أخبار
Commentary

«تلسكوب جيمس ويب الفلكي»: نافذة على عالم ما بعد المجموعة الشمسية

نشرت بتاريخ 16 مايو 2023

في إنجاز غير مسبوق، تسنح لعلماء فلك إطلالة فريدة على كوكب بعيد، لتتكشف مفاتيح عن آلية تَكوُّنه. ويوضح الفريق البحثي وراء السبق لِم يُعد هذا انتصارًا لأبحاث كيمياء الغلاف الجوي، ويحتفي بالتقنيات التي جعلت هذا الحدث ممكنًا.

يوليا في. زايدل، لويز دي. نيلسن، سُبهاجيت ساركار

نبذة عن الأبحاث في هذا التقرير الإخباري:

·        انطلق «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» (JWST) في مهمته في ديسمبر من عام 2021، وهو يدور حاليًا حول الشمس على بعد 1.5 مليون كيلومتر تقريبًا.

·        أكدت أولى بيانات التلسكوب التي نُشرت العام الماضي أن هذا المدار يُعد أمثل موقع للإطلال على كواكب عالم ما بعد المجموعة الشمسية ودراسته، أي على العوالم القاصية التي تدور حول نجوم أخرى غير الشمس.

·        تقدم خمس تحليلات في أوراق بحثية نشرت في دورية Nature توصيفًا لكيمياء الغلاف الجوي للكوكب ««WASP-39b، وهو كوكب حار المناخ خارج المجموعة الشمسية تقارب كتلته كتلة زحل.

·        وتحسم هذه الدراسات إجابة التساؤلات القائمة بخصوص الغلاف الجوي لهذا الكوكب، كما تُظهر دقة التلسكوب وتعدد مجالات استخدامه.

يوليا في. زايدِل ولويز دي. نيلسن

رحلة لسبر عوالم نائية: تركيبها وأصولها

في أبحاث نُشرت مؤخرًا في دورية Nature، استخدمت الفرق البحثية لكل من زافار روستامكولوف1، والباحثة ليلي ألدرسون2، والباحثة أدينا فاينشتاين3، والباحثة إيفي أهرير5،4 ثلاث أدوات مختلفة على متن «تلسكوب جيمس ويب الفلكي»، لكل منها مزاياه ومواطن قصوره، ليخرجوا في نهاية المطاف رغم ذلك بنتائج تكمل إلى حد كبير بعضها البعض (الشكل 1). وفي تلك الأبحاث الاستقصائية الخمسة جميعها، وَجدت الفرق البحثية أن العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم تربو وفرتها في الغلاف الجوي للكوكب عنها في الشمس. أما نسبة الكربون إلى الأكسجين على الكوكب، فهي أقل منها على الشمس ومضاهية لها في زحل. وتعطينا هذه النتائج معلومات بالغة الأهمية عن نشأة الكوكب وعن التركيب الأساسي لغلافه الجوي، وأيضًا عن إمكانية قيام حياة عليه.

إذ تجدر الإشارة إلى أن نسبة الكربون إلى الأكسجين في الغلاف الجوي للكواكب خارج المجموعة الشمسية، تُعد علامة كاشفة، تدل على المكان الذي تَكوّن فيه الكوكب6. وهي ذات فائدة بالأخص في حال الكواكب العملاقة القريبة من النجم المضيف لها. فمنذ أن اكتُشِف أول كواكب عالم ما بعد المجموعة الشمسية، ظلت آلية تَكوّن هذه الكواكب سؤالًا لم نجد جوابًا له. وتدل القيمة التي دلت عليها قياسات هذه النسبة في الغلاف الجوي لكوكب « «WASP-39bعلى أنه ربما قد تَكوّن في نقطة أبعد من خط الصقيع في نظامه الكوكبي (أي في نطاق المسافة الفاصلة عن النجم المضيف التي تَكوْن الحرارة عندها منخفضةً بما يكفي لتتكثف مركبات متنوعة مثل الماء وثاني أكسيد الكربون، وتتحول إلى جليد صلب). ويمكن عند نقطة كتلك أن يكون الكوكب قد نشأ بمراكمة ما وجده التلسكوب من مركبات صلبة غنية بالأكسجين، ليرتحل بعد ذلك نحو النجم ويستقر في موقعه الحالي.كذلك تُعد نسبة الكبريت إلى الأكسجين لغزًا آخر من ألغاز نشأة الكواكب. غير أن عنصر الكبريت في الأغلفة الجوية للكواكب خارج المجموعة الشمسية يُعد لغزًا مثيرًا للاهتمام لسبب آخر، ألا وهو أن ثاني أكسيد الكبريت يشبه إلى حد كبير طبقة الأوزون التي تحمي الأرض في غلافها الجوي. إذ يَنتج في أثناء التفاعلات الكيميائية التي تُطلقها الإشعاعات فوق البنفسجية الواردة من النجوم المضيفة لهذه الكواكب7. وقد رصد الفريق البحثي لكل من الباحث زافار روستامكولوف وليلي ألدرسون ثاني أكسيد كبريت في الغلاف الجوي لكوكب ««WASP-39، فيما يُعد أول دليلٍ مباشر على حدوث تفاعلات مستحثة بالضوء (تفاعلات كيميائية ضوئية) في الغلاف الجوي لأحد الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية، وهي نقطة مهمة على طريق البحث عن كوكب يصلح بحقٍ للعيش.

لكن لا يزال أمامنا أن نقطع شوطًا طويلًا كي نتقصى مدى صلاحية هذا الكوكب للعيش. ورغم ذلك، فإن هذا الاكتشاف يمثل خطوة نحو فهم الآلية التي تحمي بها خصائص التفاعلات الكيميائية الضوئية أسطح الكواكب خارج المجموعة الشمسية من الإشعاعات عالية الطاقة. كما أنه يضيق نطاق المعايير التي تعتمد عليها نماذج تكوّن الكواكب. وكلا الإنجازين بمثابة خطوة تمهد الطريق أمام عمليات رصد الكواكب المشابهة للأرض مستقبلًا.

ويدخل في إطار هذه الجهود البحثية وضع توصيف للغلاف الجوي لهذا الكوكب الواقع خارج المجموعة الشمسية. فعَبْر دراسة وفرة العناصر الكيميائية المقاسة في غلافه الجوي بالرجوع إلى عدة نماذج لغيومه، استطاعت أدينا فاينشتاين وفريقها البحثي أن تجزم بأن الغيوم به مشتتة على امتداد خط الغَلَس (الخط الفاصل بين جزئي الليل والنهار على الكوكب). وقد ربط العلماء في السابق هذا النسق من بنية الغيوم بمناخ عدد من الكواكب الحارة الأخرى التي تقع خارج المجموعة الشمسية وتقارب كتلتها كتلة المشتري8.

ويمكن لمزيد من التحليلات لبيانات «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» أن تكشف مزيدًا من المعلومات عن موقع تكوّن الكوكب « «WASP-39bوتركيب الغيوم فيه، وخصائص التفاعلات الكيميائية الضوئية به. ويُتوقع أن تمكننا عمليات الرصد عالية الاستبانة من الأرض من إجراء عمليات بالغة الأهمية لحصر العناصر الكيميائية في الغلاف الجوي للكوكب، مثل محتوى هذا الغلاف من الصوديوم والبوتاسيوم، فضلًا عن عمليات بالأهمية نفسها لحصر الديناميكيات المرتبطة بهذين العنصرين الكيميائيَّين. ولا شك أن التصميمات الجارية حاليًا لعدد من التلسكوبات فائقة الضخامة على الأرض يُعد واعدًا لفهم طبيعة الأغلفة الجوية للكواكب الأخرى، فحينها يمكن أن نجمع بين الدقة الفريدة التي تميز «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» وقدرته على التصوير والرصد باستبانة طيفية ومكانية كبيرة، يمكن أن نحصل عليها من الأرض.

بيانات فريدة من تلسكوب خارق

سُبهاجيت ساركار

إن كيمياء الغلاف الجوي للكوكب تتكشف لنا من "طيف نفاذية الضوء"، الذي يعبّر عن مدى قدرة الضوء عند أطوال موجية مختلفة على تخلل الغاز المحيط بكوكب خارجي. ويمكننا عادة قياس هذه القدرة باستخدام تقنية تسمى «القياس الطيفي لنفاذية الضوء»، وهي مقاربة تقوم على رصد التغيرات في شدة ضوء النجوم بالاحتكام إلى أطوال موجية مختلفة أثناء مرور الكوكب أمام نجمه. وصحيح أن هذه الطريقة قد سبق استخدامها لدراسة الغلاف الجوي للكوكب «WASP-39b» (انظر المرجع 9)، إلا أن الأوراق البحثية التي يتناولها هذا التقرير الإخباري تُظهر الدقة والجودة اللافتتين اللتين تتسم بهما البيانات التي نحصل عليها من «تلسكوب جيمس ويب الفلكي». وهو ما يَكشف الدور الهائل الذي يمكن أن يلعبه التلسكوب، ويبرز لنا التحديات التي نحن بصددها.

وتجدر الإشارة إلى أن الأطوال الموجية التي ترصدها الأدوات الثلاث التي استخدمتها الفرق البحثية في هذه الدراسات تقع ضمن نطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة، وهو نطاق يَكوْن من المتوقع أن نكتشف فيه السمات الطيفية لأهم الجزيئات في الغلاف الجوي التي يخبرنا عنها الباحثون. وهذه الأدوات الثلاث جرت مهايأتها على نحو يتيح رصد نطاقات مختلفة من الأطوال الموجية، وبحيث تتمتع بقدرات تحليل طيفي متعددة. وقد استخدمت الفرق البحثية لكل من زافار روستامكولوف وليلي ألدرسون وإيفي أهرير4 مهايأتين مختلفتين لأداة تسمى «جهاز القياس الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة»، في حين أن فاينشتاين وفريقها البحثي استعملوا «جهاز تصوير الأشعة تحت الحمراء القريبة والقياس الطيفي عديم الشق». واستخدمت أهرير وفريقها البحثي5 كذلك جهازًا يطلق عليه «كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة»، وبهذا تكون هذه الفرق البحثية مجتمعةً قد رصدت أطوالًا موجية للضوء تتراوح بين 0.5 و5.5 ميكرومتر (الشكل 1).


الشكل 1| كيمياء الغلاف الجوي للكوكب النائي  «WASP-39b»

الرسم مقتبس بتصرف من شكل توضيحي على الرابط go.nature.com/3ddesjg
Enlarge image

تطلِعنا خمس أوراق بحثية على نتائج تحليلات استعملت «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» من أجل الاستدلال على التركيب الكيميائي للغلاف الجوي للكوكب النائي «WASP-39b» . وقد رسمت هذه التحليلات خريطة لنفاذية الضوء في الغلاف الجوي للكوكب، وهو قياس يعبّر عن مدى قدرة الضوء عند أطوال موجية مختلفة على تخلل الغلاف الجوي للكوكب. وقد تناول واضعو كل دراسة نطاق طول موجي معيّن بالبحث باستخدام أحد ثلاث أدوات (أو مهايئات). فاستخدم الفريق البحثي لكل من زافار روستامكولوف1، وليلي ألدرسون2، وإيفي أهرير4 «جهاز القياس الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة». أما فاينشتاين وفريقها البحثي3، فقد استخدموا «جهاز تصوير الأشعة تحت الحمراء القريبة والقياس الطيفي عديم الشق» في حين استخدمت إيفي أهرير وفريقها5 «كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة». وكشفت هذه الدراسة عن وجود آثار لماء، وغاز ثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، والصوديوم والبوتاسيوم. كما وقفت على خواص غيوم الكوكب، واكتشفت أدلة على وجود ثاني أكسيد الكبريت بغلافه الجوي. ولهذه الاكتشافات أهمية بالغة لفهم ديناميكيات الغلاف الجوي للكوكب «WASP-39b»، ولمكان وآلية تكوّنه.


وقد أتاح تناوُل الدراسات لهذا النطاق الشاسع من الأطوال الموجية تحقيق هذه النتائج العلمية المذهلة التي حصلنا عليها من «تلسكوب جيمس ويب الفلكي»، وهو نطاق أطوال موجية أكبر كثيرًا من ذاك الذي تناوله بالدراسة «تلسكوب هابل الفضائي»، والذي كنا قد جمعنا من خلاله سابقًا9 بيانات حول عدد من الأطياف الضوئية المنبعثة من كوكب «WASP-39b». كما أن الاستبانة الطيفية التي يتمتع بها «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» تتفوق في دقتها على سابقه، «تلسكوب هابل الفضائي». وعلاوة على ذلك، فإن قطر المرآة الرئيسية لـ«تلسكوب جيمس ويب الفلكي» يربو على قطر مرآة تلسكوب «هابل»، إذ يبلغ 6.5 مترًا، في حين يبلغ قطر مرآة «تلسكوب هابل الفضائي» 2.4 مترًا (لمزيد من التفاصيل طالع go.nature.com/3jhjfzu)، وهذه القطر الأكبر يقلل التشويش أو ضجيج الخلفية، وهو ما يكسب أدوات التلسكوب دقتها الرائعة هذه.

وقد وضع العلماء منذ زمن بعيد نماذج للأغلفة الجوية في كواكب عالم ما بعد المجموعة الشمسية لتحليل الأطياف الضوئية في هذه الأغلفة10، لكن في ظل عدم وجود بيانات تتسم بالدقة الكافية لتنقيح تلك النماذج وحصر احتمالاتها، يمكن الخروج بتحليلات متباينة لهذه الأطياف. لذا، فإن الجودة الرفيعة للبيانات بهذه الدراسات تُعد جوهرية للوقوف بدقة على كل خصائص كوكب «WASP-39b»، بدءًا من كيف تَكوّن هذا الكوكب، وحتى سلوك الغيوم فيه.

وقد استخدم الفريق البحثي عدة خوارزميات تحليل بيانات مع كل أداة لتخطي الصعاب التي تعترض الوصول بالبيانات غير المعالجة حول الأطياف الضوئية في غلاف الكوكب إلى التحليل النهائي لها. وصحيح أن هذه الجهود قد خرجت بنتائج متقاربة إجمالًا، إلا أن الأساليب المختلفة التي اتُبعت تظهر عدم وجود اتفاقٍ عامٍّ بعد على الوسيلة المثلى لتحليل بيانات التلسكوب، ولا شك أنه لا زال أمامنا الكثير لنتعلمه. وقد بدأ الباحثون بالفعل في التصدي لبعض مما قد يترتب على ذلك من إشكاليات في إطار الدراسات الأولية سالفة الذكر، بالبحث، على سبيل المثال، عن أفضل طريقة لمعالجة البكسلات المُشبَّعة1 (والتي تعطي إشارات لا يمكن الاعتماد عليها) وعن الحلول التي يمكن اتخاذها حين تَميل أجزاء مرآة التلسكوب من تلقاء نفسها في أثناء عملية الرصد2؟

ويتوقع أن يتمكن الباحثون من ابتكار المزيد من الحلول حين يتحسّن فهمنا لأدوات التلسكوب مع مرور الوقت. غير أنه بالأخذ في الاعتبار أن هذا هو أول اختبار لأداء التلسكوب، فإن نتائج هذه الدراسات تبعث على الكثير من الحماس. كما أنها تشجع على إجراء أبحاث في مجالات أخرى إلى جانب دراسات الغلاف الجوي لكواكب عوالم ما بعد المجموعة الشمسية. وفوق كل شيء، تظهر النجاحات التي أحرزتها عمليات رصد الكوكب «WASP-39b» قدرة «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» على أن يتيح لنا بيانات تتسم بدقة مذهلة، وتمكننا من الوصول إلى فهم أفضل للمراحل الأولى من عمر الكون، ولتكوّن النجوم والمجرات. كما من شأنها أن تخدم مساعي البحث عن حياة خارج الأرض. والآن، لم يعد لدى العلماء شك في أن تلسكوب «جيمس ويب الفلكي»، سيفجر الثورة التي بشَّر بتحقيقها في علم الفلك وفي علوم كواكب ما بعد المجموعة الشمسية.

عن المؤلفين: 

تعمل يوليا في. زايدِل لدى المرصد الأوروبي الجنوبي بسانتياجو، كاسيللا 19001، سانتياجو، تشيلي

تعمل لويز دي. نيلسن لدى المرصد الأوروبي الجنوبي، 85748 جارشينج، ألمانيا

البريد الإلكتروني: jseidel@eso.org، louise.nielsen@eso.org

يعمل سُبهاجيت ساركار بكلية الفيزياء والفلك بجامعة كاردِيف، كاردِيف CF24 3AA، المملكة المتحدة.

البريد الإلكتروني: subhajit.sarkar@astro.cf.ac.uk

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.62


  1. Rustamkulov, Z. et al. Nature 614, 659–663 (2023).
  2. Alderson, L. et al. Nature 614, 664–669 (2023).
  3. Feinstein, A. D. et al. Nature 614, 670–675 (2023).
  4. JWST Transiting Exoplanet Community Early Release Science Team (Ahrer, E.-M. et al.) Nature 614, 649–652 (2022).
  5. Ahrer, E.-M. et al. Nature 614, 653–663 (2023).
  6. Öberg, K. I., Murray-Clay, R. & Bergin, E. A. Astrophys. J. 743, L16 (2011).
  7. Tsai, S.-M. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2211.10490 (2022).
  8. Parmentier, V., Fortney, J. J., Showman, A. P., Morley, C. & Marley, M. S. Astrophys. J. 828, 22 (2016).
  9. Wakeford, H. R. et al. Astron. J. 155, 29 (2018).
  10. Madhusudhan, N. Annu. Rev. Astron. Astrophys. 57, 617–663 (2019).