أخبار

Read this in English

كيف استطاعت الثعالب الأوراسية أن تتكيف مع قيظ الصحراء الكبرى؟

نشرت بتاريخ 10 يوليو 2023

السرُّ يكمُن في تزاوُجها مع الثعالب المحلية، وهذا التزاوج بين الأنواع هو ما شكَّل جينومات الثعالب وساعدها على أن تنمو وتتكاثر وسط ظروف بيئية قاسية.

تكيف ثعلب «روبيل» (Vulpes
rueppellii)
مع شكل الحياة في الصحراء الكبرى رغم ندرة المياه بها.

تكيف ثعلب «روبيل» (Vulpes rueppellii) مع شكل الحياة في الصحراء الكبرى رغم ندرة المياه بها.



Mónia Nakamura

Enlarge image
ساهمت التبادلات الجينية بين أنواع شتى من الثعالب التي تسكن الصحراء الكبرى الإفريقية في تكيف هذه الكائنات مع حرارة الصحراء اللافحة.

فقد تمكن فريق دولي من تعيين تسلسل جينومات 82 ثعلبًا، من بينها الثعالب الحمراء واسعة الانتشار، بالإضافة إلى ثلاثة أنواع أخرى من الثعالب التي تستوطن الصحراء الكبرى، وهي الثعالب التي يُطلَق عليها «روبيل» و«الفنك» والثعالب الشاحبة، سعيًا لكشف أسرار العمليات التطورية والتغييرات الجينومية التي تقف وراء تكيف تلك الثعالب مع البيئات الصحراوية.

أظهرت النتائج التي توصل إليها الفريق البحثي أن أسلاف الثعالب الحمراء هجرت العشائر الأوراسية التي تنتمي إليها، وارتحلت إلى شمال إفريقيا في أثناء الحقبة الرطبة التي سادت الصحراء الكبرى قبل قرابة 78 ألف عام؛ ونزلت بمناطق لم تكن صالحةً للعيش قبلًا، وتزاوجت هنالك مع ثعالب «روبيل» المتكيفة مع أجواء الصحراء، والتي كانت آنذاك تقطن الصحراء الكبرى منذ ما لا يقل عن 400 ألف سنة.

ووجد الفريق أن حجم المادة الجينية المشتركة بين الثعالب الحمراء التي تسكن شمال إفريقيا وثعالب «روبيل» كان كبيرًا بالمقارنة بالثعالب الحمراء الأوراسية، كما أن حجم المادة الجينية المشتركة بين ثعالب «روبيل» وثعالب «الفنك» كان كبيرًا أيضًا. واكتشف الفريق، على وجه التحديد، منطقةً جينوميةً طويلةً تمتد لأكثر من 25 مليون زوج قاعدي تتشاركها ثعالب «روبيل» وثعالب «الفنك»؛ غير أن هذه المنطقة لم تكن موجودةً في الثعالب الحمراء، على الرغم من كونها وثيقة القرابة – من الناحية التطورية – بثعالب «روبيل». وتقول جوانا إل روتشا، الباحثة بجامعة كاليفورنيا بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي شاركت بهذه الدراسة ضمن مشروعها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة بورتو في البرتغال: "صحيحٌ أن النتائج أثارت دهشتنا، إلا أن فكرة التباين الجينومي المشترك لدى الأسلاف الذي يستمر وينتقل عبر الأنواع خلال عمليات نشوء الأنواع وتطورها، على مدى فترات قد تصل أحيانًا إلى 16 مليون سنة، هي فكرةٌ ثابتة علميًّا، ويتنامى عدد الأبحاث التي تُظهر أن هذه الظاهرة تضرب بجذورها عميقًا في الطبيعة".

وهذه المنطقة الجينومية الطويلة المشتركة بين ثعالب «روبيل» وثعالب «الفنك» تحوي جينات مرتبطة بالقدرة على التكيف مع البيئات القاحلة. فقد وجد الباحثون، على سبيل المثال، جينًا يؤثر في هرمون الفازوبريسين، ويسهم في إكساب هذه الحيوانات القدرة على تركيز بولها وتقليل كميته؛ وهو ما يفسر ما لوحظ من أن بول ثعالب «روبيل» أشد تركيزًا مقارنةً ببول الثعالب الحمراء من شمال إفريقيا وأوراسيا.

وأظهر التحليل الجينومي أيضًا أن الثعالب التي تقطن الصحاري تمتاز بسماتٍ فريدةٍ مرتبطةٍ بالقدرة على تحمل الحر الشديد، والتمثيل الغذائي لهرمون الغدة الدرقية، والقدرة على الاحتفاظ بالماء، ولون الفراء. فالتعبير عن جين SLC12A2، الذي يسهم بشكل فعال في تنظيم توازن الأيونات، مثلًا، يقل بشكلٍ ملحوظٍ في ثعالب «روبيل» والثعالب الحمراء في شمال إفريقيا، مقارنةً بالثعالب الحمراء الأوراسية؛ وهو ما يؤدي لخفض كمية المياه التي تفقدها هذه الثعالب عن طريق اللهاث.

ويعقِّب علي بسيوني، الباحث بجامعة الأزهر في مصر، والذي لم يشارك في هذه الدراسة، قائلًا: "أظهرت الدراسة كيف تمكنت الأنواع التي انتقلت إلى الصحراء من التكيف مع الظروف القاحلة عن طريق الانتخاب الطبيعي، وهي ظاهرة مهمة ينبغي تناولها بالبحث والدراسة في ضوء ارتفاع معدلات التصحر جراء التغيرات المناخية المتسارعة".

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.98