أخبار

كبسولة كهربائية قابلة للبلع تتحكم في الشهية

Published online 12 مايو 2023

الجهاز الجديد قادر على علاج اضطرابات الشهية عبر التحكم في الهرمون المحفز للجوع

محمد منصور

NYU Abu Dhabi
في عشرينيات القرن الماضي، بدأ عالِم الأعصاب الإسباني "خوسيه ديلجادو" دراسة الخواص الكهربائية للدماغ والجهاز العصبي، وطوَّر تقنيةً لتحفيز الخلايا العصبية الفردية باستخدام قطب كهربائي صغير.

 وفي خمسينيات القرن الماضي وستينياته، استُخدمت تقنيات التحفيز الجزئي على نطاق واسع في أبحاث الدماغ والجهاز العصبي؛ إذ استخدم الباحثون أقطابًا كهربائيةً دقيقةً لرسم خرائط للدوائر العصبية التي تتحكم في الحركة والإحساس والوظائف الأخرى، كما استخدموا أقطابًا كهربائيةً دقيقةً لتحفيز مناطق معينة من الدماغ، مثل الحُصين والعقد القاعدية، للتحقق من وظائفها.

 والآن، طور باحثون من جامعة "نيويورك- أبو ظبي" أول جهاز كهربائي قابل للابتلاع من نوعه في العالم، وهو جهاز تعديل عصبي للمحور الدماغي المَعدي، وهو المسار الرئيسي بين الجهاز الهضمي والجهاز العصبي المركزي.

ووفق دراسة نشرتها دورية "ساينس روبوتكس"، يُعد الجهاز أول جهاز كهربائي قابل للابتلاع في العالم يمكنه التحكم في الشهية عن طريق تعديل الهرمونات في الجسم، وهو عبارة عن كبسولة بحجم حبة الدواء يمكن ابتلاعها والتحكم فيها؛ إذ يرسل القطب الكهربي إشاراتٍ كهربائيةً تحفز العصب المسؤول عن إرسال الإشارات بين الأمعاء والدماغ.

 ومن خلال تعديل هذا العصب، يمكن أن يساعد القطب الكهربي الأمعاء على تنظيم إنتاج الهرمونات التي تتحكم في الشهية، مثل هرمون الجريلين المعروف بـ"هرمون الجوع"، الذي يحفز الشهية وينظم توازُن الطاقة في الجسم.

يقول خليل رمادي -الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الحيوية بجامعة نيويورك-أبو ظبي، والمؤلف المشارك في الدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يحتوي الجهاز على أقطاب كهربائية على السطح لتوصيل التحفيز الكهربائي لأنسجة الغشاء المخاطي في المعدة، ويمكن للتحفيز الدقيق التحكم في إفراز الهرمونات المنظمة للجوع عبر المسارات العصبية؛ إذ يمكن ابتلاع الجهاز وإيصال التحفيز في المعدة وإخراجها بأمان دون أي ضرر أو إعاقة للأمعاء.

ويمكن استخدام الجهاز الجديد -المسمى فلاش- لتعديل مستويات الجوع وعلاج الأمراض الأيضية والعصبية، وتحفيز الجوع للمرضى الذين يخضعون للعلاج الكيميائي.

يضيف "رمادي": أحد التحديات الرئيسية في تصميم الأجهزة للجهاز الهضمي يكمن في البيئة الكيميائية والميكانيكية القاسية التي يجب أن تعمل فيها؛ فالجهاز الهضمي نظام معقد وديناميكي مع بيئة قاسية تقدم العديد من التحديات لتصميم الأجهزة الطبية، إذ يحتوي الجهاز الهضمي على مجموعةٍ واسعةٍ من مستويات الأس الهيدروجيني، بدءًا من الحموضة الشديدة في المعدة إلى الأكثر حياديةً في الأمعاء الدقيقة، كما أنه يحتوي على إنزيمات ومواد أخرى يمكن أن تَتلف أو تُتلف المواد.

ويخضع الجهاز الهضمي لضغوط ميكانيكية، مثل التمعُّج، وهو تقلصات العضلات المنسقة التي تنقل الطعام عبر الجهاز الهضمي، ومن شأن هذه الضغوط أن تسبب تحوُّل الأجهزة أو انكسارها، وقد يمثل وجود السوائل -مثل العصارة الصفراوية والمعدة- مشكلةً أيضًا بالنسبة لوظائف الجهاز ومتانته.

 وللتغلُّب على هذه التحديات، يجب على مصممي الأجهزة الطبية استخدام المواد والمكونات التي يمكنها تحمُّل البيئة القاسية للجهاز الهضمي، وأن تكون المواد متوافقةً حيويًّا ومقاومةً للتآكل، والتأكد من أن الجهاز لا يتفاعل مع أنسجة الجسم أو السوائل.

ويحتاج المصممون إلى مراعاة حجم الجهاز وشكله لضمان قدرته على التحرك عبر الجهاز الهضمي دون التسبُّب في إعاقة أو تلف، لذا يستخدم الجهاز الجديد أنماطًا مستوحاةً من الأسطح الحيوية لإبعاد سائل المعدة عن الأقطاب الكهربائية؛ من أجل السماح بتلامس قطب كهربائي ثابت مع الأنسجة؛ إذ يتكون سطح الكبسولة من أخاديد ذات طبقة مقاومة للماء، وتعمل هذه الأخاديد كقنوات تسحب السوائل بعيدًا عن أنسجة المعدة.

وفي داخل الجهاز إلكترونيات تعمل بالبطارية تنتج تيارًا كهربائيًّا يتدفق عبر الأقطاب الكهربائية على سطح الكبسولة، في النموذج الأولي المستخدم في هذه الدراسة يعمل التيار باستمرار، ولكن يمكن تصميم الإصدارات المستقبلية بحيث يمكن تشغيل التيار وإيقافه لاسلكيًّا، وفق الباحثين.

 ويُجري الباحثون في الوقت الحالي مزيدًا من الاختبارات قبل السريرية بهدف بدء التجارب البشرية بنموذج أولي متقدم في غضون 3-4 سنوات، وقد اختبر الباحثون الكبسولة عن طريق إعطائها في معدة الحيوانات الكبيرة، ووجدوا أن الكبسولة أنتجت ارتفاعًا كبيرًا في مستويات هرمون الجريلين في مجرى الدم.

 لكن، ما تأثير هذا الجهاز على مجال الأدوية الكهربائية وعلاج الاضطرابات الأيضية؟

 يقول "رمادي": تُستخدم الأدوية الكهربائية، أو علاجات التحفيز الكهربائي، كطريقة لتعديل الأعصاب، ومع ذلك، فإن الحاجة إلى زرع أقطاب كهربائية من خلال الجراحة قد حدت بشكل كبير من استخدامها.

 ويتابع: معظم الأجهزة الكهربائية غير الغازية المطبقة على الجلد لها فاعلية ضعيفة للغاية، والكبسولة الجديدة القابلة للهضم تتغلب على هذه المشكلة عبر إتاحة التحفيز الدقيق وغير الغازي، ونُظهر هنا تنظيمًا للهرمونات التي تنظم الجوع والتي لا يمكن السيطرة عليها بطريقة أخرى باستخدام الأدوية الفموية، كما يشتمل جهازنا على عدد من الميزات المستوحاة بيولوجيًّا من السحلية الشائكة الأسترالية -المعروفة باسم الشيطان الشائك- لتجنُّب تداخُل السائل المعدي مع إيصال المحفزات الكهربائية.

 ويضيف: هناك مجالان محتملان للقلق بشأن الأنظمة الكهربائية القابلة للهضم، وهما الانسداد المعوي المحتمل وتلف الجهاز الهضمي، وفيما يتعلق بالانسداد، فقد تأكدنا من أن الجهاز ليس أكبر من الأجهزة الأخرى القابلة للابتلاع المعتمدة سريريًّا مع سجل حافل من الاستخدام مع القليل من الانسداد، أما فيما يتعلق بالأضرار المحتملة للجهاز الهضمي، فقد أجرينا اختباراتٍ مكثفةً على الخنازير لدعم التطبيق الآمن للنظام، ووجدنا أن هذا مطمئنٌ للغاية؛ إذ تم تمرير جميع الأجهزة دون إتلاف الجهاز الهضمي أو تعطُّله، وستكون هناك حاجة إلى مزيد من الاختبارات على البشر من أجل ترجمة سريرية ناجحة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.52