أخبار

خفض الاحترار العالمي يجنِّب الشرق الأوسط 80% من الوفيات المرتبطة بالطقس الحار

Published online 18 مايو 2023

توقعات بوفاة 123.4 شخصًا من بين كل 100 ألف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنويًّا لأسباب مرتبطة بالحرارة.. وتوصيات بانتهاج سياسات أقوى للتخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معه.

محمد السيد علي

Chris LeBoutillier on Unsplash
تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المواقع سخونةً على هذا الكوكب، في ظل توقعات بأن تصل درجات الحرارة القصوى في بعض المناطق إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية بحلول عام 2100، إذا ظلت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مرتفعةً عالميًّا، وفق دراسة نشرتها دورية "ذا لانسيت بلانيتري هيلث".

وبالنظر إلى حدود تحمُّل الإنسان للحرارة، هناك توقع بأن أجزاءً من المنطقة لن تكون صالحةً للسكن بحلول نهاية القرن؛ إذ من المتوقع أن يموت حوالي 123.4 شخصًا من بين كل 100 ألف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنويًّا لأسباب مرتبطة بالحرارة، وهذا يُعادل 60 ضِعف الأرقام الحالية.

ويوضح الباحثون أنه "إذا اقتصر الاحترار العالمي على درجتين مئويتين فقط، فإنه يمكن تجنُّب 80% من الوفيات المرتبطة بالطقس الحار بالمنطقة بحلول 2100".

وتُبرز نتائج الدراسة التي أجراها فريق بحثي بريطاني-قبرصي مشترك الحاجة المُلحّة إلى تبنِّي سياسات تكيُّف أفضل والتحوُّل إلى التقنيات المتجددة، في وقت يستعد فيه العالم لمؤتمر COP28 المقرر عقده في دبي نوفمبر المقبل؛ إذ يطمح الخبراء للاتفاق على سياسات أقوى للتخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معه، لتقليل مخاطر الاحترار المتوقع في المستقبل.

يقول جوس ليليفيلد، الأستاذ بقسم التنبؤات البيئية في مركز أبحاث المناخ والغلاف الجوي في قبرص، والباحث المشارك في الدراسة: رغم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم تعرُّضًا للآثار السلبية لتغير المناخ، لم تحظَ آثاره على الصحة العامة بالكثير من الاهتمام.

يضيف "ليليفيلد" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": قدّرنا الوفيات المرتبطة بالحرارة -مثل ضربات الحرارة- في الحاضر والمستقبل بناءً على سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ التابعة للأمم المتحدة.

وضربة الحرارة هي حالة مرضية تنتج عن ارتفاع درجة حرارة الجسم نتيجة التعرُّض الممتد للإجهاد البدني بدرجات الحرارة المرتفعة، وإذا تُركت دون علاج فقد تُتلف الدماغ والقلب والكلى، والعضلات بشكل سريع، وتؤدي إلى الموت أو زيادة خطر حدوث مضاعفات.

قام الباحثون بنمذجة الاتجاهات الحالية (2001 إلى 2020) والمستقبلية (2021 إلى 2100) في الوفيات المرتبطة بالحرارة في 19 دولة بمنطقة الشرق الأوسط، من بينها مصر والجزائر والمغرب وتركيا وقبرص وسوريا والعراق وإيران والكويت ولبنان وقطر والسعودية.

وفي تحليلاتهم، نظر الفريق إلى الاختلافات في مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المحتملة بمرور الوقت والسيناريوهات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.

وعلى الرغم من أن الوفيات الحالية المرتبطة بالحرارة في المنطقة منخفضة نسبيًّا مقارنةً بالمناطق الأخرى، إذ تبلغ 2 لكل 100 ألف نسمة، مقارنةً بـ17 في أوروبا الغربية أو 10 في أستراليا على سبيل المثال، لكن من المتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط ارتفاعاتٍ أعلى بكثير من مناطق أخرى من العالم في ظل سيناريوهات مماثلة لتغيُّر المناخ.

فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تشهد المملكة المتحدة ارتفاعًا من الأرقام الحالية البالغة 3 لكل 100 ألف إلى 9 لكل 100 ألف بحلول 2080.

لكن الأمر مختلف كُليًّا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ يُتوقع أن تسجل إيران أعلى معدل وفيات سنوي بالمنطقة، وهو 423 لكل 100 ألف نسمة، وأن تسجل دول مثل فلسطين 186 والعراق 169 وإسرائيل 163 لكل 100 ألف، وستشهد دول الخليج مثل قطر والإمارات العربية المتحدة أكبر زيادات نسبية في الوفيات المرتبطة بالحرارة.

ولتجنُّب الآثار الصحية لارتفاع درجات الحرارة، يقول "ليليفيلد": بالنظر إلى التفاوتات والبصمة الكربونية العالية المرتبطة بتكييف الهواء، يجب على صانعي السياسات في هذه البلدان التفكير في وسائل بديلة لحماية مواطنيها من الإجهاد الحراري، ويجب تطوير خطط عمل متعلقة بالحرارة والصحة وتقوية النظم الصحية، خاصةً في البيئة الحضرية.

ويشير يانيس بروستوس -الباحث في قسم التنبؤات البيئية بمركز التميز في أبحاث المناخ والغلاف الجوي في قبرص، والمشارك في الدراسة- إلى أنه يجب على دول المنطقة تكثيف جهودها لحماية مواطنيها من مخاطر درجات الحرارة القصوى، وإعداد إستراتيجيات وسياسات أقوى من شأنها تعزيز أنظمتها الصحية العامة وزيادة مرونتها.

يضيف "بروستوس" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يجب أن تجد بلدان المنطقة طُرقًا لتعزيز تعاوُنها وتنسيق جهودها لتحسين مرونة نظام الصحة العامة لديها بسبب المخاطر المناخية الوشيكة، وخاصةً على صحة الإنسان.

من جهته، يؤكد السيد صبري -خبير التغيُّرات المناخية والتنمية المستدامة في مصر- أن "تفاقُم الاحترار العالمي لن يقابله ارتفاع الوفيات الناجمة عن الحر وحسب، بل ستزيد أيضًا معدلات سوء التغذية والأمراض المُعدية التي يمكن أن يتأثر انتقالها بالتغيُّر المناخي مثل الملاريا".

يقول "صبري" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": الفقراء والفئات المهمشة هم أشد الناس تضررًا، والتأثير الأكبر سيكون بسبب نقص الغذاء والعلاج، ووسائل التهوية والتكييف، وهناك فئات مهنية ستتأثر أكثر من غيرها مثل المزارعين والصيادين، وستزيد وفيات الحر بشكل خاص بين الفئات الأضعف مثل كبار السن والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة.

وعن سبل المواجهة، حث "صبري" الحكومات على تدقيق ورصد مسببات الوفيات الناجمة عن الحر، خاصةً في المستشفيات، والتوسع في إنشاء مستشفيات الحميات وطب المناطق الحارة، لمواجهة أعداد المرضى المتوقع زيادتها من جرَّاء الاحترار، بالإضافة إلى تعزيز أنظمة الرصد والإنذار المبكر للتنبؤ بموجات الحار، وتكثيف الحملات الإعلامية لتحذير الناس قبل حدوثها.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.55