مقالات

نوبل الكيمياء عامَ 1946.. تبلوُرُ الإنزيماتِ والفيروسات

نشرت بتاريخ 7 يناير 2024

في العقودِ الأولى منَ القرنِ العشرين، ظهرَ التبلورُ كتقنيةٍ تحويليةٍ لكشفِ الطبيعةِ الكيميائيةِ للجزيئاتِ الصغيرةِ والبسيطة.

محمد منصور

للأستماع للحلقة أضغط على هذا الرابط

Enlarge image
والتبلورُ هوَ عمليةٌ طبيعيةٌ أوِ اصطناعيةٌ يتمُّ منْ خلالِها ترتيبُ الذراتِ أوِ الأيوناتِ أوِ الجزيئاتِ في نمطٍ متكررٍ مرتبٍ لتشكيلِ بنيةٍ صلبةٍ تسمى البلورة. كما أنَّها ظاهرةٌ فيزيائيةٌ تنتقلُ فيها الموادُّ منْ حالةٍ مضطربةٍ أوْ سائلةٍ إلى حالةٍ صلبةٍ منظمةٍ ومحددةٍ جيدًا.

 في عمليةِ التبلور، تتجمعُ الجسيماتُ المذابةُ (الذراتُ أوِ الأيوناتُ أوِ الجزيئاتُ) معًا وتشكلُ بنيةً شبكيةً صلبةً بترتيبٍ هندسيٍّ محدد. يحدثُ هذا عندَما يذوبُ المذابُ في مذيبٍ ويتمُّ التلاعُبُ بالظروفِ المحيطة، مثلَ درجةِ الحرارةِ والضغطِ والتركيز، لتعزيزِ تكوينِ البلورات.

 ويخضعُ تكوينُ البلوراتِ للخصائصِ والتفاعلاتِ المتأصلةِ للجسيماتِ المكونة. إذْ تحددُ قوى الجذبِ بينَ الجسيماتِ كيفيةَ تجميعِها وترتيبِها في الشبكةِ البلورية. عندما تتحدُ الجزيئاتُ الذائبةُ معًا، فإنها تتسقُ معَ نمطٍ متماثل، مما ينتجُ عنه بلورةٌ لها شكلٌ محددٌ جيدًا وبنيةٌ داخلية.

ومعَ ذلك، هناكَ سؤالٌ مثيرٌ للاهتمامِ يلوحُ في الأفق: هلْ يمكنُ توسيعُ عمليةِ التبلورِ لفهمِ التعقيداتِ الكيميائيةِ للعملياتِ الحيوية؟

في انتصارٍ هائل، تحدى ثلاثةُ علماءَ رائدينَ تلكَ المشكلةَ وتمكنُوا منَ التغلُّبِ على حاجزِ بلورةِ البروتينات؛ وهيَ الجزيئاتُ التي تُحددُ معظمَ العملياتِ الحيويةِ التي تحدثُ في أجسامِ الكائناتِ الحية. 

في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وعشرين، نجحَ "جيمس سومنر" في بلورةِ إنزيمٍ يُدعى اليورياز، لأولِ مرة، واضعًا حدًّا لنقاشٍ مثيرٍ للجدلِ بينَ علماءِ الأحياء. 

لسنواتٍ، درسَ الباحثونَ تأثيراتِ الإنزيماتِ دونَ معرفةِ أيِّ شيءٍ محددٍ حولَ ماهيتِها، بسببِ عدمِ إمكانيةِ عزلِها في الشكلِ النقي. 

والإنزيمُ هوَ نوعٌ منَ البروتينِ يعملُ كمحفزٍ بيولوجيٍّ في الكائناتِ الحية. تسرعُ الإنزيماتُ التفاعلاتِ الكيميائيةَ دونَ أنْ يتمَّ استهلاكُها في هذهِ العملية. وتؤدي دورًا مهمًّا في تسهيلِ التفاعلاتِ الكيميائيةِ الحيويةِ الضروريةِ للحياةِ عنْ طريقِ زيادةِ معدلِ حدوثِ هذهِ التفاعُلات.

على الرغمِ منْ أنَّ العديدَ منْ زملائِه أخبرُوه أنَّ عزلَ إنزيمٍ كانَ مهمةً حمقاء، أثبتَ "سومنر" أنَّه يمكنُ بلورةُ اليورياز، وأنَّه لا يزالُ بإمكانِه تنفيذُ تفاعُلِه التحفيزيِّ في الحالةِ البلورية.

 واليورياز urease هوَ إنزيمٌ يحفزُ التحللَ المائيَّ لليوريا إلى ثاني أكسيدِ الكربونِ والأمونيا. يوجدُ على نطاقٍ واسعٍ في الكائناتِ الحيةِ المختلفة، بما في ذلكَ البكتيريا والفطرياتُ والنباتات. يؤدي اليوريازُ دورًا مهمًّا في عمليةِ التمثيلِ الغذائيِّ للنيتروجينِ والتخلُّصِ منَ النفايات.

أظهرتْ الاختباراتُ أنَّ اليورياز هوَ أيضًا بروتين، مما يجعلُه أولَ بروتينٍ تتمُّ بلورتُه على الإطلاق.

تمَّ رفضُ النتائجِ التي توصلَ إليها سومنر في البداية. ومعَ ذلك، وبناءً على هذا العملِ الرائد، طورَ "جون نورثروب" تبلورَ الإنزيماتِ النقيةِ والبروتيناتِ الأخرى. وقتَها؛ اقتنعَ الباحثونَ بإمكانيةِ تنقيةِ الإنزيماتِ وعزلِها بكمياتٍ ملموسة.

أنشأَ "نورثروب" الظروفَ المُثلى لبلورةِ عددٍ منَ الإنزيماتِ الهضميةِ بنجاح، مثلَ البيبسين والتربسين. منْ خلالِ هذا، اكتشفَ نورثروب علاقاتٍ مثيرةً للاهتمامِ بينَ الإنزيماتِ والبروتيناتِ ذاتِ الصلة، ممَّا مهدَ الطريقَ لتطويرِ فهمٍ أفضلَ لكيفيةِ عملِ الإنزيمات.

مهدتْ عملياتُ تبلورِ الإنزيماتِ للعلماءِ الطريقَ للحصولِ على هياكلَ ثلاثيةِ الأبعادِ عاليةِ الدقةِ منَ الإنزيمات. توفرُ هذهِ الهياكلُ رؤىً قيمةً حولَ ترتيبِ الذراتِ داخلَ الإنزيمِ وموقعِها النشطِ والتفاعلاتِ معَ الركائزِ والعواملِ المساعدةِ والمثبطات. يساعدُ فهمُ البنيةِ التفصيليةِ للإنزيماتِ في توضيحِ آلياتِ عملِها وخصوصياتِها وتنظيمِها.

وعنْ طريقِ ذلكَ الاكتشاف؛ تمتْ دراسةُ الآلياتِ الجزيئيةِ الدقيقةِ الكامنةِ وراءَ التفاعُلاتِ المحفَّزةِ بالإنزيم. واكتسابُ فهمٍ أعمقَ لكيفيةِ تسهيلِ الإنزيماتِ للتحولاتِ الكيميائيةِ بكفاءةٍ وخصوصيةٍ عالية.

في التوقيتِ نفسِه تقريبًا؛ كانَ التركيبُ الكيميائيُّ للفيروساتِ غامضًا مثلَ تركيبةِ الإنزيمات، قبلَ أنْ يوضحَ "ويندل ستانلي" أنَّ فيروسَ مرضِ فسيفساءِ التبغِ يمكنُ أنْ يتبلورَ بطريقةِ تبلورِ البروتيناتِ والإنزيماتِ نفسِها.

ساعدتِ النتائجُ التي توصلَ إليها "ستانلي" في فتحِ مجالٍ بحثيٍّ غيرِ محدودٍ تقريبًا. إذْ تمكنَ العلماءُ منْ بَلْورةِ مجموعةٍ منَ الفيروسات، الأمرُ الذي سمحَ لهم بفحصِ هياكلِها الدقيقةِ وكيفيةِ استهدافِها بالعلاجات.

وعنْ طريقِ بلورةِ الفيروسات؛ تمكنَ العلماءُ منْ رؤيةِ الهياكلِ ثلاثيةِ الأبعادِ للفيروساتِ بدقةٍ ذرية. وفرَ هذا الأمرُ رؤىً لا تُقدَّرُ بثمنٍ في تنظيمِ المكوناتِ الفيروسيةِ وترتيبِها، مثلَ البروتيناتِ الشوكية، والأحماضِ النووية، والبروتيناتِ السكريةِ السطحية. ساعدَ فهمُ البنيةِ التفصيليةِ للفيروساتِ في فكِّ رموزِ آلياتِ التجميعِ والتفاعُلاتِ الفيروسيةِ معَ المضيفِ وتطويرِ إستراتيجياتٍ مضادةٍ للفيروسات.

وأدتِ المعلوماتُ الهيكليةُ التفصيليةُ التي تمَّ الحصولُ عليها منْ بلوراتِ الفيروسِ دورًا حاسمًا في تصميمِ اللقاحاتِ وتطويرِها. فبمعرفةِ الترتيبِ الذريِّ الدقيقِ لبروتيناتِ السطحِ الفيروسي، يمكنُ للعلماءِ تحديدُ مواقعِ المستضداتِ الرئيسيةِ وتصميمُ اللقاحاتِ التي تثيرُ استجابةً مناعيةً فعالة. ومنْ خلالِ دراسةِ التفاعلاتِ بينَ البروتيناتِ الفيروسيةِ وتحييدِ الأجسامِ المضادة، يمكنُ للباحثينَ تطويرُ إستراتيجياتٍ لاستنباطِ استجاباتٍ مناعيةٍ وقائيةٍ وتصميمِ لقاحاتٍ ضدَّ العدوى الفيروسية.

 ساعدَ تبلورُ الفيروسِ في تطويرِ الأدويةِ المضادةِ للفيروسات، إذْ توفرُ الهياكلُ عاليةُ الدقةِ للبروتيناتِ الفيروسيةِ التي يتمُّ الحصولُ عليها منْ خلالِ التبلورِ أهدافًا لتصميمِ الدواء. منْ خلالِ فهمِ التفاعلاتِ الدقيقةِ بينَ البروتيناتِ الفيروسيةِ والجزيئاتِ الصغيرةِ أوِ المثبطات، يمكنُ للباحثينَ تصميمُ الأدويةِ التي تعطلُ تكاثرَ الفيروس، أوْ تمنعُ الإنزيماتِ الفيروسية، أوْ تمنعُ دخولَ الفيروسِ إلى الخلايا المضيفة. تساعدُ هذهِ المعرفةُ في تطويرِ العلاجاتِ المضادةِ للفيروساتِ واكتشافِ أهدافٍ دوائيةٍ جديدة.

لذا؛ حصلَ العلماءُ الثلاثة؛ سومنر ونورثورب وستانلي؛ على جائزةِ نوبل الكيمياءِ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وأربعين.

وُلدَ "جيمس سومنر" بولايةِ ماساتشوستس في التاسعَ عشَرَ منْ نوفمبر عامَ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وسبعةٍ وثمانين. كانَ والدُه يمتلكُ عقارًا ريفيًّا كبيرًا، بينما كانَ لجدِّه مزرعةٌ ومصنعٌ للقطنِ أيضًا.

التحقَ "سومنر" بمدرسةِ إليوت لقواعدِ اللغةِ لبضعِ سنواتٍ ثمَّ تمَّ إرسالُه إلى مدرسةِ روكسبري اللاتينية. في المدرسةِ كانَ يشعرُ بالمللِ منْ كلِّ الموادِّ تقريبًا باستثناءِ الفيزياءِ والكيمياء. كما كانَ مهتمًّا بالأسلحةِ الناريةِ وغالبًا ما كانَ يذهبُ للصيد.

في أثناءِ الصيدِّ وهوَ في سنِّ السابعةَ عشْرة، أُصيبَ بطريقِ الخطأِ في ذراعِه اليسرى منْ قِبلِ رفيقِه؛ نتيجةً لذلك، كانَ لا بدَّ منْ بترِ ذراعِه منْ أسفلِ الكوعِ مباشرة. بعدَ أنْ كانَ أعسرَ، كانَ عليهِ بعدَ ذلكَ أنْ يتعلمَ القيامَ بالأشياءِ بيدِه اليمنى.

حفزَه فقدانُ ذراعِه على بذلِ قصارى جهدِه للتفوقِ في جميعِ أنواعِ الرياضاتِ، مثلَ التنسِ والتزلجِ والتزحلقِ على الجليدِ والبلياردو ورمايةِ الحمامِ الطيني.

في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ التحقَ "سومنر" بكليةِ هارفارد. تخرجَ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وعشرةٍ متخصصًا في الكيمياء. بعدَ فترةٍ قصيرةٍ منَ العملِ في مصنعِ القطنِ الذي يملكُه عمُّه، قبِلَ وظيفةَ التدريسِ في كليةِ ماونت أليسون.

في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنَي عشَرَ توجهَ لدراسةِ الكيمياءِ الحيويةِ معَ البروفيسور "أوتو فولين" في كليةِ الطبِّ بجامعةِ هارفارد.

على الرغمِ منْ أنَّ فولين نصحَه بتركِ المجال، لأنَّه كانَ يعتقدُ أنَّ رجلًا بذراعٍ واحدةٍ لا يمكنُ أنْ ينجحَ في الكيمياء، استمرَّ "سومنر" وحصلَ على درجةِ الدكتوراه.

في يونيو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةَ عشَرَ؛ بعدَ بضعةِ أشهرٍ في أثناءِ سفرِهِ إلى أوروبا، تقطعتْ بهِ السبلُ في سويسرا لمدةِ شهرٍ تقريبًا بسببِ اندلاعِ الحربِ العالميةِ الأولى. خلالَ هذا الوقت، تلقَّى برقيةً تدعوهُ ليكونَ أستاذًا مساعدًا للكيمياءِ الحيويةِ في كليةِ كورنيل، وهوَ المنصبُ الذي شغلَه حتى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وعشرين، وأصبحَ أستاذًا كاملًا للكيمياءِ الحيوية.

تركزَ عملُ سومنر البحثيُّ في جامعةِ كورنيل في البدايةِ حولَ الأساليبِ التحليلية. على الرغمِ منَ العملِ الجادِّ لمْ يتمكنْ منَ الحصولِ على أيِّ نتائجَ مثيرةٍ للاهتمام. ثمَّ قررَ عزلَ إنزيمٍ في شكلٍ نقي، وهوَ هدفٌ طَموحٌ لمْ يحققْه أيُّ شخصٍ قبله.

لسنواتٍ عديدة، كانَ عملُه غيرَ ناجح، ولكنْ على الرغمِ منْ إحباطِ الزملاءِ الذينَ شككُوا في إمكانيةِ عزلِ أيِّ إنزيمٍ في شكلٍ نقي.

 في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وعشرين، عندَما كانَ بحثُه لا يزالُ في مراحلِه الأولى، حصلَ على زمالةٍ أمريكيةٍ بلجيكيةٍ وقررَ الذهابَ إلى بروكسل للعملِ معَ "جان إيفرونت" الذي كتبَ عدةَ كتبٍ عنِ الإنزيمات. لكنَّ الخطةَ فشلت، لأنَّ إيفرونت اعتقدَ أنَّ فكرةَ سومنر لعزلِ اليورياز كانتْ سخيفة.

استأنفَ عملَه في "كورنيل" حتى نجحَ أخيرًا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وعشرينَ في بلورةِ أولِ إنزيم. قوبلَ عزلُه وبلورتُه لليورياز بردودِ فعلٍ متباينة. تمَّ تجاهلُه أوْ عدمُ تصديقِه منْ قِبلِ معظمِ علماءِ الكيمياءِ الحيوية، لكنَّ ذلكَ الاختراقَ جلبَ له درجةَ الأستاذيةِ الكاملةِ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وعشرين.

 تدريجيًّا، حصلَ "سومنر" على الاعترافِ بنجاحِه. في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وثلاثين، وعندَما استطاعَ "جون نورثروب" منْ معهدِ روكفلر، الحصولَ على بلوراتِ إنزيمِ الببسينِ البلوري، ومنْ ثمَّ الإنزيماتِ الأخرى، أصبحَ منَ الواضحِ أنَّ "سومنر" ابتكَرَ طريقةَ تبلورٍ عامةً للإنزيمات.

توفيَ "سومنر" في الثاني عشرَ من أغسطس عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وخمسينَ عنْ عمرٍ ناهزَ سبعةً وستينَ عامًا من جرَّاءِ إصابتِه بالسرطان.

 وُلدَ "جون نورثروب" في نيويورك في الخامسِ منْ يوليو عامَ ألفٍ وثَمانِمِئةٍ وواحدٍ وتسعين. وهوَ سليلٌ لعائلةٍ كبيرةٍ منَ العلماء.

أُصيبَ والدُه، الذي كانَ يعملُ مدرسًا في جامعةِ كولومبيا، بجروحٍ قاتلةٍ في حادثةِ معملٍ قبلَ ولادتِه بوقتٍ قصير. عادتْ والدتُه، أليس آر نورثروب، التي كانتْ تدرسُ علمَ النباتِ سابقًا في كليةِ هانتر بمدينةِ نيويورك، إلى التدريسِ وكانتْ مسؤولةً عنْ إدخالِ دراسةِ الطبيعةِ في مناهجِ المدارسِ العامةِ في نيويورك.

بعدَ التعليمِ في المدارسِ العامة، التحقتْ نورثروب بجامعةِ كولومبيا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ لدراسةِ علمِ الحيوانِ والكيمياء. حصلَ على بكالوريوسِ العلومِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنَي عَشَرَ، وماجستير في الآدابِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةَ عشَرَ، وحصلَ على درجةِ الدكتوراةِ في الكيمياءِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةَ عشَر.

في العامِ التالي، تمَّ تعيينُه في معهدِ روكفلر، وباستثناءِ خدمتِه الحربيةِ كقبطانٍ في خدمةِ الحربِ الكيميائيةِ (ما بينَ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةَ عشَرَ وعامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةَ عشَر) ، ظلَّ في المعهدِ حتى نهايةِ حياتِه.

 كانتْ أبحاثُ "نورثروب" معنيةً أساسًا بالكربوهيدراتِ وكانَ عملُه المبكرُ في معهدِ روكفلر مرتبطًا بنظرياتِ الحياة. بعدَها درسَ بروتيناتِ الفيروساتِ والأجسامِ المضادة. خلالَ الحربِ العالميةِ الثانية، كانَ مستشارًا للجنةِ أبحاثِ الدفاعِ الوطنيِّ ودرسَ طريقةَ عملِ غازاتِ الحربِ وطرقَ الكشفِ عنها، وقامَ بتطويرِ جهازٍ للكشفِ والتحليلِ التلقائيِّ للغازاتِ السامة. تضمنتْ أبحاثُه الحديثةُ العملَ على أصلِ الفيروسات.

ركزَ عملُ نورثروب اللاحقُ على إنزيماتٍ، مثلَ البيبسين والتربسين وكيموتريبسين. طورَ تقنياتٍ لعزلِها وتنقيتِها وبلورتِها، مما ساهمَ بشكلٍ كبيرٍ في فهمِ حركيةِ الإنزيمِ والنشاطِ التحفيزي.

بعدَ بحثِه الحاصلِ على جائزةِ نوبل، واصلَ نورثروب مسيرتَه العلميةَ في معهدِ روكفلر، حيثُ أصبحَ مديرًا لقسمِ كيمياءِ الغروانية. قامَ بتوجيهِ العديدِ منَ العلماءِ الشباب، ونقْلِ خبرتِه وإلهامِ الأجيالِ القادمةِ في مجالِ الكيمياءِ الحيوية.

تقاعدَ "نورثروب" منَ البحثِ النشطِ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وستينَ لكنَّه ظلَّ مشاركًا في المساعي العلمية، وعمِلَ في المجالِسِ واللجانِ الاستشارية. توفيَ في السابعِ والعشرينَ من مايو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وثمانين، تاركًا وراءَه إرثًا غنيًّا منَ الاكتشافاتِ العلميةِ وتأثيرًا دائمًا في مجالِ الكيمياءِ الحيوية.

في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةَ عشَرَ، تزوجَ "نورثروب" بـ"لويز ووكر" (وأنجبَ منها طفلَين: جون الذي أصبحَ عالِمَ المحيطات، وأليس، التي تزوجتِ الحاصلَ على جائزةِ نوبل "فريدريك سي روبنز").

توفيَ "نورثروب" في منزلِه في أريزونا، في السابعِ والعشرينَ من مايو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وثمانين، بعدَ تقاعُدٍ طويلٍ عنْ عمرٍ ناهزَ خمسةً وتسعينَ عامًا. حصلَ صهرُه، فريدريك روبنز، أيضًا على جائزةِ نوبل عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وخمسينَ في علمِ وظائفِ الأعضاءِ والطب.

أما "ويندل ستانلي" فقدْ وُلدَ في السادسَ عشَرَ منْ أغسطس عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ في ولايةِ إنديانا بالولاياتِ المتحدةِ الأمريكية. منذُ سنٍّ مبكرة، أظهرَ ستانلي فضولًا طبيعيًّا وشغفًا بالعلوم. نشأَ في أسرةٍ متواضعة، وواجهَ تحدياتٍ مختلفة، لكنَّ تصميمَه وحبَّه للتعلمِ دفعَه إلى الأمام.

التحقَ بالمدارسِ العامةِ في بلدةِ ريدجفيل الصغيرة، وأكملَ العامينِ الأخيرينِ منَ المدرسةِ الثانويةِ في ريتشموند، إنديانا، والتحقَ بكليةِ إيرلهام في ريتشموند في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وعشرين.

 بالإضافةِ إلى التخصصاتِ الأكاديميةِ في الكيمياءِ والرياضياتِ وحياتِه الاجتماعيةِ النشطة، لعبَ ستانلي كرةَ القدمِ في جميعِ سنواتِ دراستِه الجامعيةِ الأربعِ وقادَ فريقًا فائزًا في سنتِه الأولى. في ولايةٍ معروفةٍ بالعديدِ منَ الكلياتِ المتميزةِ ذاتِ التوجهِ الرياضي، تمَّ اختيارُ ستانلي قائدًا لفريقِ جامعتِه.

برعَ في مقرراتِه الدراسية، لكنَّه قررَ التركيزَ على الكيمياءِ وعلمِ الأحياء.

بعدَ حصولِه على درجةِ البكالوريوس؛ كانَ ستانلي يتطلعُ إلى أنْ يصبحَ مدربًا لكرةِ القدم، وقامَ بزيارةِ حرمِ جامعةِ إلينوي معَ وضعِ هذا المستقبلِ في الاعتبار. وفي أثناءِ وجودِه هناكَ التقى "روجر آدامز" عميدَ الكيمياءِ العضويةِ الذي اقترحَ عليهِ الحصولَ على درجةٍ علميةٍ في الكيمياء.

نسيَ "ستانلي" حلمَ كرةِ القدم؛ وقررَ مواصلةَ تعليمِه في جامعةِ إلينوي ليحصلَ على درجةِ الدكتوراةِ في الكيمياءِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وعشرين.

منْ خلالِ التجاربِ الدقيقةِ والتقنياتِ المبتكرة، نجحَ ستانلي في عزلِ وتنقيةِ جزيئاتِ فيروسِ مرضِ فسيفساءِ التبغ. اكتشفَ أنَّ الفيروسَ يتكونُ منْ غلافٍ بروتينيٍّ يحيطُ بقلبِ الحمضِ النووي، كانَ ذلكَ الفيروسُ هوَ أولُ فيروسٍ يتمُّ تبلورُه وتمييزُه هيكليًّا. لمْ يقتصرْ هذا الاختراقُ على تطويرِ علمِ الفيروساتِ فحسب، بلْ قدمَ أيضًا أدلةً مهمةً تدعمُ مفهومَ الجسيمِ الفيروسي.

بعدَ حصولِه على جائزةِ نوبل، واصلَ ستانلي بحثَه وقدمَ المزيدَ منَ المساهماتِ في مجالِ علمِ الفيروسات. درسَ فيروساتٍ أخرى ووسعَ تحقيقاتِه في هياكلِها وخصائصِها وأنماطِ العدوى. ساعدَ عملُه في وضعِ الأساسِ لمجالِ علمِ الفيروساتِ البنيويِّ وساهمَ في تطويرِ العلاجاتِ واللقاحاتِ المضادةِ للفيروسات.

في الستينياتِ منَ القرنِ الماضي، أدى العملُ على فيروساتِ أورامِ الطيورِ والثديياتِ إلى خلقِ شعورٍ متزايدٍ بأنَّ مثلَ هذهِ الفيروساتِ قدْ تكونُ عواملَ مسببةً لسرطانِ الإنسان، وتزايَدَ الشعورُ بأنَّ مساهماتِ ستانلي قدْ تتعلقُ بالسيطرةِ على هذا المرضِ أيضًا.

لذا؛ حصلَ "ستانلي" على عدةِ جوائزَ منْ جمعيةِ السرطانِ الأمريكية، وتمَّ اختيارُه رئيسًا للمؤتمرِ الدوليِّ العاشرِ للسرطانِ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعين.

عانى ستانلي منْ عدةِ أمراضٍ خطيرةٍ في سنواتِه الأخيرةِ لكنَّه استمرَّ في السفرِ على نطاقٍ واسع. توفيَ بنوبةٍ قلبيةٍ في إسبانيا عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وسبعين، حينَ كانَ يحضرُ مؤتمرًا علميًّا يناقشُ فيروساتِ الأورام. تمَّ دفنُه في ولايةِ كاليفورنيا.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.291