أخبار

كيف يحجز الأفارقة لأنفسهم مكانًا في ثورة الذكاء الاصطناعي؟

نشرت بتاريخ 5 مايو 2025

أدرك فوكوسي ماريفيت أن فتح أبواب الذكاء الاصطناعي أمام أصحاب البشرة السمراء يتطلب مجتمعات داعمة، وليس فقط قدرات فذّة.

سارا وايلد

عندما كان فوكوسي ماريفيت، الباحث المتخصص في علوم الحاسب، يدرس في الولايات المتحدة للحصول على درجة الدكتوراه، اكتشف الرجل مدى قوة المساحات التي تتَّسم بالتنوع والشمول الاجتماعيين من جهة، وعرف معنى الشعور بالعزلة الذي يتسرب إلى النفس في التجمعات الخالية من ذلك التنوع من جهة أخرى. ومنذ ذلك الحين، ظل ماريفيت، الذي يتخصص حاليًا في علوم البيانات بجامعة بريتوريا في جنوب إفريقيا، يسعى جاهدًا إلى بناء كتلة حرجة من علماء البيانات الأفارقة حتى يمكن أن تصبح أصواتهم جزءًا من ثورة الذكاء الاصطناعي.

في عام 2016، نظَّم ماريفيت ورفاقه مؤتمر «إندابا» Indaba للتعلم العميق (تشير لفظة "إندابا" في لغات البانتو إلى فكرة التشاور أو مناقشة المواضيع المهمة)، وذلك بهدف المساعدة في إنشاء مجتمع محلي يركز على تعلم الآلة (machine learning) والذكاء الاصطناعي. اجتذب المؤتمر، الذي عُقد في العاصمة الغانية أكرا في عام 2023، 800 باحث من أكثر من 62 دولة يقع نصفها في القارة الإفريقية.

كذلك شارك ماريفيت في تأسيس «ماساخاني» Masakhane، وهي منظمة شعبية تضم باحثين ومبرمِجين ولغويين يربو عددهم على الألف، من 30 دولة إفريقية. تهدف هذه المنظمة إلى تشجيع إنتاج البحوث المتخصصة في معالجة اللغات الطبيعية باللغات الإفريقية لصالح الأفارقة وبأيديهم. تتكئ معالجة اللغات الطبيعية على تقنيات تعلم الآلة لمعالجة النصوص والكلام لأغراض مثل الترجمة والكتابة الصوتية. إذا نظرنا من الناحية التاريخية، سنجد أن المنتجات الرقمية أهملت اللغات الإفريقية، التي يبلغ عددها زهاء ألفي لغة. من هذا المنطلق، جمع مشروع تابع لمنظمة «ماساخاني» قائمة بالمصطلحات العلمية الموضوعة خصيصًا لتناسب اللغات الإفريقية. كما تواصل المنظمة العمل في إنشاء مجموعات بحثية وشركات في مجال الذكاء الاصطناعي بقيادة إفريقية داخل القارة السمراء.

متى أدركت أنك تريد التصدي لمسألة غياب التنوع في ميدان العلوم؟

أتذكر أثناء دراستي للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة روتجرز، التي يقع مقرها في مدينة نيو برونزويك بولاية نيو جيرسي الأمريكية، أنني ذهبت لحضور المؤتمر الدولي حول تعلم الآلة، وهو أحد أهم وأكبر الملتقيات العالمية التي تتناول هذا الموضوع. وكان أن دخلتُ قاعة مكتظة بالحاضرين، وجعلتُ أدير ناظريَّ في جنبات القاعة فلم ألمح سوى شخصٍ واحد فقط من أصحاب البشرة السمراء يقف في أقصى القاعة العملاقة. أدركت حينها أنه لم يحضر المؤتمر من العلماء السود سواي أنا وذلك الشخص. لا أخفيك أن أمرًا مثل هذا كان كفيلًا بأن يثير غيظي وغضبي في آنٍ واحد، فلم أملك إلا أن أتساءل: "ماذا يحدث هنا؟ لماذا لا يوجد سوى اثنين فقط من أصحاب البشرة السمراء؟" ومن ثمَّ شعرت أنني لا أنتمي إلى هذا المكان.

لهذا السبب صار شغلي الشاغل أن أكون الشخص الذي يفتح الباب أمام أشخاص آخرين؛ فالأمر برمته يتعلق بإتاحة الفرصة لهم للوصول. بعبارة أخرى، كيف نتأكد من أن الأشخاص الذين يتقدمون بطلبات للحصول على تمويل أو زمالات دولية قادرون على تمثيل القارة الإفريقية بشكل أفضل، وكيف نساعدهم لكي يدركوا أنهم من الممكن أن يصبحوا متميزين مثل غيرهم من الأشخاص؟

ولقد أدركت أيضًا أنه ليس بالضرورة أن أكون أنا من يقدم لهم يد المساعدة؛ فالمسألة تتعلق باستخدام الإنترنت والسؤال عمن يبحث أيضًا في تلك المجالات والمواضيع – سواء في الدولة أو القارة ذاتها أو في غيرها - ثم البحث عن الكيفية التي يمكن من خلالها الربط بين الطلاب الموجودين في تلك الفضاءات. لذا أستطيع أن أقول إن شبكتي «إندابا» للتعلم العميق و«ماساخاني» أكبر بكثير من أي فرد على حدة.

ما أهمية السعي نحو تحقيق التنوع والمساواة والدمج؟

عندما تبدأ في الانخراط في العلم بطريقة مجتمعية، ترى أن الأشخاص الذين يسعون جاهدين إلى جلب الابتكار إلى مجتمعاتهم المحلية عادة ما يكونون مختلفين تمامًا عن نظرائهم ممن يسعون إلى الوصول إلى أعلى درجات المكانة العلمية.

أعتقد أننا لم نُخرج أفضل ما عندنا بعد؛ فشباب الباحثين في القارة الإفريقية سيحققون ما هو أكبر بكثير مما نفعله نحن العلماء الأكبر سنًا. إذا سألتني عن الأسباب فسأقول لك إن لديهم شبكات أفضل؛ كما أنهم يتمتعون باعتراف وتقدير عالمي للعمل الذي يقومون به. لا أشك للحظة في أننا سنحقق إنجازات مذهلة بأيدي هؤلاء الشباب وغيرهم ممن يحظون في العادة بتمثيل جيد في تلك المساحات.

برأيك، ما العقبات التي يواجهها الباحثون الأفارقة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة على الصعيد العالمي؟

إذا نظرنا إلى الصورة التقليدية للباحث في مجال الذكاء الاصطناعي لوجدنا أنها تضم الملامح الآتية: أن يكون ذكرًا أبيض اللون، وأن ينتمي إلى دولة تقع فيما يُعرف بالشمال العالمي. لذا فإننا نحاول أن نقول للباحث إن أصله العرقي أو إعاقته أو جنسه أو حتى منطقته الجغرافية لا ينبغي أن تكون ذات أهمية. نريد أن يشعر الأشخاص بالراحة حتى يتمكنوا من أن التعبير عن أنفسهم بأريحية وأن يخرجوا ذواتهم الكاملة إلى فضاءات الذكاء الاصطناعي والحوسبة دون أن يكونوا مضطرين لتغيير هويتهم حتى يجدوا لهم مكانًا مناسبًا في النظام.

كذلك فثمة حواجز وعوائق أخرى من بينها التمويل والضغوط المفروضة على الطلاب. على سبيل المثال، غالبًا ما تجد كثيرًا من الطلاب في جنوب إفريقيا مسؤولين عن إعالة أسرهم في وطنهم؛ ومن ثمّ يكون من المرجح أن يجدوا أنفسهم مدفوعين نحو العمل في مهن ووظائف لا علاقة لها بالبحث العلمي. لا بد إذًا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نتيح لهؤلاء الشباب الذين يمتلكون هذه الشعلة المتقدة من الحماس أماكن في التخصصات البحثية وأن نوفر لهم خيارات عديدة؟

مَن مُعلمك، أو الشخص صاحب التأثير الأكبر في بناء شخصيتك؟

أشخاص عديدون في الحقيقة؛ لكن من بينهم تشيليدزي ماروالا، وهو مهندس جنوب إفريقي متخصص في الذكاء الاصطناعي؛ وكان يعمل أيضًا رئيسًا لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو. كنت في عام 2006 أدرس الهندسة في جامعة ويتواترسراند (ويتس) في جوهانسبرج؛ وأردت ساعتها أن ألتحق بالعمل في شركة هندسية كبيرة لكي أتمكن من كسب المال. حينها قال لي ماروالا: "ألا ترى أن العالم يمتلئ بأشياء أخرى أكثر إثارة للاهتمام ربما ترغب في النظر إليها!". كان المختبر الذي يديره ماروالا يقع في جامعة ويتس في ذلك الوقت؛ وعندما ذهبت إلى هناك رأيت أناسًا يشبهونني وينتمون إلى خلفيات اجتماعية لا تختلف كثيرًا عن البيئة التي نشأت فيها. لا شك أن مثل هذه التجارب والخبرات كفيلة بأن تغير مسار حياتك. كان ماروالا أيضًا كريمًا جدًا مع الجميع، وكان دائمًا ما يسأل الباحثين: "كيف نفتح لكم أبواب الفرص؟". في الحقيقة، كانت هذه نقطة تحول رئيسة في حياتي العلمية.

