عاصفة من الجدل أشعلها حصول الذكاء الاصطناعي على اثنتين من جوائز نوبل
14 October 2024
نشرت بتاريخ 24 يناير 2024
المُلَيساء المُعدِية مرض فيروسي شديد العدوى يُحدث بثورًا جلديةً لؤلؤيةً شاحبة.. وفكرة العلاجين مناعية في الأساس
"بثور دائرية صلبة وبارزة تسبب حكةً أو تهيجًا جلديًّا".. هكذا تؤرق المُلَيساء المُعدِية الأطفال بصورة شائعة، ويمكنها إصابة الكبار من ذوي المناعة الضعيفة أيضًا.
وبالرغم من أن تلك البثور -التي تنتشر غالبًا على الوجه والذراعين والساقين والمنطقة التناسلية- تتحسن دون علاج خلال 6 أشهر إلى عامين، فإنها قد تلتهب، ويمكن أن تصبح مُعديةً إذا تعرضت للخدش، وعند التئامها يمكن أن تترك ندبات جلدية، يلجأ الأطباء إلى إزالتها بطرق جراحية مؤلمة، وتترك نتوءات جلدية.
وفي محاولة لإيجاد علاجات بديلة، أظهرت دراسة مصرية أن هناك علاجين فعالين لمرض المُلَيساء المُعدية، يمكن حقنهما في موضع الإصابة بالبثور، يتفوقان على الطرق التقليدية الحالية.
وذكرت الدراسة -التي نشرتها دورية "ساينتفك ريبورتس"- أن العلاجين هما لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR)، ومشتق البروتين المنقى "بي بي دي" (PPD)، وهو عبارة عن بروتين مُستخلص من بكتيريا السل، يُستخدم كاختبار لتشخيص الإصابة بالسل عن طريق الجلد.
مرض فيروسي
يوضح محمد لطفي الساعي -أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية بالمركز القومي للبحوث في مصر، وقائد فريق البحث- أن الاختيار وقع على بروتين "بي بي دي" بجانب لقاح "إم إم آر" لأن كليهما يُحدث رد فعل مناعيًّا لتنشيط خلايا المناعة التائية، ومن ثم علاج البثور.
يقول "الساعي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": المُلَيساء المُعدِية مرض فيروسي شديد العدوى يُحدث بثورًا جلديةً لؤلؤيةً شاحبة، تنتشر في الأغلب عبر العدوى الذاتية أو الاتصال المباشر وغير المباشر بالمصاب، لكن إمكانية العدوى تعتمد في الأساس على قوة مناعة الشخص، ومدى مقاومتها للعدوى، لذلك فهي تنتقل بصورة كبيرة بين الأطفال والبالغين المصابين بأمراض مناعية.
وحتى الآن يوجد علاج واحد تمت إجازته في يوليو الماضي من قِبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية يسمى (Ycanth)، وهو علاج مكلف يتكون من مادة "الكانثاردین" التي تُستخدم منذ فترة كمادة كاوية.
وتتركز الطرق الحالية لإزالة بثور المُلَيساء المُعدِية على العلاجات الموضعية لمواد وكريمات كاوية، بالإضافة إلى العلاج بالتبريد، والليزر، والكشط، وكلها علاجات تستهدف فقط تذويب البثور وإزالتها، لكنها لا تتدخل مناعيًّا؛ إذ يبقى الفيروس كامنًا في الجسم، وفق "الساعي".
في المقابل، فإن فكرة العلاجين اللذَين تم استخدامهما بالدراسة مناعية في الأساس؛ إذ تعتمد على تقوية المناعة لمقاومة الفيروس وسرعة تخليص الجسم منه.
يقول "الساعي": يعمل العلاجان على تحريض الخلايا التائية المناعية لإنتاج "السيتوكينات" التي تمنع تكاثر الفيروسات؛ إذ تتدفق عبر الدم وتصل إلى مكان العدوى، وتحيط بالفيروس للتخلص منه والقضاء على البثور.
تقييم السلامة والفاعلية
أُجريت الدراسة على 45 مريضًا بمستشفى جامعة الأزهر بمدينة دمياط المصرية، بهدف تقييم سلامة وفاعلية مصل "إم إم آر" وبروتين "بي بي دي"، وتحديد أيهما أكثر فاعليةً في إزالة البثور.
وانقسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات، الأولى ضمت 15 شخصًا تم حقنهم بمصل "إم إم آر" داخل البثور، أما المجموعة الثانية فقد شملت 15 شخصًا تم حقنهم ببروتين "بي بي دي" داخل البثور أيضًا، وحُقن 15 شخصًا آخرون بمحلول ملحي داخل البثور ضمن ما عُرف بالمجموعة الضابطة، وفق جداول الدراسة.
وأظهرت النتائج أن 12 مريضًا (80%) من المجموعة الأولى حققوا استجابةً كاملة (اختفاء البثور)، في حين حقق 3 مرضى (20%) استجابةً جزئية (تراجُع حجم البثور بأكثر من 50٪)، وفي الثانية حقق 11 مريضًا (73.3%) استجابةً كاملة، و4 مرضى (26.7%) استجابةً جزئية، أما المجموعة الضابطة ففيها لم تُظهر غالبية المرضى 8 (53.3%) أي استجابة، في حين أظهر 7 (46.7%) منهم استجابةً جزئية.
يقول "الساعي": الدراسة هي الأكثر شمولًا في مصر حتى الآن، لمقارنة نوعين مختلفين من العلاج بالإضافة إلى مجموعة ضابطة؛ إذ سبقتها 3 تجارب، منها واحدة أُجريت على مصل "إم إم آر" وطُبقت على مريضين فقط، في حين أُجريت الدراستان الباقيتان على بروتين "بي بي دي" وطُبقت على مرضى لا يتعدون عدد أصابع اليد.
وأضاف: تمت الدراسة أيضًا على الأطفال والشباب الكبار، وكانت الآثار الجانبية الأكثر شيوعًا خلال فترة العلاج تبدو بسيطةً للغاية ومُحتملة، وكان أبرزها الحمى البسيطة وبعض الآلام.
وكانت عشرات الدراسات قد أُجريت من قبل في عدة بلدان، منها الهند والولايات المتحدة، وتايلاند، وأثبتت فاعلية هذا النهج وأمانه.
نهج بسيط وفعال
تعلق لمياء الجارحي -أستاذ الأمراض الجلدية بكلية الطب بجامعة طنطا في مصر، وغير المشاركة بالدراسة- بأن "طريقة العلاج المناعي للمُلَيساء المُعدِية بواسطة الأمصال تُعد نهجًا علاجيًّا بسيطًا وفعالًا، وقليل التكلفة، بالإضافة إلى انخفاض آثاره الجانبية، مقارنةً بالعلاجات الأخرى مثل الكي والتبريد والليزر".
وتضيف "الجارحي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يعتمد هذا النهج على حَقن البثور الكبيرة بكمية ضئيلة جدًّا من المصل، ويُترك مدةً تتراوح بين 3 أسابيع وشهر، ويُكرر الحقن حوالي 3 مرات أو أكثر، وفق درجة استجابة المريض، وبالتالي فهو يمكِّن المريض من ممارسة حياته على نحوٍ طبيعي.
وتؤكد "الجارحي" أن هذا النهج آمنٌ للغاية؛ إذ يُستخدم مصل "إم إم آر" بشكل شائع حتى بالنسبة للأطفال الرضع، كما أن بروتين "بي بي دي" هو جزء من لقاح الدرن أو السل الذي يحصل عليه الأطفال في الصغر، وبالتالي يتعرف الجسم على المادة بسهولة ولا تسبب له أي مشكلات صحية.
في المقابل، يرى خالد أبو شنب -أستاذ الميكروبيولوجي والمناعة بكلية الصيدلة بجامعة عين شمس في مصر، وغير المشارك بالدراسة- أن عدد المشاركين في الدراسة قليل، وبالتالي لا يمكن أن نحكم على نجاح هذا النهج العلاجي إلا بعد إجرائه على عينات أكبر من المرضى.
وأضاف "أبو شنب" لـ"نيتشر ميدل إيست": يجب أن تركز الدراسات المستقبلية على آلية اختفاء تلك البثور الجلدية، والتأثير المحدد الذي أحدثه هذا العلاج في خلايا الجهاز المناعي، ورصد التغيرات التي أدت إلى هذه النتيجة الإيجابية.
ويتابع: يجب أيضًا إجراء دراسة إحصائية حول مدى تحصين المرضى بلقاح السل من قبل، وعلاقة ذلك التحصين والمناعة المكتسبة من ورائه بتحقيق استجابة جزئية أو كلية للعلاج، وذلك قبل التوصية باستخدام هذا النهج سريريًّا على المرضى.
أما "الساعي" فقد أشار إلى أن الفريق البحثي يطمح إلى توسيع نطاق الدراسة لتشمل عددًا أكبر من المرضى يقيمون في مناطق جغرافية متنوعة بمصر، لاكتشاف إمكانية وجود تبايُنات وطفرات وراثية مختلفة للفيروس يمكن أن تؤثر على استجابة المرضى للعلاج.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.35
تواصل معنا: