مقالات
Specials

Read this in English

الشعاب المرجانية تكتفي بقليل المساعدة من صديق 

Published online 17 نوفمبر 2015

هل تستطيع طحالب لم تسبق معرفتها إنقاذَ الشعاب المرجانية من التلف المتوقَّع نتيجة للتغيُّر المناخي؟

نادية العوضي

المتعايشات داخل الحُوَيْن المرجاني
المتعايشات داخل الحُوَيْن المرجاني
© Emily Howells
 

من المرجّح أن يُقضى على الشعاب المرجانية قبل انتصاف هذا القرن1 في إطار عدة سيناريوهات لتغيّر المناخ العالمي. كل ما يحتاجه الأمر هو ارتفاع حرارة مياه سطح البحر بمقدار درجتين مئويتين أكثر من متوسطها الموسمي الأقصى لكي تصبح معظم الشعاب المرجانية مجهدة، أو لتموت2

يرى العلماء أن التركيز الآمن لثاني أكسيد الكربون CO2 في الغلاف الجوي هو 350 جزءًا في المليون. في أبريل 2014، بلغت مستويات CO2 في الغلاف الجوي مقدار 400 جزء في المليون، وهي مستمرة في الارتفاع.

لدراسة كيف يمكن لارتفاع درجة الحرارة التأثير على الشعاب المرجانية، يبحث العلماء في جامعة نيويورك أبو ظبي (NYUAD) في دولة الإمارات العربية المتحدة في درجات الحرارة القصوى في الخليج الفارسي/ العربي.

"نظرًا لكون درجات حرارة بحرنا صيفًا تتجاوز 35° مئوية عادة –أي أكثر بكثير مما يُتوقَّع أن تجرِّبه الشعاب المرجانية في معظم المناطق الأخرى في إطار تغيُّر المناخ في القرن القادم- لذا يمكن للطبيعة البيولوجية لحيوانات الشعاب المرجانية في الخليج توفير بعض الأفكار الرائعة التي توضّح كيف قد تتمكن الشعاب المرجانية والكائنات الحية الأخرى المرتبطة بها من التأقلم مع التغيُّرات المناخية في المستقبل"، وفق قول جون بيرت، عالم الأحياء البحرية في جامعة نيويورك أبو ظبي.

وقد اكتشف بيرت ومساعدوه في جامعة ساوثامبتون في المملكة المتحدة نوعًا فريدًا من الطحالب يُظَنُّ أنه يؤدي دورًا جوهريًّا في تمكين الشعاب المرجانية في الخليج من البقاء على قيد الحياة ضمن درجات الحرارة القصوى.

ثمة نوع من الطحالب وحيدة الخلية يُعرف باسم المتعايش Symbiodinium يعيش داخل أنسجة الشعاب المرجانية. تستخدم الشعاب المرجانية مجسَّاتها لتتغذى على العوالق البحرية المنجرفة. وبعد الهضم، يتم تمرير بعض العناصر المغذية إلى شركائها من الطحالب. في مقابل هذه العناصر المغذية، تُمرِّر الطحالب بعض الطاقة التي تنتجها بواسطة عملية التمثيل الضوئي إلى الشعاب المرجانية. هذه الاعتمادية المتبادلة -أو التعايش- جوهرية لدرجة تجعل من غير الممكن بقاء أحد الطرفين على قيد الحياة دون الآخر. "تحصل الشعاب المرجانية على 90% تقريبًا من احتياجاتها من الطاقة من السكريات التي تنتجها طحالب التخليق الضوئي، وعلى 10% فقط من تغذيتها الخاصة"، وفق شرح بيرت.

ولكن هذه العلاقة التكافلية قد تنهار؛ نتيجة لعوامل إجهاد مختلفة -وأكثرها شيوعًا هو الارتفاع غير الاعتيادي في درجات حرارة المياه. عندما يحدث ذلك، يتراجع عدد الطحالب التي تعيش في الشعاب المرجانية تراجعًا حادًّا، مخلفًا وراءه أنسجة مرجانية عديمة اللون، في عملية تُسمى ابيضاض المرجان.

يمكن للشعاب المرجانية البقاء على قيد الحياة مدةً تصل إلى أسبوعين بعد ابيضاضها، معتمدةً على مخزونها الاحتياطي. ولكن إذا استمر الإجهاد، فقد تفشل الشعاب المرجانية في إعادة تأسيس مجتمع الطحالب التكافلي، وتموت جوعًا.

صديق مختلف

وجد فريق بيرت نوعًا لم تسبق معرفته من المتعايشات، وأطلقوا عليه اسم المتعايشات المحِبة للحرارة Symbiodinium thermophilum ، وهي تعيش في الشعاب المرجانية للأوساط البيئية القاسية في جنوب الخليج الفارسي/ العربي. هذه العلاقة التكافلية يمكنها البقاء على قيد الحياة ضمن درجات حرارة3 البحر المرتفعة عادةً في صيف هذه المنطقة.

مرجان أكروبورا المصاب بالابيضاض
مرجان أكروبورا المصاب بالابيضاض
© Emily Howells

في أثناء استكشافهم الطبيعة البيولوجية لهذه العلاقة التكافلية الفريدة، أجرى بيرت وزملاؤه تجارب الإجهاد الحراري التي تُظهر أن الشعاب المرجانية التي تحتوي على S. thermophilum أقل قابلية للإصابة بالابيضاض ضمن درجات الحرارة المرتفعة، وهي تُشفى بسرعة أكبر، ولديها معدّل وفيات أقل بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مقارنةً بالشعاب المرجانية التي لديها شركاء آخرون من الطحالب.

"المتعايشات المحبة للحرارة واسعة الانتشار في جنوب الخليج، لكن وجودها يصبح أقل بكثير في الشعاب المرجانية التي توجد خارج منطقة خليج عمان والبحر العربي، حيث تكون الظروف البيئية أقل تطرفًا"، استنادًا إلى قول بيرت.

هذا الأمر يثير تساؤلات، كما يقول، عما إذا كانت هذه الأنواع الفريدة ستهاجر هجرة طبيعية إلى مناطق أخرى عند ارتفاع حرارة محيطات العالم، أم أن الهجرة المساعدة بشريًّا ستكون مفيدة؟

ومن الممكن أيضًا أن تكون المتعايشات المحبة للحرارة موجودة بالفعل في مناطق أخرى بكثافة منخفضة جدًّا ولكنها لم تسجَّل بعد؛ لأن تلك المناطق ليست دافئة بما يكفي لاصطفاء هذه الأنواع المتحمّلة للحرارة.

وتُظهر بحوث بيرت التي نُشرت مؤخرًا أن الشعاب المرجانية المرتبطة بـS. thermophilum تُبدي تكيُّفًا محليًّا قويًّا، لا تجاه درجات الحرارة المرتفعة فحسب، بل مع درجة الملوحة استثنائية الارتفاع في الخليج4  الفارسي/ العربي. وفي الواقع، يمكنها أن تفقد تحمّلها الفائق للحرارة عند تعرّضها إلى درجة أقل من الملوحة في أوساط مائية أخرى.

وهذا قد يشكل عائقًا يمنع تشكُّل العلاقة التكافلية بين الشعاب المرجانية وS. thermophilum في مواقع أخرى.

تعمل إيميلي هويلز، باحثة ما بعد الدكتوراة في علم الأحياء البحرية في مختبر جامعة نيويورك أبو ظبي، على فهم إمكانيات تكيّف الشعاب المرجانية في الخليج العربي. وهي تحاول -عن طريق تعريض مجموعات مختلفة من الشعاب المرجانية وذرياتها لتجارب الإجهاد الحراري- أن تحدد ما إذا كانت الخلفية الوراثية للمرجان أو لمعايِشاته من الطحالب هي المسؤولة عن التحمُّل الحراري المحسَّن.

جهود التكيّف

تثبت النتائج التي توصلت إليها حتى الآن أهمية كِلا الشريكين المتكافلين.

فمثلًا، في الأنواع الشائعة من مرجان الدماغ، نجد أن مضيفات المرجان في الخليج، بشكل متوسط، تتحمّل ضِعف الحرارة التي تتحملها مثيلاتها في أماكن أخرى. وبشكل مشابه، فالطحالب المتعايشة Symbiodinium ضمن شعاب الخليج المرجانية هذه تصل درجة تحملها الحراري إلى ثلاثة أضعاف.

"تبيِّن هذه النتيجة أن قدرة المجموعات المرجانية على التأقلُم مع ارتفاع درجات الحرارة ستتأثر بالمعدل الذي سيتمكن فيه الشركاء التكافليُّون من التكيُّف معًا"، وفقًا لقول هاولز.

"تمثل الشعاب المرجانية في الخليج رصيدًا بالغ الأهمية للعلوم المرجانية".

تدرس هويلز الآن جينوم المرجان الدماغي الخاص بالخليج العربي مع زملاء من جامعة ولاية أوريغون لتحديد المناطق المرتبطة بتحمُّل الحرارة المرتفعة. وهي تأمل أن يقدّم عملها معلومات عن إمكانية استمرار الشعاب المرجانية في الخليج الفارسي/ العربي في مواصلة التكيّف مع ارتفاع درجات الحرارة.

على الرغم من القدرة الفريدة التي تبديها الشعاب المرجانية في الخليج الفارسي/ العربي على التأقلم والتكيُّف مع درجات حرارة سطح البحر المتطرفة، فإنها لم تكن منيعة تجاه حوادث الابيضاض الجماعية.

في عامي 1996 و1998، ارتفعت درجات الحرارة في الصيف أكثر من درجتين مئويتين فوق درجات حرارة الصيف المرتفعة عادة. وقد دفعت هذه الحرارة القصوى بالعديد من الشعاب المرجانية إلى حافة الهاوية، مسببةً فقدان أكثر من 90% من المرجان الحي من الشعاب على امتداد مئات الكيلومترات من الخط الساحلي في جنوب الخليج في أواخر ذلك العقد.

وجاءت حوادث ابيضاض أخرى في العقد الذي تلاه، مما يجعل استرجاعها غاية في الصعوبة، ويعكس بعض التجديد الذي حدث. كما أن مشاريع التنمية الساحلية واسعة النطاق في جميع أنحاء الخليج سببت تقويض النظم الإيكولوجية البحرية.

"هناك رسالة واضحة مفادها أن الشعاب المرجانية في الخليج تمثل رصيدًا بالغ الأهمية للعلوم المرجانية، وربما لبقاء الشعاب المرجانية أمدًا أطول على وجه العموم، وأن هناك حاجة حقيقية لضمان المحافظة على الشعاب المرجانية في هذه المنطقة"، وفقما يؤكد بيرت.

 "لسوء الحظ، فقد تعرضت الشعاب المرجانية في هذه المنطقة لتراجُع كبير في السنوات الأخيرة؛ نتيجة لمختلف عوامل الإجهاد بشرية المصدر. وهناك إمكانية لفقد هذه الموارد البيولوجية والعلمية المهمة ما لم تكن جهودٌ سريعة وحاسمة من قِبَل السلطات الإدارية البحرية للحفاظ على هذه الموارد المرجانية القيّمة في المنطقة".

doi:10.1038/nmiddleeast.2015.225


  1. Burt, J. et al. Persian Gulf reefs: an important asset for climate science in urgent need of protection. Ocean Challenge. 20, 49-56 (2014)
  2. IPCC. Climate Change 2007: Working Group II: Impacts, Adaptation and Vulnerability (2007)
  3. Hume, B.CC. et al. Symbiodinium thermophilum sp. nov., a thermotolerant symbiotic alga prevalent in corals of the world’s hottest sea, the Persian/Arabian Gulf. Scientific Reports http://dx.doi.org/10.1038/srep08562 (2015)
  4. D’angelo, C. et al. Local adaptation constrains the distribution potential of heat-tolerant Symbiodinium from the Persian/Arabian Gulf. The ISME Journal. http://dx.doi.org/10.1038/ismej.2015.80 (2015)