كذلك كان لبرنامج التنوع والمساواة والدمج التابع لمختبرات بيل تأثير عميق في مسيرتي أيضًا على الرغم من أنني لم أشارك فيه بشكل مباشر. تتلخص الحكاية في أنني عندما كنت أدرس للحصول على الدكتوراه، دعاني أحد زملائي الطلاب إلى حفل غداء شهري يجمع المهندسين والعلماء من أصحاب البشرة السمراء في نيوجيرسي. كان بعض الحاضرين في السابق جزءًا من برنامج التنوع في مختبرات بيل، وهو البرنامج الذي ساهم في تخريج كثير من الطلاب في مجال الحوسبة وساعد في بناء مجتمع من الباحثين.

عندما سنحت لنا الفرصة لإطلاق مؤتمر «إندابا» للتعلم العميق، أتاح لنا ذلك تطوير فلسفة للبناء المشترك والتحرك الجماعي. إذا كنت مجرد فرد، أو حتى لو كنت باحثًا "خارقًا"، فبمجرد أن تترك المجال أو تتقاعد من وظيفتك، فلن يتغير شيء فعليًا.

لديَّ الآن مختبري الخاص، كما أنني أشكل جزءًا من مجتمعات الباحثين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي. أرى كل يوم شبابا يحاولون التنقل عبر تلك الفضاءات. دائمًا ما أسأل نفسي عن الطريقة التي من خلالها يمكنني أن أقدم لهم يد المساعدة والدعم بالشكل الأمثل وأن أتأكد من أنهم يشعرون بأنهم في المكان الصحيح الذي من المفترض أن يكونوا فيه، وأنهم ليسوا معزولين أو منبوذين أو غريبي الأطوار.

لو أن ثمة شيئًا واحدًا تود تغييره في طريقة ممارسة العلوم، فما هو؟

أرى أننا بحاجة إلى استخدام منظور أوسع لتعريف المقصود بالمخرجات أو التأثير؛ فالاكتفاء بحساب عدد المنشورات وعوامل التأثير يخنق تصوراتنا بشأن الصورة التي نود أن نراها للعلم. ربما يكون هناك شخص ما يقوم بأنشطة علمية قائمة على المجتمع لكنها غير صالحة للنشر في المجلات العلمية، إلا أن تلك الأنشطة يكون بوسعها أن تؤثر في مجتمعاتنا بطرق أخرى وأن تحفز الابتكار وتحسن حياة الناس. غير أن هذا الشخص لا يُسمح له بدخول مساحاتنا وفضاءاتنا العلمية لأن النهج الذي يتبعه لا يناسب الطريقة التي نقيس بها تلك المخرجات.

ما أكبر إنجاز تعتز به على المستوى العملي؟

نرى حاليًا أشخاصًا شاركوا في مؤتمر «إندابا» للتعلم العميق وفي منظمة «ماساخاني» قد ذاع صيتهم في جميع أنحاء القارة. كذلك نلاحظ في الوقت الراهن ظهور جمعيات ومنظمات فرعية، نعتبرها ثمرةً لجهودنا، ومنها: «سيسونك بايوتيك» SisonkeBiotik، وهي جمعية تركز على الذكاء الاصطناعي والبحوث في المجال الصحي، و«أفري كليميت إيه آي» AfriClimate AI، وهي منظمة شعبية تضم بين صفوفها باحثين يعملون في الجمع ما بين بيانات المناخ والذكاء الاصطناعي. كذلك فإننا نعمل الآن على فصل بعض الشركات الفرعية وتحويلها إلى شركات مستقلة، مثل «ليلابا» Lelapa، وهو مختبر لمنتجات الذكاء الاصطناعي نجح مؤخرا في ابتكار «فولا فولا» Vulavula، وهي منصة تجارية يمكنها الترجمة بين بعض اللغات الإفريقية. كذلك فإنني ألتقي بشكل دوري بأناس يقولون إنهم حصلوا على فرصة من خلال «ماساخاني» وإنهم يعملون الآن في المجالات ذاتها. أقول حقا إن هذه التعليقات هي ما تساعدني على الاستمرار في القيام بهذا العمل.

لو أن بإمكانك أن تختار امتلاك قوة خارقة، فما هي؟

لدي بالفعل قوة خارقة؛ فيكفي أنني أستطيع النوم في الرحلات الطويلة، وهو ما تغار منه زوجتي كثيرًا. ولكن إذا كان عليّ الاختيار، فستكون القوة التي أختارها أن أتمكن من الانتقال الآني أو اللحظي من مكان إلى آخر. سيكون أمرًا لطيفًا أن أقول لشخص ما في مكان آخر، "سأصل عندك على الفور. هيا نقضي بضع دقائق معًا"؛ ثم أعود بعد ذلك إلى منزلي على الفور.

 

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 4 مارس 2025.

 

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.51