عاصفة من الجدل أشعلها حصول الذكاء الاصطناعي على اثنتين من جوائز نوبل
14 October 2024
نشرت بتاريخ 12 يونيو 2024
علماء يكتشفون الخلايا الدماغية التي تنظِّم الاستجابات الالتهابية، ويقفون على آليات مراقبة هذه الخلايا للاستجابات المناعية.
لطالما استقر لدى العلماء منذ زمن طويل أن الدماغ له دور في عمل الجهاز المناعي، على أن آلية هذا الدور ظلتْ لغزًا محيرًا. والآن، اكتشف العلماء مجموعة من الخلايا العصبية الموجودة في الجذع الدماغي تستشعر الإشارات المناعية الصادرة من أطراف الجسم، وتقوم بدور المنظِّمات الرئيسة للاستجابات الالتهابية في الجسم.
تُشير النتائج، التي نُشرتْ في الأول من مايو الجاري في دورية Nature1، إلى أن الدماغ يحقق توازنًا دقيقًا بين الإشارات الجزيئية التي تحفز الالتهابات وتلك التي تكبحها، وهو اكتشاف من شأنه أن يثمر تطوير علاجاتٍ لأمراض المناعة الذاتية وغيرها من الحالات المَرضية الناجمة عن فرط الاستجابة المناعية.
ما أقرب هذا الاكتشاف إلى نظرية البجعة السوداء، فهو لم يكن واردًا البتة ولكنه يبدو مع اكتشافه منطقيًّا تمامًا، كما جاء عن رسلان ميدجيتوف، عالِم المناعة بجامعة ييل، في مدينة نيو هيفن بولاية كونيتيكت. ولا يخفى على العلماء أن جذع الدماغ له وظائف كثيرة، منها تنظيم العمليات الأساسية كالتنفس. ومع هذا، كشفت الدراسة، حسبما يضيف ميدجيتوف، "أن ثمة مستويات بأكملها من علم البيولوجي لم تكن لتخطر لنا على بالٍ".
عقب استشعار وجود دخيل، يُطلِق الجهاز المناعي فيضانًا من الخلايا المناعية والمُركبات التي تحفز حدوث استجابة التهابية. وهذه الاستجابة الالتهابية لا بد أن تكون منضبطةً بدقة منقطعة النظير؛ فلا هي ضعيفة للغاية ومن ثم تعرِّض الجسم للإصابة بالعدوى؛ ولا هي قوية قوة زائدة فتدمر أنسجة الجسم وأعضاءه.
وكانت الأبحاث السابقة قد أظهرتْ أن العصب المبهَم، الذي هو عبارة عن شبكة كبيرة من الألياف العصبية تصل الجسم بالدماغ، يؤثر في الاستجابات المناعية. غير أن الخلايا العصبية الدماغية المحددة التي تنشط بفعل محفِّز مناعي ظلتْ محيرة للعلماء، حسبما ذكر هاو جين، عالِم المناعة العصبية بالمعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المُعدية في بيثيسدا بولاية ميريلاند، الذي قاد هذه الدراسة.
وللوقوف على آلية ضبط الدماغ لاستجابة الجسم المناعية، راقب جين وزملاؤه نشاط خلايا الدماغ عقب حقن فأر في بطنه بمُركبات بكتيرية تحفز حدوث استجابات التهابية.
وهكذا نجح الباحثون في تمييز خلايا عصبية بالجذع الدماغي تَنْشَط استجابةً للمحفزات المناعية. وتنشيط هذه الخلايا العصبية بعقّارٍ أدى إلى انخفاض نِسب الجزيئات الالتهابية في دم الفئران. وعلى العكس، أدى إخمادها إلى حدوث استجابة مناعية جامحة، حيث زادت نسب الجزيئات الالتهابية بمقدار 300% قياسًا إلى النسب المرصودة في الفئران التي كانت خلاياها العصبية بجذع الدماغ نشطةً. وهكذا، تكون هذه الخلايا العصبية بمثابة "منظِّم للمقاومة المتغيرة بالدماغ من شأنه أن يكفل الحفاظ على الاستجابة المناعية في نطاق النسب الآمنة"، على حد تعبير تشارلز زوكر، عالِم الأعصاب بجامعة كولومبيا في نيويورك ستي، الذي شارك في تأليف الدراسة.
وقد كشف المزيد من التجارب عن مجموعتين منفصلتين من الخلايا العصبية في العصب المبهَم: إحداهما تستجيب للجزيئات المناعية المحفِّزة للالتهاب، والأخرى تستجيب للجزيئات المناعية المضادة للالتهاب. تمرر هذه الخلايا العصبية إشاراتها إلى الدماغ، مما يتيح له مراقبة الاستجابة المناعية وهي تحدُث. وفي الفئران التي تعاني من حالاتٍ تتميز بفرط الاستجابة المناعية، أدى التنشيط الصناعي للخلايا العصبية المبهَمة التي تحمل إشارات مضادة للالتهاب إلى تقليص الالتهاب.
إن التوصل إلى طرق لضبط هذه الشبكة المكتشَفة حديثًّا التي تصل الجسم بالدماغ، من شأنه أن يطرح طريقة لإصلاح الاستجابات المناعية التالفة في العديد من الحالات المَرضية، مثل أمراض المناعة الذاتية، بل وحتى في مرض «كوفيد الممتد»، الذي هو عبارة عن متلازمة من أعراضٍ تضرب الجسم بالوهن، وقد تستمر لسنوات بعد الإصابة بفيروس «سارس-كوف-2»، كما يقول جين.
ومن جهته يشير زوكر إلى وجود أدلة على أن العلاجات التي تستهدف العصب المبهَم يمكنها أن تعالج أمراضًا مثل التصلُّب المتعدِّد، والتهاب المفاصل الروماتويدي، مما يشير إلى أن استهداف الخلايا العصبية المبهَمة المعنية التي تحمل الإشارات المناعية قد ينجح في البشر. على أنه يحذر قائلًا: "يحتاج الأمر إلى الكثير من البحث والتجارب حتى يمكن الوصول إلى هذه النتيجة".
وإلى جانب شبكة الخلايا العصبية التي اكتشفتها هذه الدراسة، قد تكون هناك مسارات أخرى يمكن للجسم أن ينقل عبرها الإشارات المناعية إلى المخ، بحسب ستيفن ليبيرليس، عالِم الأعصاب بكلية طب هارفارد في بوسطن بماساتشوستس. بل يزيد على ذلك أن الآليات التي يتولى المخ من خلالها إرجاعَ الإشارات إلى الجهاز المناعي لتنظيم الاستجابات الالتهابية - تظل غامضة. ويضيف ليبيرليس: "لم نطرق سوى القشور. ويتعين علينا أن نرجع إلى القواعد التي تحدد آلية تفاعل الدماغ مع الجهاز المناعي".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.183
References:
1-Jin, H., Li, M., Jeong, E., Castro-Martinez, F. & Zuker, C. S. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-07469-y (2024).
تواصل معنا: