مخططات ثلاثية الأبعاد للخلايا السرطانية تكشف خبايا الأورام
10 November 2024
نشرت بتاريخ 1 أبريل 2024
يُمكن للغرسات الدماغية وغيرها من التقنيات التي تفك شفرات النشاط العصبي أن تعيد القدرة على الحركة والنطق لفاقدي هذه القدرة، كما قد تتيح للباحثين مفاتيح لفهم آليات عمل الدماغ البشري.
تعلَّم المصابون بالشلل تحريك الأذرع الاصطناعية والتحكم في أفاتار ناطق والكتابة الحاسوبية باستخدام أجهزة تُعرف بواجهات التفاعُل الدماغي الحاسوبي (BCI)، وهي غرسات دماغية تدار ويجري التحكم فيها بمجرد التفكير.
وترصد هذه الأجهزة النشاط العصبي باستخدام عدد يتراوح من عشرات إلى مئات الأقطاب الكهربية المدمجة في الدماغ. ويعمل نظام لفك شفرات هذا النشاط على تحليل الإشارات الدماغية وترجمتها إلى أوامر.
ورغم أن المحرك الرئيس لاستخدام هذه التقنيات يتمثل في هدف بعينه، ألا وهو استعادة الوظائف الحيوية التي يفقدها المصابون بالشلل، تُعد هذه التقنية أيضًا أداة فريدة تمكن الباحثين من استكشاف الآليات المنظِّمة لعمل الدماغ، وتتفوق في دقتها على غالبية التقنيات الأخرى.
وقد وجد العلماء في هذه التقنيات فرصة سانحة لاستقاء دروس مهمة عن الدماغ. إذ أخذت نتائج مثل هذه البحوث في دحض افتراضات عن تشريح الدماغ البشري، لتسفر على سبيل المثال عن أن حدود مناطق الدماغ ووظائفها أكثر إبهامًا بكثير مما اعتُقد سابقًا. كذلك تساعد هذه الدراسات الباحثين على استكشاف أثر واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي في الدماغ، لمعرفة كيفية تحسين أداء هذه الواجهات، الأمر الذي يُعد ضروريًا.
تعقيبًا على ذلك، يقول فرانك ويليت، اختصاصي علم الأعصاب من جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وهو يجري أبحاثًا تستخدم واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي لاستعادة القدرة على الكلام: "واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي في البشر منحتنا الفرصة لتسجيل النشاط العصبي لخلايا مفردة في العديد من مناطق الدماغ، على نحو لم يسنح حقيقةً لأحد من قبل".
كذلك تسمح هذه الأجهزة بأخذ قياسات لنشاط الدماغ لآماد أطول مما تسمح به الأجهزة التقليدية، بحسب ما يفيد إدوارد تشانج، اختصاصي جراحة الأعصاب من جامعة كاليفورنيا في ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية، والذي يضيف: "واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي ترفع سقف الإمكانات بقدرتها على تسجيل النشاط العصبي، ليس فقط لأيام وأسابيع، بل لأشهر وسنوات على مرة واحدة، ما يفتح الباب أمام دراسة جوانب كالتعلم، ومرونة التشابكات العصبية، فضلًا عن تعلُم مهام تتطلب وقتًا أكبر كثيرًا لفهم كيفية أدائها".
تاريخ مسجل
قبل 100 عام، حظت فكرة إمكان تسجيل النشاط الكهربي بالدماغ البشري بأول داعم لها. فآنذاك، عمد اختصاصي الطب النفسي الألماني هانز بيرجر إلى تثبيت أقطاب كهربية بفروة رأس صبي في السابعة عشرة من العمر، تركت جراحة لاستئصال ورم دماغي فجوة في جمجمته. وعندما سجل بيرجر النشاط الدماغي فوق هذه الفجوة، خرج بالملاحظات الأولى عن ذبذبة كهربية الدماغ وأعطاها اسمًا هو مخطط كهربية الدماغ (EEG).
وسرعان ما تنبه الباحثون إلى أن هذا التسجيل للنشاط الكهربي من داخل الدماغ قد يعود بمنافع أكبر. من هنا، استخدم بيرجر وغيره من الباحثين الجراحة لتثبيت أقطاب كهربية على سطح منطقة قشرة الدماغ لدراسة الدماغ وتشخيص الإصابة بالصرع. وإلى اليوم، لا يزال تسجيل النشاط العصبي لغرسات الأقطاب الكهربية في الدماغ من التقنيات القياسية لتحديد مناطق الدماغ التي تنطلق منها نوبات الصرع، بحيث يمكن علاج هذه الحالات جراحيًا.
بعد ذلك، في السبعينيات من القرن الماضي، بدأ باحثون في استخدام الإشارات المُسجلة في مناطق أعمق من الدماغ لدى الحيوانات للتحكم في أجهزة خارجية، لتخرج إلى النور الغرسات الدماغية الأولى من واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي.
ففي عام 2004، أصبح مات ناجِل الذي أُصيب بالشلل من جراء إصابة في الحبل الشوكي، أول من يخضع لجراحة جائرة لاستزراع نظام واجهة تفاعل دماغي حاسوبي طويل الأمد، يستخدم أقطابًا كهربية لتسجيل النشاط الدماغي من خلايا مفردة في منطقة القشرة الدماغية الحركية الأساسية1. وبفضل هذه الجراحة، أمكن لناجل استخدام هذا النظام لفتح وغلق يد اصطناعية وأداء مهام بسيطة بذراع روبوتية.
كذلك استخدم باحثون قراءات لمخطط كهربية الدماغ، جُمعت باستخدام أقطاب كهربية تُثبت دون جراحة جائرة على فروة الرأس البشرية، لتوصيل إشارات إلى واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي. وقد سمحت هذه الإشارات لأشخاص مصابين بالشلل بالتحكم في الكراسي المدولبة والأذرع الاصطناعية وأجهزة الألعاب، غير أن إشاراتها كانت أضعف وبياناتها كانت أقل موثوقية من الغرسات الجائرة.
وحتى يومنا هذا، خضع حوالي 50 شخصًا لجراحات زراعة غرسات واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي وقد شهد هذا المجال مزيدًا من التقدم مدفوعًا بالتطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي وأجهزة فك الشفرات.
على سبيل المثال، بدأت مصفوفات الأقطاب الكهربية تزداد تعقيدًا؛ فصارت أقطابها التي لا يزيد سمكها عن سمك شعرة بشرية تضم قرابة ألف مستشعر وقادرة على رصد الإشارات الكهربية الواردة من الخلايا العصبية المفردة. كذلك يستخدِم اليوم عدد من البحوث الأساسية في هذا المجال تقنية تُعرف باسم البكسلات العصبية، لم تدخل بعد في تصميم واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي، وإن كانت أبحاثها قد انطلقت على الحيوانات قبل سبع أعوام، وشهدت الأشهر الثلاثة الماضية نشر ورقتين بحثيتين عنها للبرهنة على فائدتها في حل ألغاز على شاكلة: كيف ينتج الدماغ حروف العلة ويفهمها في الخطاب 3،2. وهي ألغاز لا نجد الإجابة عنها سوى لدى البشر.
كذلك بدأت تجارة هذه الواجهات تزدهر. على سبيل المثال، نجحت شركة «نيورالينك» Neuralink التي أسسها رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك في زراعة غرسة فريدة من واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي للمرة الأولى في شخص. وقد نجحت هذه الواجهة شأنها شأن واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي الأخرى في تسجيل نشاط خلايا عصبية مفردة، لكنها بعكس الأجهزة الأخرى تمتعت باتصال لاسلكي بجهاز حاسوب.
ورغم أن المحرك الرئيس لهذه التطورات هو الفائدة الإكلينيكية، كشفت هذه الواجهات التي تُعد بمنزلة نافذة على آليات الدماغ دروسًا مفاجئة حول وظائفه خلال تلك المسيرة.
حدود مبهمة
كثيرًا ما تصف المراجع الطبية مناطق الدماغ على أنها ذات حيز أو حدود منفصلة عن بعضها البعض. غير أن تسجيلات واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي تشير إلى أن هذا الوصف لا يستقيم في جميع الأحوال.
على سبيل المثال، استخدم ويليت وفريقه البحثي غرسة واجهة تفاعل دماغي حاسوبي لاستحداث القدرة على النطق في مصاب بمرض عصبي يشل القدرة على الحركة (التصلب الضموري الجانبي). وتوقع الفريق أن تنتظم الخلايا العصبية في منطقة التلفيف أمام المركزي المسؤولة عن حركات معينة، في مجموعات متباينة، تتحدد تبعًا لعضلات الوجه التي تُولف الخلية على التحكم فيها، مثل الفك أو الحنجرة أو الشفتين، أو اللسان. بيد أنه عوضًا عن ذلك وجد الفريق البحثي أن الخلايا العصبية المولًّفة على التحكم في أهداف مختلفة قد وُجدت مختلطة معًا4. وهو ما يؤكده ويليت بقوله: "ضم التشريح بنى مختلفة اختلط بعضها ببعض بصورة كبيرة".
كذلك وجد الفريق البحثي أن باحة بروكا، وهي منطقة دماغية يعتقد العلماء أنها تلعب دورًا في استحداث الكلام والنطق حوت معلومات ضئيلة إلى حد لا يكاد يذكر عن الكلام أو حركة الوجه أو وحدات الصوت المعروفة باسم الفونيمات. وهو ما يوضحه ويليت بقوله: "يبدو من المفاجئ أن هذه المنطقة لا تلعب حقيقةً في حد ذاتها دورًا في الخطاب". وكانت نتائج دراسات سابقة استخدمت منهجيات مختلفة قد أشارت إلى الاختلافات الدقيقة في تلك المنطقة (انظر على سبيل المثال، المرجع رقم 5).
وفي ورقة بحثية نُشرت عام 2020 عن الحركة6، سجَّل ويليت وفريقه البحثي إشارات لدى شخصين يعانيان مستويات مختلفة من قصور الحركة، مع التركيز على منطقة في القشرة الأمامية الحركية مسؤولة عن حركة اليدين. ووجد الفريق البحثي لدى استخدام إحدى واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي أن تلك المنطقة تحوي شفرات عصبية تُرمِّز عمل الأطراف الأربعة جميعها، وليس اليدين فقط كما اعتُقد سابقًا. ويطعن هذا الاكتشاف في المفهوم الكلاسيكي القائل بأن مناطق الجسم ممثلة في القشرة الدماغية في خريطة طوبوغرافية، وهي نظرية ظلت راسخة في تعاليم الطب لقرابة 90 عامًا.
تعقيبًا على ذلك، يقول ويليت: "لن تكتشف هذا إلا إذا سنح لك تسجيل النشاط العصبي لخلايا مفردة بعينها لدى البشر، وهو ما يسنح نادرًا جدًا".
نِك رامزي، اختصاصي علم الأعصاب الإدراكي من مركز أوترِخت الطبي الجامعي في هولندا، خرج بملاحظات مماثلة عندما غرس فريقه البحثي إحدى واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي لدى امرأة في جزء من القشرة الدماغية الحركية يستجيب لحركة اليدين7، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة في أحد نصفي الكرة المخية عادة ما تتحكم في الحركة على الجانب المقابل من الجسم. بيد أنه عندما حاولت المرأة تحريك يدها اليمنى، التقطت الأقطاب المنغرسة في نصف الكرة المخية الأيسر إشارات لكلتا اليدين اليمنى واليسرى، وهو اكتشاف لم يكن متوقعًا، بحسب ما يفيد رامزي الذي أضاف: "نحاول اكتشاف ما إذا كان لهذا مدلول ذي أهمية فيما يتعلق بالحركة".
تتطلب الحركة الكثير من التنسيق، الذي يستلزم نشاطًا دماغيًا لإدارته برمته. فمد ذراع يؤثر، على سبيل المثال، في الاتزان، ويتعين عندئذ على الدماغ السيطرة على اختلاف الاتزان في الجسم كله، وهو ما قد يفسر توزع النشاط الدماغي على مناطق مختلفة، وهو ما يلفت رامزي إلى أهميته قائلًا: "يبشر هذا المبحث بالكثير من الإمكانات التي لم نفكر بها من قبل".
ويرى بعض العلماء أن هذه الحدود التشريحية المبهمة التي تفصل بين مناطق الدماغ ليست مفاجئة. فعلى حد تعبير لوكا تونين، وهو متخصص في هندسة المعلومات من جامعة بادوا في إيطاليا، إن فهمنا للدماغ قائم على قياسات لمتوسطات ترسم لنا صورة عامة عن آلية تنظيم هذا العضو المعقد، ولا شك أن هذه المتوسطات ينحرف عنها الأفراد على اختلافاتهم.
فيقول جوان ألفارو جاليجو، اختصاصي علم الأعصاب من كلية إمبريال كوليدج لندن: "تبدو أذهاننا مختلفة في تفاصيلها".
ويرى آخرون أن هذه النتائج التي أسفرت عنها دراسات لعدد ضئيل من الأشخاص ينبغي أن تُفسر بحذر. فيقول تشانج: "علينا أن ننظر بتحفظ إلى كل ما نتعلمه ونضعه في سياقه. فالقدرة على تسجيل نشاط خلايا عصبية بعينها لا تعني أننا نجمع أهم البيانات أو الحقيقة كاملة".
مرونة فكرية
مكَّنت تقنيات واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي الباحثين من اكتشاف أنماط للنشاط العصبي المتحكم في التفكير والتخيُل في الدماغ.
على سبيل المثال، يدرس كريستيان هيرف، اختصاصي علم الأعصاب الحاسوبي من جامعة ماستريخت في هولندا الآليات التي يعمل بها الدماغ على تشفير الخطاب المُتخيل. وقد نجح مع فريقه البحثي في ابتكار غرسة من واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي قادرة على فك شفرة الكلام آنيًا واستحداثه عندما يهمس مشاركون أو عندما يتخيلون الكلام دون أن ينبسوا ببنت شفة8. وقد وجد فريقه البحثي أن المشاركين في هذه الدراسات يشتركون في أنماط ومناطق الدماغ التي تشهد نشاطًا، وإن وجدت اختلافات بينهم.
وهو ما يعني، على حد تعبيره، أنه حتى في حال فقدان شخص للقدرة على النطق، يُمكنه تخيُل الكلام لتنشيط واجهة التفاعل الدماغي الحاسوبي. ويضيف هيرف: "هذا يزيد بصورة هائلة عدد من يمكنهم إكلينيكيًا استخدام واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي الخاصة بالنطق تلك".
إن احتفاظ أدمغة المصابين بالشلل بالبرامج الخلوية الخاصة بالنطق أو الحركة، حتى عندما تتوقف أجسادهم عن الاستجابة لهذه البرامج، يساعد الباحثين على استقاء استنتاجات عن مرونة الدماغ، أي عن مدى قدرته على تغيير شكل المسارات العصبية وأنماطها.
فمن المعروف أن قوة الوصلات بين الخلايا العصبية قد تتغير بفعل التلف الدماغي أو الصدمات أو المرض، ما يتسبب في تغيير هيئة الدوائر العصبية أو تكوين أنماط اتصالات عصبية جديدة. على سبيل المثال، تظهر الأبحاث التي أُجريت على الفئران المصابة بتلف الحبل الشوكي أن مناطق الدماغ التي كانت مسؤولة فيما مضى عن الأطراف المصابة حاليًا بالشلل يمكنها أن تبدأ في التحكم في مناطق مختلفة محتفظة بوظائفها من الجسم9.
غير أن دراسات واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي قد جعلت الصورة أكثر إرباكًا. على سبيل المثال، في دراسة، عمدت فيها جينيفر كولينجر، اختصاصية الهندسة العصبية من جامعة بيتسبرج في مدينة بنسلفانيا الأمريكية مع فريقها البحثي إلى زرع واجهة تفاعل دماغي حاسوبي داخل منطقة القشرة الدماغية لدى رجل في الثلاثينيات من العمر، كان قد تعرض لإصابة في الحبل الشوكي، أمكن للرجل تحريك رسغه ومرفقه ولكن ظل الشلل في أصابعه.
ولاحظ فريق كولينجر أن دماغ الرجل احتفظ بالخريطة الأصلية لليد10. فعندما حاول الرجل تحريك أصابعه، لاحظ الفريق نشاطًا في المنطقة الحركية المعنية باليد، رغم أن يد الرجل لم تتحرك.
تعقيبًا على ذلك، تقول كولينجر: "لاحظنا النسق المعتاد، وسواء كان هناك ما قد اختلف بأي شكل قبل الإصابة أو بعدها، فنحن نوعًا ما لا نستطيع الجزم به". غير أن هذا لا يعني أن الدماغ لا يتمتع بالمرونة، حسبما تنوه كولينجر. فبعض مناطق الدماغ أكثر مرونة في هذا الصدد من غيرها. وهي تضيف: "على سبيل المثال، يبدو أن مرونة التشابكات العصبية تكون محدودة بدرجة أكبر في مناطق القشرة الدماغية الحسية مقارنة بمناطق القشرة الدماغية الحركية".
وفي حالات التلف الدماغي، مثل حالات السكتة الدماغية، يمكن أن تُستخدم واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي مع غيرها من التدخلات العلاجية للمساعدة في تدريب منطقة جديدة من الدماغ على أن تحل محل المنطقة التي تعرضت للتلف. وفي هذه المواقف، "يجري الأشخاص المهام بالتحكم في مناطق من الدماغ لم تنشأ بالأساس لأداء هذه الوظائف"، بتعبير خوسيه ديل آر. ميلان، اختصاصي هندسة الأعصاب من جامعة تكساس في مدينة أوستن الأمريكية، وهو يدرس كيفية توظيف مرونة الوصلات العصبية المحفزة بواجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي في إعادة تأهيل المصابين بتلف دماغي.
وقد درب مع فريقه البحثي في تجربة إكلينيكية ضمت 14 مشاركًا مصابين بالسكتة الدماغية المزمنة - وهي حالة طويلة الأمد تبدأ بعد 6 أشهر فأكثر من الإصابة بالسكتة الدماغية، وتتسم ببطء التعافي منها – على استخدام واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي غير الجائرة لستة أسابيع 11.
وفي مجموعة من المشاركين في هذه الدراسة، اتصلت واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي بجهاز يولد تيارات كهربية لتنشيط الخلايا العصبية في العضلات المصابة بالشلل، وهي تقنية علاجية تُعرف باسم التحفيز الكهربي الوظيفي (FES). وعندما فكت واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي شفرة محاولات المشاركين في التجربة لفتح أيديهم، حفزت حركة العضلات المتحكمة في انبساط الرسغ والأصابع. أما المشاركون في مجموعة المقارنة بالتجربة، فقد ثُبتت لديهم المعدات نفسها، لكنهم تلقوا تحفيزًا كهربيًا عشوائيًا.
وباستخدام مخطط كهربية الدماغ، وجد ميلان أن المشاركين في فريقه البحثي ممن خضعوا للتحفيز الكهربي الوظيفي الموجَّه بواجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي، اتسمت الوصلات العصبية لديهم في المناطق المسؤولة عن الحركة بقوة ترابط أكبر في نصف الكرة المخية الذي تعرض للتلف، مقارنة بنظرائهم في مجموعة المقارنة. وبمرور الوقت، أصبح المشاركون الذين تعرضوا للتحفيز الكهربي الوظيفي الموجه بواجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي قادرين على بسط أيديهم، واستمر تعافيهم لفترة تراوحت ما بين 6 شهور إلى 12 شهرًا بعد انتهاء علاج إعادة التأهيل ذاك.
تأثير واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي
ساعدت واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي في دراسة ميلان على إعادة تأهيل مناطق من الدماغ. وهذه الحلقة من التفاعلات البشرية الحاسوبية تُعد عنصرًا أساسيًا في واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي، يمكن أن يتيح تحكمًا مباشرًا في نشاط الدماغ. إذ يمكن للمشاركين في التجربة تعلُم ضبط تركيزهم الذهني لتعزيز دقة مخرجات واجهة فك شفرات الدماغ هذه آنيًا.
وفي الوقت الذي تركز فيه غالبية الأبحاث على وصول واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي إلى أمثل كفاءة لها وتحسين قدرتها على فك شفرات الدماغ، "لم يُول إلا القليل من الاهتمام للآليات التي تكون قيد الحدوث في الدماغ عند استخدام هذه الواجهات"، بحسب ما تفيد سيلفيا مارتشيسوتي، اختصاصية هندسة الأعصاب من جامعة جنيفا في سويسرا.
وتدرس مارتشيسوتي التغيرات التي تطرأ على الدماغ لدى استخدام واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي لاستحداث الخطاب اللغوي، لا بفحص مناطق الدماغ التي تُثبت بها هذه الواجهات فحسب، بل بتأمل نطاق أوسع من المناطق. وقد وجد فريقها أنه عندما دُرب 15 مشاركًا من الأصحاء على التحكم في واجهة تفاعل دماغي مثبتة بجراحة غير جائرة على مدى 5 أيام، تزايدت نطاقات التردد الدالة على النشاط العصبي في كامل الدماغ، وهي نطاقات يُعرف عنها أنها ضرورية لاستحداث الخطاب اللغوي، وقد أضحت أكثر كثافة بمرور الوقت 12.
ولعل أحد التفسيرات المحتملة لذلك هو أن الدماغ يغدو أكثر كفاءة في التحكم في هذه الواجهات، ويتطلب عددًا أقل من الموارد العصبية لأداء المهام، بحسب ما أفادت مارتشيسوتي.
من هنا، تُعد دراسة سلوك الدماغ من خلال استخدام واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي مبحثًا ناشئًا. ويأمل الباحثون أن يعود بالنفع على مستخدمي أنظمة الواجهات وأن يعزز أداءها. على سبيل المثال، يسمح تسجيل النشاط العصبي على مستوى الدماغ بأسره برصد ما إذا كانت هناك حاجة لأقطاب كهربية في مواقع جديدة لفك الشفرات بهدف تعزيز دقة الواجهات.
ومن شأن معرفة المزيد عن آليات تنظيم عمل الدماغ أن تساعد في تصميم أجهزة أفضل لفك شفرات الدماغ والحيلولة دون ارتكاب هذه الأجهزة لأخطاء. على سبيل المثال، أظهرت مسودة بحثية نُشرها رامزي وفريقه البحثي الشهر الماضي 13، أن واجهات فك شفرات الخطاب السالف ذكرها يمكن أن تخلط بين الكلام الصادر عن المستخدم والكلام الذي يستمع إليه. إذ عمد الفريق البحثي إلى غرس واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي في منطقة القشرة الدماغية الحركية الحسية البطنية – وهي منطقة يشيع استهدافها لفك شفرات الخطاب – لدى خمسة أشخاص يخضعون لجراحات لعلاج الصرع. وتبين أن أنماط النشاط العصبي المرصودة لدى المشاركين عند قولهم مجموعة من العبارات وثيقة الشبه بتلك الملاحظة عند سماعهم لتسجيل للعبارات نفسها. ويوعز هذا بأن أجهزة فك الشفرات قد تعجز عن التمييز بين الكلام المنطوق والمسموع عند محاولة استحداث الخطاب.
ويبقى نطاق أبحاث واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي في صورته الحالية محدودًا. إذ لا يلتحق بالتجارب في هذا المبحث إلا عدد محدود للغاية من المشاركين، ويركز بصورة أساسية على مناطق الدماغ التي تلعب دورًا في الوظائف الحركية.
في هذا الصدد، يقول هيرف: "إن عدد الباحثين الذين يتناولون بالدراسة واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي يربو بعشر أضعاف على الأقل على عدد المرضى الذين يستخدمونها".
ومع أن الباحثين يولون أهمية كبيرة للفرص النادرة التي تسنح لتسجيل النشاط العصبي مباشرة من الخلايا العصبية، يبقى الدافع المحرك لهم هو الحاجة إلى إعادة الوظائف الطبيعية لفاقديها من المصابين بالشلل، وتلبية الاحتياجات الطبية، ما تنوه له كولينجر قائلة: "هذا ضرب من الجراحات العصبية، وينبغي ألا يُستهان به".
أما تشانج، فيرى أن هذا المبحث بطبيعة الحال يمزج بين الاستكشاف والتطبيقات الإكلينيكية. فيقول: "يصعب لي تخيل ما ستؤول إليه أبحاثنا إن اكتفينا بالاكتشافات البسيطة أو بأبحاث واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي وحدها. إذ يبدو لي أن كلا النهجين ضروري لدفع عجلة الأبحاث في هذا المضمار".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.103
References
1. Hochberg, L. R. et al. Nature 442, 164–171 (2006).
2. Leonard, M. K. et al. Nature 626, 593–602 (2024).
3. Khanna, A. R. et al. Nature 626, 603–610 (2024).
4. Willett, F. R. et al. Nature 620, 1031–1036 (2023).
5. Tate, M. C. et al. Brain 137, 2773–2782 (2014).
6. Willett, F. R. et al. Cell 181, 396–409 (2020).
7. Vansteensel, M. J. et al. N. Engl. J. Med. 375, 2060–2066 (2016).
8. Angrick, M. et al. Commun. Biol. 4, 1055 (2021).
9. Ghosh, A. et al. Nature Neurosci. 13, 97–104 (2010).
10. Ting, J. E. et al. J. Neurophysiol. 126, 2104–2118 (2021).
11. Biasiucci, A. et al. Nature Commun. 9, 2421 (2018).
12. Bhadra, K., Giraud, A. L. & Marchesotti, S. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2023.09.11.557181 (2023).
13. Schippers, A., Vansteensel, M. J., Freudenburg, Z. V. & Ramsey, N. F. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2024.01.21.23300437 (2024).
تواصل معنا: