألف شخص وظائفهم، بينهم أكثر من 8500 من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات.

ومنذ عام 2018، أصبح تعيين رؤساء الجامعات الحكومية أو فصلهم يتمُّ بقرارات رئاسية، لا بالانتخاب من أعضاء هيئة التدريس. وهكذا، ينفرد التعليم العالي التركي عن سائر البلدان الأوروبية بأن قيادة الجامعة ليست في أيدي الجامعة نفسها، وفقًا لتقرير أصدرته «رابطة الجامعات الأوروبية».

ما يخشاه الباحثون الآن هو أن تُمارَس ضدَّهم سياسة تكميم الأفواه أكثر من ذي قبل، لا سيّما فيما يتعلق بشواغل من قبيل حماية الحرية الأكاديمية، وتعزيز استقلال الجامعات.

رقابة ذاتية

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، شدد الحزب قبضة الحكومة على الجامعات ومجالس البحوث، وذلك عن طريق التدخُّل في الإدارة التفصيلية لإنفاق الجامعات، على سبيل المثال، وتسمية شاغلي المناصب العليا. ومن جانبهم، يميل الباحثون، من منطلق الخوف على تدرُّجهم الوظيفي، إلى تحاشي التدريس والبحث في الموضوعات ذات الصلة بحقوق الشعب الكردي، والأقليات الجنسية والجندرية (المثليين، ومزدوجي التوجه الجنسي، والمتحولين جنسيًا، والمتحيرين، وغيرهم، الذين يُشار إليهم بمجتمع «الميم»، أو بالاختصار الإنجليزي: LGBT+)، فضلًا عن تاريخ الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، التي تمَّت على يد الإمبراطورية العثمانية.

تقول كانان أتيلغان، اختصاصية علم الفيزياء الحيوية بجامعة سابانجي في إسطنبول: "لقد تغلغلت طريقة حكم الرجل الواحد في الجامعات كافة، حتى أكثرها تقدمًا".

أما يالم، التي كانت تُدَرِّس أخلاقيات الأبحاث البيولوجية في جامعة أنقرة، فتقول إنها اتخذت قرار التقاعد المبكر في عام 2020، على خلفية تراجع الحرية الأكاديمية. وذكرَتْ أن زملاءها في الحقل الأكاديمي أوعزوا إليها بتوخي الحذر بعد عرض فيلم قصير للطلاب يصور إساءة معاملة أفراد مجتمع «الميم» في المنظومة الصحية في تركيا. تقول يالم: "أنا متخصصة في مجال الأخلاقيات، ولا بد من أن أتمتع بحرية التعبير. فإذا نُزِعَتْ مني هذه الحرية، فلا معنى لاشتغالي بالتدريس. ولهذا تقاعدت". وفي دراسة استقصائية أُجريَتْ عام 2020، وشملَتْ 365 أكاديميًا، أفاد ثلثهم بأنهم فرضوا على أنفسهم رقابةً ذاتية في المنشورات الأكاديمية والمحافل التعليمية والمهنية.

مجلس الخوف

دعا الأكاديميون مرارًا وتكرارًا إلى تنفيذ إصلاحات في إحدى الهيئات التي تديرها الحكومة، وتُسمى «مجلس التعليم العالي» (YÖK). هذا المجلس، الذي تأسَّس بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في عام 1981، هو المنوط باعتماد الدورات التعليمية، وتسمية أعضاء هيئة التدريس، وتحديد أعداد الطلاب. تقول إسراء مونغان، اختصاصية علم النفس بجامعة بوغازيتشي في إسطنبول: "يُفترض أن مبدأ الاستقلال المؤسسي محميٌّ بموجب المادة 130 من الدستور. وهكذا، فإن ما يحدث يمثل انتهاكًا صارخًا للدستور".

في ديسمبر 2022، قدَّم مجموعة من الأكاديميين تقريرًا إلى أعضاء البرلمان التركي طالبوا فيه بأن تحلَّ محلَّ مجلس التعليم العالي هيئةٌ إدارية توفر دعمًا أكبر، ووافق تحالف المعارضة على هذه التوصية، لكن موقف حزب العدالة والتنمية كان مختلفًا، إذ لم يعِد بوضع هذا المقترح موضع التنفيذ.

تقول مونيكا شتاينيل، نائبة الأمين العام لرابطة الجامعات الأوروبية: "ليس خارجًا عن المألوف أن يكون لمنظومة التعليم العالي هيئة وسيطة أو جهة رقابية تعمل بين الحكومة ومنظومة التعليم". وأردفَتْ قائلة إنه من المنتظر، مع ذلك، أن تقلِّص هذه الهيئات مساحة التدخلات المباشرة فيما يتعلق بالقضايا والقرارات المؤسسية. وتقول: "الحرية الأكاديمية الأساس الذي لا غِنى عنه للباحث أو الأستاذ الجامعي لكي يتسنى له أداء مهام وظيفته".

ويوافق اختصاصي العلوم السياسية نيبي ميش على أن هناك حاجة إلى إدخال "تغييرات منهجية" على قوانين التعليم العالي في تركيا. كان حزب العدالة والتنمية قد اقترح قبل عقد الانتخابات إنشاء مجالس أمناء للجامعات العامة. وعنها يقول ميش، الذي يرأس الدراسات السياسية في مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي مركز أبحاث مقره أنقرة، معروف عنه ارتباطه بحزب العدالة والتنمية من قديم: "هذه خطوة من شأنها تعزيز الاستقلال الأكاديمي".

أما مونغان، فليس لديها نفس اليقين في أن هذه المجالس ستحمي الاستقلال الأكاديمي، بالنظر إلى تاريخ حكومة حزب العدالة والتنمية. وتضيف قائلة: "فرصة احتواء هذه المجالس على أي صوتٍ معارض، من أولئك الذين صوتوا ضد أردوغان، منعدمة تمامًا".

وقد تواصلت دورية Nature مع كل من مجلس العلوم (أو مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا) ومجلس التعليم العالي التركي. وكان رد قال مجلس العلوم أن أعضاءه غير متاحين لإجراء مقابلة، فيما لم تتلق الدورية ردًا على أسئلة المقابلة من مجلس التعليم العالي.

المكوث ومواصلة النضال

باحثون كُثُر هجروا تركيا، ومن المتوقع أن يلحق بهم آخرون. لكن أولئك الذين تحدثت إليهم دورية Nature، في إطار الإعداد لهذه المقالة، يقولون إنهم سيمكثون ويواصلون النضال من أجل تحقيق الاستقلال. من هؤلاء، مونغان، التي أمضت 40 يومًا في السجن في عام 2016، لتوقيعها عريضة تدين الحكومة التركية لمهاجمة المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا.

تلقَّت مونغان عروضًا للعمل في الخارج، لكنها تقول إنها لن تبرح مكانها. وقالت: "مكثتُ في تركيا لأننا نُعَدُّ بالملايين، وها قد أظهرت [الانتخابات] أننا أكثر من 25 مليونًا، لا نُعارض ما يحدث في بلدنا فحسب، بل نعارضه بكل قوة".

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.76