بعد الإطاحة بالنظام: هذه خارطة طريق للعلم في
سوريا
11 December 2024
نشرت بتاريخ 4 أبريل 2024
الجفاف وحركة الكثبان الرملية والتكلفة المرتفعة لتقنيات الرصد أهم معوقات إزالة الألغام الحية في الدول النامية
في ديسمبر 2005، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 4 إبريل من كل عام يومًا دوليًّا للتوعية من مخاطر الألغام، التي تمثل تهديدًا خطيرًا للسلامة، والصحة، والإنسان، والبيئة.
وتمثل الألغام خطورة كبيرة على مستوى العالم، إلا أن خطورتها تزداد في مصر؛ إذ يشير تقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات -وهي هيئة حكومية تتبع مؤسسة الرئاسة المصرية- إلى أن "مصر كانت تعاني من نحو 23 مليون لغم بنسبة تبلغ 20% من إجمالي 110 ملايين لغم أرضي مزروع حول العالم، لكن مصر نجحت في إزالة نحو مليون و200 ألف لغم منذ عام 1995".
وتعاني مصر من مشكلة الألغام الأرضية المضادة للأفراد والدبابات، وهي منتشرة على مساحات كبيرة في منطقة الساحل الشمالي وسيناء؛ إذ خلفت الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين جنوب الساحل الشمالي وحتى حدود مصر الغربية حوالي 17.5 مليون لغم، تحتل مساحة تزيد على ربع مليون فدان صالحة للزراعة، كما خلّفت الحروب المصرية -الإسرائيلية نحو 5.5 ملايين لغم، في سيناء والصحراء الشرقية".
ألغام حية
بسبب الألغام الأرضية، أصبح جزء يبلغ 685 ألفًا و699 فدانًا من الأراضي الصالحة للزراعة في مصر عديم الفائدة، وهو ما يمثل حوالي 10٪ من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة في مصر.
ويزداد الأمر خطورةً في ظل "التغيرات المناخية والكثبان الرملية التي تؤدي إلى تحرك الألغام، ومشكلات حساسية الألغام للانفجار بسبب تقادمها أو بسبب العوامل الجوية، وعدم وجود خرائط لهذه الألغام، إضافةً إلى أن إزالتها بأمان مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا"، وفق تقرير الهيئة العامة للاستعلامات.
وهناك أيضًا الملوِّثات التي تخلِّفها عمليات تفجير تلك الألغام، وهي ملوثات لا تتوقف مخاطرها عند الألغام الأرضية، بل تمتد أيضًا إلى الألغام الحية الكامنة في قاع المحيطات والبحار حول العالم، والتي من المحتمل أن تنفث ينابيع غير متوقعة أو تطلق ملوثات في الماء، فبعد الحرب العالمية الثانية، تم إلقاء حوالي 385 ألف طن متري من الذخائر غير المنفجرة -بما في ذلك 40 ألف طن من الذخائر الكيميائية- في بحر البلطيق.
وتظل هذه الأسلحة المهملة خطيرةً بسبب قدرتها على دفع أعمدة من الماء والرواسب إلى الأعلى، وإرسال موجات صادمة عبر المحيط، وإحداث ثقوب في هياكل السفن، بالإضافة إلى إمكانية تآكل الأصداف المعدنية للألغام في مياه البحر، مما يؤدي إلى تسرُّب مركبات متفجرة سامة مثل مادة "تي إن تي" إلى البيئة مع مرور الوقت.
سيناريوهات كارثية
ويحذر تقرير صادر عن "مرصد الصراع والبيئة" من تكرار سيناريوهات شبيهة بما في حدث في البوسنة والهرسك عام 2014، عندما أدت الأمطار الغزيرة والفيضانات إلى حدوث أكثر من 3000 انهيار أرضي، ما جعل سجلات مواقع حقول الألغام غير موثوقة، في حين تم الإبلاغ عن تأثير الفيضانات أو الانهيارات الأرضية على أنشطة إزالة الألغام في أنجولا، والعراق، والسودان، وزيمبابوي.
ووفق كندرا دوبوي -مستشارة البيئة في منظمة المساعدات الشعبية النرويجية، والمشاركة في كتابة التقرير-فإن "ارتفاع درجات الحرارة في الصيف يمكن أن يؤثر سلبًا على إدارة مخزونات الذخيرة التي تم تصميمها لتحمُّل الحرارة الشديدة على المدى القصير، لكن درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة لفترة طويلة قد تؤدي إلى زعزعة استقرارها وإضعاف سلامتها الهيكلية وإتلاف موانع التسرب وزيادة خطر الانفجار، وقد تؤدي موجات المد والجزر وارتفاع درجات حرارة البحر بسبب تغيُّر المناخ إلى زيادة المخاطر الناجمة عن إرث الذخائر البحرية".
ويقول التقرير: في البلدان التي يوجد فيها بالفعل صراع من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان البسطاء، غالبًا ما يُنظر إلى إدارة البيئة على أنها ذات أولوية أقل، بالرغم من أن إزالة الألغام يمكن أن تعود بالنفع على صحة المجتمعات المحلية وسبل عيشها وقدرتها على التكيف مع المناخ، فضلًا عن حماية النظم البيئية.
دقة الرصد
من جهته، يؤكد مجدي تراب -أستاذ الجغرافيا الطبيعية المتفرغ في كلية الآداب بجامعة دمنهور، ورئيس الجمعية المصرية للتغيرات البيئية- "خطورة التغيرات المناخية على إمكانية تحديد الألغام ورصدها".
يقول "تراب" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تؤدي التغيرات المناخية إلى زيادة الجفاف في بعض المناطق وتكثيف الأمطار في مناطق أخرى، ما يعني تحرك نطاقات المطر، ونتيجةً لذلك فإن المناطق التي تزداد جفافًا تكون عرضةً لتحرك الكثبان الرملية التي تغطي حقول الألغام، وتجعل من الصعب التعامل مع الألغام التي قد تنفجر في أي لحظة.
ويضيف: ليس هناك رصد جغرافي دقيق لمواقع الألغام في مصر، وغالبًا ما تكون حقول الألغام التي خلَّفتها الحروب مجهولة التوزيع الجغرافي وليس لها خرائط، ولذلك يعتمد الباحثون على المجسات.
وردًّا على سؤال لـ"نيتشر ميدل إيست" حول قدرة الآليات الحديثة -مثل الاستشعار عن بُعد وإنشاء نظم فعالة لرصد حركة الكثبان الرملية باستخدام تقنيات الأقمار الصناعية والمراقبة بالرادار- على تحديد مناطق خطر الألغام، يقول "تراب": هناك محاولات لتحديد مواقع الألغام المدفونة عن طريق مرئيات الرادار وأيضًا عن طريق الطائرات بدون طيار (الدرونز )، لكنها ليس دقيقةً بصورة يُعتمد عليها.
التقنيات الحديثة
يؤكد أحمد القناوي -أستاذ علم الجغرافيا الطبيعية المساعد بكلية التربية بجامعة المنصورة، والأستاذ السابق لعلم الجغرافيا بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية- أن "الأمطار الغزيرة التي تسبب الفيضانات تؤدي إلى تعرية التربة، وبالتالي تحول مناطق الألغام من مناطق مغطاة إلى مناطق مكشوفة ذات خطورة أكبر".
يقول "القناوي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": ترتبط دقة عمليات رصد الألغام بأمرين أساسيين، الأول إمكانيات الأقمار الصناعية وقدرتها على رصد الألغام بدقة مكانية عالية، والثاني عمق اللغم، الذي تزداد صعوبة رصده كلما زاد عمق مكانه تحت سطح الأرض.
لكن "القناوي" يؤكد في الوقت ذاته أن "تمركز الألغام في مصر يرتبط بمنطقة الساحل الشمالي الغربي لمصر، التي كانت أحد مسارح الحرب العالمية الثانية، وإجمالي الأمطار في تلك المنطقة لا يتجاوز 250 إلى 300 ملليمتر سنويًّا، ما يجعلها مناطق جافة أو شبه جافة ذات أمطار خفيفة لا تسبب سيولًا، وذلك على النقيض من البلدان الإفريقية الاستوائية".
وفيما يتعلق باستخدام التقنيات الحديثة في تحديد مناطق حقول الألغام، يقول "القناوي": هناك تطور كبير في استخدام تلك التقنيات لرصد الألغام، وخاصةً في مجالات التصوير الجوي والذكاء الاصطناعي والمرئيات الفضائية، لكن التغيرات الجوية قد تجعل حقول الألغام مبعثرة، ما يستوجب استخدام مرئيات فضائية ذات دقة مكانية عالية جدًّا، وهي مرئيات ذات تكلفة عالية، وتتطلب تعاونًا دوليًّا بين الدول المتقدمة والدول النامية التي تعاني من الألغام.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.112
تواصل معنا: