رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 22 نوفمبر 2024
بياتا هالاسي اختصاصية علم الفيروسات تقول إن هذا العلاج الذاتي الذي استخدمته أثبت نجاحًا، واصفةً تجربتها بالإيجابية، لكنَّ باحثين يحذرون من أن يُقدِم آخرون على تجارب ذاتية مشابهة.
نجحت عالمة الفيروسات بياتا هالاسي في علاج إصابتها بمرض سرطان الثدي عن طريق حقن ورمها السرطاني بفيروسات مستزرعة في مختبرها، ما آثار جدلًا حول أخلاقيات التجارب الذاتية.
ففي عام 2020، اكتشفت هالاسي البالغة من العمر 49 عامًا، أنها مصابة بمرض سرطان الثدي في موضع جراحة سابقة خضعت لها من أجل استئصال الثدي. وكانت تلك المرة الثانية التي تتكرر فيها إصابتها بهذا المرض منذ استئصال ثديها الأيسر، ولم تكن تقوى على الخضوع لدورة جديدة من جلسات العلاج الكيميائي.
من هنا، عكفت هالاسي، عالمة الفيروسات من جامعة زغرب، على دراسة الأبحاث السابقة وقررت أن تتولى مداواة نفسها بعلاج لم تتأكد صحته من الناحية العلمية بعد.
ويوضح تقرير حالة نشرته مجلة «فاكسينز» Vaccines في الأول من أغسطس1 كيف استخدمت هالاسي علاجًا ذاتيًا يُسمى العلاج الفيروسي المُحلِّل للورم (OVT) بهدف معالجة نفسها من مرض السرطان في مرحلته الثالثة. وقد انقضت أربع سنوات إلى الآن دون ظهور أورام سرطانية جديدة لديها.
باختيارها اللجوء إلى نهج التجارب الذاتية هذا، تنضم هالاسي إلى قائمة طويلة من العلماء الذين شاركوا في هذه الممارسة المستترة والمستهجنة والمحفوفة بالمخاطر الأخلاقية. وفي ذلك الصدد، تقول هالاسي: "تطلب الأمر محررًا شجاعًا لنشر تقرير حالتي".
علاج واعد
تُعد العلاجات الفيروسية المُحلِّلة للأورام مجالًا ناشئًا لعلاج السرطان تُستخدم فيه الفيروسات لمهاجمة الخلايا السرطانية وتحفيز الجهاز المناعي لمحاربتها. وظلت معظم التجارب الإكلينيكية لاختبار فاعلية هذه العلاجات منصبَّة على المرحلة المتأخرة من السرطان النقيلي، ولكن في السنوات القليلة الماضية صارت تلك التجارب تستهدف المرض في مراحله المبكرة أيضًا. وقد صُرِّح بأحد العلاجات الفيروسية المُحلِّلة للورم وهو «تاليموجين لاهيرباريبفيك» T-VEC، في الولايات المتحدة لعلاج الورم الميلانيني النقيلي، ولكن لا توجد إلى الآن عقاقير علاج فيروسي مُحلِّل للورم مصرح باستخدامها في علاج سرطان الثدي في أي مرحلة بأي مكان في العالم.
وتؤكد هالاسي أنها ليست متخصصة في العلاجات الفيروسية المُحلِّلة للأورام، ولكن خبرتها في استزراع الفيروسات وتنقيتها في المختبر أعطتها الثقة لتجربة العلاج بنفسها. وقد اختارت استهداف ورمها بفيروسين مختلفين على التوالي؛ فيروس الحصبة ويليه فيروس التهاب الفم الحويصلي (VSV). ومن الثابت أن كلا الفيروسين المُمرِضين يصيبان نوع الخلية التي نشأ منها الورم الذي أصاب هالاسي، وجرى استخدامهما بالفعل في التجارب الإكلينيكية للعلاجات الفيروسية المُحلِّلة للأورام، كما اختُبر فيروس الحصبة في علاج سرطان الثدي النقيلي.
كانت لدى هالاسي خبرة سابقة في إجراء التجارب باستخدام هذين الفيروسين اللذين يتمتعان بسجل أمان جيد. فسلالة الحصبة التي اختارتها هالاسي تُستخدم على نطاق واسع في لقاحات الأطفال، ولا تتسبب سلالة فيروس التهاب الفم الحويصلي سوى في أعراض خفيفة تشبه أعراض الأنفلونزا، في أسوأ الأحوال.
على مدى شهرين، تلقت هالاسي نظامًا علاجيًا بمواد تُستخدم للأغراض البحثية، أعدتها هي حديثًا، وتولى إعطائها العلاج بالحقن مباشرة في ورمها السرطاني، زميل لها. وقد وافق أطباء الأورام المعالجون لها على متابعتها أثناء العلاج الذاتي، حتى يتسنى لها التحول إلى العلاج الكيميائي التقليدي إذا ساءت الأمور.
وبدا النهج فعالًا: فخلال فترة العلاج، ودون آثار جانبية خطيرة، تقلص الورم كثيرًا وأصبح أقل صلابة، كما انفصل عن العضلة الصدرية والجلد اللذين كان يغزوهما، مما سهَّل استئصاله جراحيًا.
وأظهر تحليل الورم بعد استئصاله أن خلايا مناعية تُعرف بالخلايا الليمفاوية كانت قد تغلغلت فيه تمامًا، مما يشير إلى أن العلاج الفيروسي المُحلِّل للورم أحدث التأثير المتوقع منه واستثار الجهاز المناعي لدى هالاسي محفزًا إياه على مهاجمة الفيروسات وخلايا الورم. حول ذلك، تقول هالاسي: "بالتأكيد أمكن إحداث استجابة مناعية". وبعد الجراحة، تلقت علاجًا لمدة عام بعقار تراستوزوماب Trastuzumab المقاوم للسرطان.
يقر ستيفن راسل، المتخصص في دراسة العلاجات الفيروسية المُحلِّلة للأورام والذي يدير شركة «فيرياد» للتقنيات الحيوية القائمة على العلاجات الفيروسية في روتشستر بولاية مينيسوتا، بأن حالة هالاسي تشير إلى أن الحقن الفيروسية نجحت في تقليص حجم الورم لديها وأدت إلى انحسار حوافه الغازية.
لكنه لا يعتقد أن تجربتها تفتح آفاقًا جديدة في حقيقة الأمر، لأن الباحثين يحاولون بالفعل استخدام العلاجات الفيروسية المُحلِّلة للأورام للمساعدة في علاج مرض السرطان في مراحله المبكرة. وهو لا يعرف شخصًا جرب فيروسين على التوالي، لكنه يرى أنه يستحيل استنتاج ما إذا كان هذا الإجراء يصنع فارقًا أم لا من دراسة علاجية لعينة تقتصر على مريض واحد، ويقول: "الجديد هنا في الواقع هو أنها فعلت ذلك بنفسها باستخدام فيروس استزرعته في مختبرها الخاص".
معضلة أخلاقية
شعرت هالاسي بأهمية نشر نتائجها وبمسؤوليتها عن ذلك. لكن دراستها البحثية قُوبلت بالرفض أكثر من 12 مرة من جانب دوريات علمية. وكان السبب الرئيس وراء ذلك، بحسب ما تفيد هالاسي، هو أن الدراسة التي شاركت في تأليفها مع زملاء آخرين لها اشتملت على تجارب ذاتية. فتقول هالاسي: "ظلت القضايا الأخلاقية هي الشغل الشاغل دائمًا". إلا أنها كانت عازمة بشدة على المثابرة بعد أن صادفت مقالًا نقديًا يسلط الضوء على قيمة التجريب الذاتي.2
أما جيكوب شيركو الباحث في القانون والطب من جامعة إلينوي أوربامانا شامبين، وهو باحث سبق له إجراء استقصاء حول أخلاقيات التجريب الذاتي بين الباحثين فيما يتعلق بلقاحات «كوفيد-19»، فلا يشعر بالدهشة من المخاوف التي أثارتها المجلات والدوريات العلمية.
ففي واقع الأمر، المشكلة لا تتعلق باستخدام هالاسي التجريب الذاتي في حد ذاته، ولكن الورطة الحقيقية تتمثل في أن نشر نتائجها ربما يشجع آخرين على رفض العلاج التقليدي وتجربة شيء مماثل، على حد قول شيركو. فالأشخاص المصابون بمرض السرطان يمكن أن يكونوا أكثر استعدادًا لتجربة علاجات لم تثبُت فاعليتها. لكن شيركو يشير إلى أنه من المهم أيضًا ضمان عدم خسارة المعارف المتحققة من التجريب الذاتي. وتؤكد الدراسة أن العلاج الذاتي باستخدام الفيروسات المقاومة للسرطان "لا ينبغي أن يكون الخيار الأول" الذي يُنتهَج في حالة تشخيص إصابة بمرض السرطان.
ويقول شيركو: "أعتقد أن هذه المسألة تندرج في نهاية المطاف ضمن إطار الأخلاقيات، ولكنها ليست قضية سهلة"، مضيفًا أنه كان ليود أن يرى مقال رأي يوضح تفصيلًا المنظور الأخلاقي، ويُنشَر جنبًا إلى جنب مع تقرير الحالة.
لكن هالاسي لم تندم على العلاج الذاتي، أو على سعيها الحثيث لنشر نتائجه. وهي تستبعد أن يحاول أحدهم تقليدها، لأن العلاج يتطلب قدرًا كبيرًا من المعرفة والمهارة العلمية. وقد أعطت هذه التجربة بحوثها الخاصة منحىً جديدًا: ففي سبتمبر حصلت على تمويل من أجل تقصي فاعلية العلاجات الفيروسية المُحلِّلة للأورام في علاج مرض السرطان لدى الحيوانات الأليفة. وتقول: "حدث تحول تام في اهتمامات مختبري بفضل تجربتي الإيجابية مع التداوي الذاتي".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.325
1. Forčić, D. et al. Vaccines 12, 958 (2024).
2. Hanley, B. P., Bains, W. & Church, G. Rejuv. Res. 22, 31–42 (2019).
تواصل معنا: