رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 10 نوفمبر 2024
رصد تطور السرطان بدقة على مستوى الخلية المفردة من شأنه فتح الباب أمام التشخيص والعلاج المبكرَين.
تسهم المخططات التفصيلية، التي تحدد مواقع الخلايا في الأورام وتستكشف طبيعتها البيولوجية، في فهم العديد من أنواع السرطان، التي تشمل سرطان الثدي والقولون والبنكرياس، كما يمكن أن تساعد على التوصل إلى علاجات محتملة.
في حزمة تتألَّف من 12 ورقة بحثية، نُشرت في دوريات «نيتشر» Nature بتاريخ الثلاثين من أكتوبر الماضي، عرض باحثو «شبكة أطلس الأورام البشرية» (HTAN) نتائج تحليلهم لمئات الآلاف من خلايا الأنسجة البشرية والحيوانية. وإذ يزيح بعض هذه الدراسات الستار عن مخططات أو خرائط ثلاثية الأبعاد لخلايا الأورام – يُشار إلى كلٍّ منها بالأطلس الخلوي – تعمل دراسات أخرى على تصميم "ساعات جزيئية"، تتابع التغيرات الخلوية التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
واستخدام هذه الأدوات الجديدة في مجال دراسة السرطان يتيح لنا النظر إليها من منظور مختلف، حسبما يرى كين لاو، اختصاصي البيولوجيا الخلوية الحوسبية في المركز الطبي التابع لجامعة فاندربيلت في ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، والذي شارك في وضع دراسة تسجل توقيت الأحداث الخلوية التي تطرأ في أثناء نمو سرطان القولون والمستقيم1. يقول لاو: "يمكننا في الواقع رؤية أشياء لم نرَها من قبل".
مخططات الأورام
في بعض الدراسات، صمم الباحثون مخططات تفصيلية سمحت لهم بدراسة الأورام بدقة على مستوى الخلية المفردة، وبحث كيفية تكوُّن الأورام. وقام فريق بتحليل تنظيم الخلايا في 131 عينة من ستة أنواع من السرطان، تشمل سرطان الثدي، والقولون، والبنكرياس، والكلى2. وخلُص الباحثون إلى أن المناطق المختلفة في نفس الورم قد تستجيب بشكل مختلف للأدوية. وبالتالي، فقد تؤدي دراسة استجابة المجموعات المختلفة من خلايا السرطان للعلاجات إلى مساعدة الباحثين على تصميم علاجات أكثر فعالية.
ولجأت دراسات أخرى إلى تقنية رسم المخططات ثلاثية الأبعاد لدراسة عينات من سلائل القولون؛ وهي زوائد غير طبيعية في بطانة الأمعاء قد تتحول إلى أورام سرطانية. ثم كان أن رصد الباحثون التغيرات الجزيئية في خلايا السلائل، ومنها فقدان الحمض النووي، والتغير في نشاط الجينات3، فضلًا عن التغيرات التي تطرأ في وقت مبكر على الاستجابة المناعية ونمو الخلايا واستقلاب الهرمونات4، والتي قد تتسبب في تحول خلايا السلائل إلى خلايا سرطانية.
يرى عمر يلماز، اختصاصي بيولوجيا الخلايا الجذعية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مدينة كامبريدج الأمريكية، أن العلاجات التي تستهدف هذه التغيرات قد تبرز فعالية علاجات السرطان والتدخلات العلاجية المبكرة. يقول: "إن أفضل علاج للسرطان هو الوقاية. وإذا تمكّنّا من فهم تأثير البيئة والنظام الغذائي على التجمعات الخلوية المختلفة، وانعكاس ذلك على تكون الأورام، بالإضافة إلى دور النسائل المختلفة في تلك العملية، فقد يؤدي ذلك إلى تحسين طرق الوقاية أو الكشف".
نظرة على المناعة
توفر مخططات أخرى معلومات حول أسباب عدم استجابة بعض أنواع السرطان للعلاج أكثر من غيرها. وفقًا لدانييل أبرافانيل، وهو طبيب وباحث في معهد دانا-فاربر للسرطان في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، كما شارك في وضع دراسة حول سرطان الثدي5، لا تتكون الأورام من خلايا سرطانية فقط. فعلى سبيل المثال، يقول أبرانفيل إن العلاجات المناعية التي لا تستهدف الخلايا السرطانية بشكل مباشر، إلا أنها تساعد الجهاز المناعي في القضاء عليها، تُعد أقل فعالية في علاج سرطان الثدي مقارنةً بأنواع السرطان الأخرى.
وللتعرف على أسباب ذلك، أنشأ أبرافانيل وزملاؤه مخططًا ثلاثي الأبعاد للأورام باستخدام عشرات العينات المأخوذة من ستين شخصًا مصابين بأنواع من سرطان الثدي ضارية. وعمدوا إلى دراسة توزيع الخلايا المناعية، ووجدوا أن بعض أنواع الخلايا المناعية كانت أكثر انتشارًا من غيرها في بعض الأورام، ولا سيما لدى الأشخاص الذين تلقوا العلاج المناعي.
أظهرت الخزعات المأخوذة من نفس الورم لدى ثلاثة أشخاص، بفاصلٍ تراوح مداه بين 70 و220 يومًا، اختلافات في مستويات الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا التائية والخلايا البلعمية؛ إذ انخفضت أعداد هذه الخلايا بمرور الوقت لدى حالتين، بينما ارتفعت لدى الحالة الثالثة.
يرى براين ليمان، الباحث في مجال سرطان الثدي واختصاصي علم الجينوم في مركز فاندربيلت-إنجرام للسرطان في ناشفيل بولاية تينيسي، أن تلك النتائج تُجلي الطبيعة الديناميكية للبيئة المكروية المناعية، وقد تفسر سبب عدم اتساق النتائج التي تم التوصل إليها في محاولات تحديد خصائص الأورام والتنبؤ بالاستجابة لعلاجات "نقاط التفتيش المناعية" عن طريق خزعة واحدة في نقطة زمنية واحدة.
وفي دراسة أخرى، وجد الباحثون أن بعض الأنواع الفرعية الضارية من سرطان الثدي تحتوي على خلايا مناعية أكثر من غيرها، يبدو أنها "تلَفَتْ" بمرور الوقت6. تعبّر هذه الخلايا عن البروتين CTLA4، الذي يحد من قدرتها على الاستجابة للأورام. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن العلاجات التي تستهدف البروتين CTLA4 أظهرت نتائج واعدة في علاج الورم الميلاني وسرطان الرئة. ويرى ليمان أن ذلك يفتح آفاقًا إضافية لاستخدام هذه العلاجات في مجموعة فرعية من سرطانات الثدي.
ساعة كريسبر
وثمة تجارب أخرى تكشف عن كيفية تحوُّل الخلايا إلى خلايا سرطانية في الأساس. ففي الدراسة الخاصة بسرطان القولون والمستقيم، صمم لاو وزملاؤه "ساعة جزيئية" لتتبع كيفية تحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا خبيثة، وكيفية انتشارها في الأمعاء بشكل لا يمكن التحكم به1. وقد استندوا إلى نهج تحليل الخلية المفردة، واستعانوا بأداة التحرير الجيني «كريسبر» CRISPR لإحداث طفرات في الحمض النووي لكل خلية، بحيث تعمل هذه الطفرات عمل "الطوابع زمنية"، التي تسجل الجدول الزمني للتغيرات والانقسامات في كل خلية.
طبّق لاو وفريقه هذا النهج على 418 سليلة قولون بشرية، ووجدوا أن حوالي 30% من السلائل نشأت من عدة أنواع من الخلايا، لا من خلية مفردة. وفي 60% من السلائل، بدأت مجموعة من الخلايا في التفوق على مجموعات أخرى أثناء مرحلة تحوُّل السليلة إلى ورم. علاوة على ذلك، خلصت دراستان مماثلتا، أجريتا على الفئران7,8، وشملتا تحليل 260,922 خلية مفردة في 112 عينة من الأنسجة المعوية، إلى أن ثمة مجموعة من الخلايا تتسبب في حدوث أورام القولون والمستقيم.
لعل هذه النتائج تدحض الاعتقاد السابق بأن سرطان القولون ينشأ من خلايا مفردة خبيثة في بطانة الأمعاء، وتتيح فرصًا للتشخيص والتدخل المبكرين.
يقول لاو إن الناس يعتمدون على الحجم لتقييم خطر الإصابة بالأورام السرطانية، أو التي يُحتمل أن تتحوَّل إلى أورام سرطانية؛ فكلما زاد حجم الورم، زادت خطورته. غير أن الساعة الجزيئية والتحليلات الأخرى تكشف، على حد قول لاو، عن "احتمالية وجود مؤشرات حيوية أخرى تتعلق بعلم الوراثة والتطور"
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.322
References:
1- Islam, M. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-07954-4 (2024).
2- Mo, C.-K. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-08087-4 (2024).
3- Zhu, Y. et al. Nature Cancer https://doi.org/10.1038/s43018-024-00823-z (2024).
4- Esplin, E. D. et al. Nature Cancer https://doi.org/10.1038/s43018-024-00831-z (2024).
5- Klughammer, J. et al. Nature Med. https://doi.org/10.1038/s41591-024-03215-z (2024).
6- Iglesia, M. D. et al. Nature Cancer https://doi.org/10.1038/s43018-024-00773-6 (2024).
7- Sadien, I. D. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-08053-0 (2024).
8- Lu, Z. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-08133-1 (2024).
تواصل معنا: