كيف آل الحال بشركة سلحت علماءها بأدوات الذكاء الاصطناعي؟
09 December 2024
نشرت بتاريخ 10 ديسمبر 2023
منذ شنَّت حماس هجومها الدامي على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وما تَبِع ذلك من قصف إسرائيلي مستمر على قطاع غزة، انقلبت الأوضاع وتبدَّل شكل الحياة في الجانبين.. والعلماء والباحثون في القلب من هذا المشهد.
يعاني سكان إسرائيل، وغزة، والضفة الغربية تداعيات هجوم السابع من أكتوبر الماضي، الذي شنَّته حركة حماس المسلَّحة ضد إسرائيل. خلَّف الهجوم، بحسب البيانات التي جمعتها صحيفة «هآرتس» Haaretz الإسرائيلية، نحو 1,200 قتيل، بينهم ما لا يقل عن 28 طفلًا، وأَسْر ما يقرُب من 240 آخرين، بينهم 33 طفلًا على الأقل.
وحتى يوم الخامس عشر من نوفمبر الماضي، بلغت حصيلة القتلى التي خلَّفها القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وما تبعه من اجتياح بري، أكثر من 11 ألف قتيل، بينهم 4,500 طفل، وفقًا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). كما شُرِّد أكثر من 1.6 مليون شخص من سكان غزة، وأُخرجت عن الخدمة 22 مستشفى، من أصل 36 مستشفى في القطاع، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
طال الضرر الباحثين، والمؤسسات العلمية، والمنشآت الصحية. في إسرائيل والضفة الغربية، تخلو المختبرات من العلماء والباحثين، أما النشاط الأكاديمي فقد تباطأ أو توقَّف تمامًا. كيف لا، وقد استُدعي كثير من باحثي إسرائيل للالتحاق بالجيش بوصفهم من قوة الاحتياط.
وفي غزة، أفاد مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة (UNOSAT)، في تصريحات لدورية Nature، بأن أبنيةً ومنشآتٍ تابعةً لخمس جامعات، من جامعات غزة الرئيسية الست، قد دُمِّرت.
تحدَّثت دورية Nature إلى باحثين في إسرائيل، وغزة، والضفة الغربية، وكذا إلى عددٍ من المتعاونين معهم حول العالم، لاستطلاع وجهات نظرهم.
إسرائيل تُحصي الخسائر
تأثير هجمات حماس امتدَّ ليشمل المجتمع الأكاديمي في شتى أنحاء إسرائيل، لكنه كان أقوى وأشدَّ في الجنوب، وبخاصةٍ في المناطق المحاذية للحدود مع قطاع غزة، التي يُشار إليها بغلاف غزة، حيث نفَّذت الحركة المسلحة هجومها.
مؤسسة أكاديمية واحدة، هي جامعة بن جوريون، ومقرُّها مدينة بئر سبع الواقعة جنوبي إسرائيل، وتبعُد عن غزة حوالي 40 كيلومترًا، فقدت 84 من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وذويهم. هذا بالإضافة إلى احتجاز خمسة آخرين، وإصابة تسعة بجروح، وفقًا لتصريحات المتحدث باسم الجامعة. ومن بين القتلى، أُسَر بأكملها مُحيَتْ من سجلات الأحياء في يومٍ واحد.
ومن هؤلاء، عالِم الفيزياء النظرية الأوكراني الأصل سيرجي جريديسكول وزوجته فيكتوريا، اللذَين وُجدا صريعَين في منزلهما بمستوطنة أوفاكيم، الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومترًا إلى الغرب من بئر سبع. يقول أوليج كريشيفسكي، رئيس قسم الفيزياء بجامعة بن جوريون، والصديق المقرَّب من أسرة جريديسكول: "لم يكن سيرجي فيزيائيًا عظيمًا فحسب؛ لقد كان موسيقيًّا، وقصّاصًا، ومؤرخًا قادمًا إلينا من كلية الفيزياء التابعة لجامعة خاركيف العريقة".
وأضاف كريشيفسكي: "في ذلك اليوم، تواصل معنا حفيد جريديسكول، الذي يعيش في أوروبا، وأخبرنا أنه يحاول الاتصال بجدّه وجدّته هاتفيًا، لكنه لا يتلقى منهما ردًّا. ومن ثم، أخذنا بدورنا نحاول الاتصال بهما. وبعد العديد من المحاولات الفاشلة، توجَّهت إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ غياب".
وبعدما عَلِم كريشيفسكي بمقتل صديقه وزوجته، ذهب – بطلبٍ من ابنتهما – إلى المنزل لجمع أغراضهما. وهناك، عايَنَ كريشيفسكي بنفسه آثار إطلاق الرصاص في كل مكان.
وفي جامعة بار إيلان، الواقعة في مدينة رمات جان، قُرب تل أبيب، قُتل 34 من الطلاب وذوي أعضاء هيئة التدريس، إما في أماكن تواجدهم في الجنوب، أو ضمن جمهور الحفل الموسيقي الذي أقيم قرب الحدود مع غزة، وأغار عليه مقاتلو حماس، وأسقطوا منه ما لا يقل عن 260 قتيلًا. كما أن هناك ثلاثة من ذوي أعضاء هيئة التدريس والطلاب بين المحتجزين لدى حماس، والمقدَّر عددهم بنحو 240 محتجَزًا. كما تضم قائمة القتلى عددًا من جنود الاحتياط، الذين هُرعوا لحماية السكان من هجمات المقاتلين.
وبالمثل، ودَّع معهد وايزمان للعلوم، ومقرُّه مدينة رحوفوت، إلى الجنوب من تل أبيب، بعضًا من أعضاء هيئة التدريس العاملين لديه. من هؤلاء، مارسيل فريليش كابلون، التي كانت تعمل بقسم تدريس العلوم، وقُتلت في كيبوتس بئيري، وهي المستوطنة التي كانت تقيم فيها. وما زال زوجها، درور كابلون، في عِداد المفقودين.
كانت مارسيل كابلون باحثة متخصصة في دراسة الممارسات التي من شأنها تحسين تدريس العلوم، خاصةً الكيمياء. وقد رَثَتْها زميلتها ميري كيسنر بمقالةٍ نشرها المعهد، ذكرت فيها أن "مارسيل كانت من ذلك النوع الذي يحب الجميع التعامل معه: ذكية، ومتفانية، وتبثُّ الحماسة فيمن حولها". وكانت، حسبما جاء في مقال كيسنر، "شغوفة بإظهار أهمية الكيمياء للصناعة، ولحياتنا اليومية".
يقول آري زابان، رئيس جامعة بار إيلان، إن الحرم الجامعي خالٍ من الطلاب، على أثر قرار إرجاء موعد بداية العام الدراسي، وبعدما استُدعي كثيرٌ من طلَّاب الدكتوراه، والمراحل الأدنى، لأداء الخدمة العسكرية. وقد أطلقت الجامعة خدمة هاتفية لتقديم الدعم المعنوي. كما فعَّل قسم قياس النظر بالجامعة عيادة النظر المتنقِّلة التابعة له، وأطلقَتْها لتجوب المناطق التي نزح إليها سكان المستوطنات والمدن الواقعة في الجنوب، مثل أوفاكيم ونتيفوت، وتقدِّم خدماتها لهم. يقول زابان: "عندما أخلى سكان هذه المناطق منازلهم، فقدَ كثيرٌ منهم نظَّاراتهم، ولذلك يطوف بهم [أطباء العيون]، ويُجرون لهم اختبارات النظر، ويُعدّون لهم نظارات خاصة".
ومع تصاعُد حدة التوترات، حرصت جامعة تل أبيب على تقديم الدعم لطلَّابها من عرب 48، الذين يمثلون 15% من مجمَل طلّابها. ففي بيان نُشر على موقع الجامعة، قالت ميلت شمير، وكيلة الجامعة: "جعلْنا من بين أولوياتنا أن نضمن أن يشعر هؤلاء الطلاب بالأمان وهم قادمون إلى الجامعة. وأقررنا سياسة لا تتهاون مطلقًا مع خطابات التحريض والكراهية داخل الحرم الجامعي، سواءٌ أكانت هذه الخطابات موجهةً ضد اليهود أم العرب".
جامعات غزة تحت القصف
أوقع القصف الإسرائيلي، وما تبعه ورافقه من عملية برية شنَّتها القوات الإسرائيلية ضد حركة حماس في قطاع غزة، دمارًا هائلًا في الجامعات والمنشآت العلمية.
يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في غزة 17 مؤسسة، بينها ست جامعات تقليدية، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، ومقرُّه رام الله، بالضفة الغربية. وثمة جامعة سابعة، هي جامعة القدس المفتوحة، تقدم خدمات التعليم عن بُعد. ومقارُّ هذه الجامعات السبع تقع في مناطق داخل غزة أمر الجيش الإسرائيلي بإخلائها.
وبحسب ما أعلنته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الفلسطينية، ومقرُّها رام الله، دُمرت منشآت تابعة لخمس من الجامعات التقليدية تدميرًا كليًا أو جزئيًا، ومنها جامعة الأزهر (غزة)، وجامعة غزة، والجامعة الإسلامية في غزة، وجميعها يقع في مدينة غزة (انظر: الصراع بين إسرائيل وحماس). ومن جهته، أكَّد مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة، بشكلٍ مستقل، تعرُّض منشآتٍ في الجامعات الخمس للتدمير. وفي تصريحاتٍ لدورية Nature، ذكر محلِّل صور يعمل لدى المركز المذكور أنهم يستندون إلى "تحليل التغيُّر البصري المرصود"، وهي طريقة تقوم على مقارنة صور الأقمار الصناعية قبل وبعد حدثٍ بعينه، من أجل تحديد مواقع المنشآت المدمَّرة، وقياس حجم الدمار الذي لحق بها.
في الجامعة الإسلامية، أقدم المؤسسات المانحة للدرجات العلمية في القطاع، دُمرت 11 منشأة من منشآت الجامعة البالغ عددها 14، إثر موجتين من القصف في يومي التاسع والحادي عشر من أكتوبر الماضي. ومن بين المباني المدمَّرة، المختبرات العلمية، ومباني تقنية المعلومات، ومباني الكليات الطبية. صحيحٌ أنه عندما قُصفت الجامعة، كانت أبنيتها تخلو من الطلاب، البالغ عددهم 17 ألفًا، وأعضاء هيئة التدريس، وعددهم يربو على 300، إلا أن الكثيرين منهم قُتلوا أو جُرحوا في غارات أخرى، على حد قول أماني المقادمة، مديرة العلاقات الدولية بالجامعة.
وفي بيانٍ صحفي، مصحوبٍ بمقطع فيديو، أكَّد الجيش الإسرائيلي، في الحادي عشر من أكتوبر، أنه قد استهدف الجامعة. وجاء في البيان أن الجامعة كانت تُتَّخذ "معسكرًا لتدريب عناصر المخابرات العسكرية، إضافةً إلى تطوير الأسلحة وإنتاجها"، كما أن المؤتمرات كانت تُعقَد من أجل "جمع الأموال لتمويل الأنشطة الإرهابية".
وقد توجَّهت دورية Nature إلى الجيش الإسرائيلي بالسؤال عما إن كان بإمكانه إبراز أية أدلة على انخراط الجامعة في نشاط غير قانوني، فجاء هذا الرد من المتحدث باسم الجيش عبر البريد الإلكتروني: "تركيز جيش الدفاع الإسرائيلي ينصبُّ حاليًا على التخلُّص من [التهديد] الذي تمثله حركة حماس الإرهابية. وسوف نعود في مرحلة لاحقة للبحث في الأسئلة من هذا النوع الذي تطرحونه.
وقد تمكَّنَتْ Nature من الوصول إلى أربعة باحثين ينتسبون إلى جامعات غزة. شُرَّد منهم ثلاثة منذ بداية القصف، ضمن أكثر من 1.6 مليون شخصٍ هُجِّروا قسريًا إلى مناطق أخرى من القطاع انصياعًا لتعليمات الجيش الإسرائيلي بالنزوح جنوبًا. وقد عبر الباحثون الأربعة عن شعورهم بأنهم وحدهم في مواجهة ما يجري.
وفي الأثناء، أفادت جامعة القدس المفتوحة، فرع غزة، بأن الدمار قد لحق بها هي الأخرى. وصرَّح محمد أبو جزار، باحث الهندسة البيئية بالجامعة، بأنه فقد أي أمل في أن يأتي المجتمع الدولي لنجدتهم. وقال: "أعتذر عن صراحتي، [لكني] لا أعتقد أن هناك مجتمعًا علميًا، أو مجتمعًا علميًا عالميًا، يستطيع أن يفعل أي شيء".
يقول حاتم علي العايدي، باحث الهندسة الكهربية بالجامعة الإسلامية في غزة، إنه يأوي في منزله 74 شخصًا من سبع عائلات. وذكر أن أولويته اليومية صارت تتمثَّل في البحث للأُسَر التي فقدت منازلها عن طعام، وماء نظيف، وأدوية، ولوازم تنظيف، وملابس. يقول: "لا كهرباء، ولا إنترنت، ولا ماء شرب، ولا وقود"، والناس يشربون ماء البحر المالح. وذكر أن الناس في غزة يبدؤون يومهم بالاطمئنان على بعضهم بعضًا، ليعرفوا مَن الذي فُقد في قصف الليلة الفائتة.
كان بيل ويليامسون، باحث علم الاجتماع بجامعة دورهام، بالمملكة المتحدة، عاكفًا على إعداد دراسةٍ مُزمعٍ نشرها عن التعليم العالي في فلسطين. يقول: "كنت أكتب عن منظومة، رغم كل عيوبها، كانت تعمل بشكلٍ جيد. والآن يجري تخريبها، في غزة على الأقل".
الخوف يخيّم على الضفة
تتولى السلطة الوطنية الفلسطينية كثيرًا من شؤون الحكم المحلي في الضفة الغربية، التي يعيش فيها زهاء ثلاثة ملايين فلسطيني. إلا أن إسرائيل تتحكم في الحدود والمسائل الأمنية، كما أن مواطنيها يستوطنون أراضي الضفة بأعداد متزايدة.
بلغ عدد الفلسطينيين الذين سقطوا على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية، منذ السابع من أكتوبر حتى الخامس عشر من نوفمبر، 183 شخصًا، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لترتفع بذلك حصيلة قتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال عام 2023 إلى 427. فيما قُتل من الجانب الإسرائيلي ثلاثة أشخاص، حسب تقارير الأمم المتحدة. وفي التاسع من أكتوبر، أطلقت إدارة تراخيص الأسلحة النارية في إسرائيل ما أسمتها "عملية طارئة لتمكين أكبر عدد ممكن من المدنيين من تسليح أنفسهم".
ويقول الباحثون الذين تواصلَتْ معهم Nature إن هذا العنف المتصاعد عطَّل أنشطة البحث العلمي والتعليم وجهًا لوجه في مؤسسات التعليم العالي في الضعفة الغربية، البالغ عددها 34 مؤسسة، منها 13 جامعة، ما يؤدي إلى تردِّي الأوضاع الصعبة أصلًا بالنسبة إلى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على السواء.
يقول مجدي عودة، الباحث المتخصص في علم البيانات بالجامعة العربية الأمريكية في رام الله، إن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس باتوا أكثر عرضةً لإطلاق النار عليهم أثناء التوجُّه إلى الحرم الجامعي. وهذا يرجع أيضًا، في جانب منه، إلى أن مركبات الفلسطينيين يمكن التعرُّف عليها من خلال لوحات الأرقام. يقول: "في هذه الآونة، لا يمكن نسمح لأحد بالتنقُّل وسط هذه الأجواء".
وأضاف رائد الدبعي، المتحدث باسم جامعة النجاح الوطنية في نابلس، بالضفة الغربية، قائلًا إن "الأمن يأتي أولًا". وذكر الدبعي أن الجامعة ترسل طلاب الطب لديها، الذين أنهوا التدريب السريري، إلى المستشفيات الموزَّعة في مناطق الضفة الغربية للمساعدة في علاج الجرحى.
وعلى صعيدٍ متصل، تصاعدت حملات الاعتقال للطلاب والأكاديميين الفلسطينيين. على مدى سنوات، درجت السلطات الإسرائيلية على إصدار أوامر الاعتقال الإداري، التي تخوِّل للجيش إلقاء القبض على الأشخاص الذين يعتبرهم خطرًا أمنيًّا، واحتجازهم دون حاجة إلى الإفصاح عن الاتهامات المنسوبة إليهم. بنهاية شهر يونيو من العام الجاري، وصل عدد الفلسطينيين المحتجزين في قبضة إسرائيل بأوامر اعتقال إداري إلى 1,117 فلسطينيًّا، حسب تقارير منظمة «بتسيلم» الحقوقية في القدس. ولم يتسنَّ لنا الحصول على إحصائية أحدث.
وفي الأول من نوفمبر، حُكم بالسجن على عماد برغوثي، عالم الفيزياء الفلكية بجامعة القدس، ومقرُّها مدينة القدس، لمدة ستة أشهر، بعدما اقتحمت قوات الأمن منزله في الثالثة صباحًا، يوم الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، واصطحبته معها مكبَّلًا بالأصفاد، حسبما رَوَت ابنته ضحى.
ومنذ ذلك الحين، أطلق ماريو مارتوني، الباحث في مجال الفيزياء النظرية بكلية الملك في لندن، وعضو منظمة «علماء من أجل فلسطين» التي تدعم البحث العلمي في الأراضي الفلسطينية، حملةً لإطلاق سراح عماد برغوثي. وذكر مارتوني أن لبرغوثي شأنًا كبيرًا في مجال تخصصه، قائلًا: "أبحاثه الأولى عن ديناميات البلازما في السياق الكوني كان لها صدى كبير على الصعيد الدولي. وهو ليست له انتماءات سياسية، كما أنه لم يشارك قط في أعمال عنف".
وقد تواصلَتْ دورية Nature مع الجيش الإسرائيلي، لطلب مزيد من المعلومات حول واقعة إلقاء القبض على برغوثي، فأحالنا إلى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، والشرطة الإسرائيلية. إلا أننا لم نتلقَّ ردًّا من كلتا الجهتين حتى موعد نشر هذا المقال.
آمال الشراكة
جامعات إسرائيل، وغزة، والضفة الغربية تربطها علاقات وثيقة بالمؤسسات البحثية في الخارج. أما العلاقات فيما بين المؤسسات الإسرائيلية والفلسطينية فمنعدمة أو تكاد.
وصحيحٌ أن حالةً من الجمود تخيِّم على الشراكات الدولية في الوقت الراهن، إلا أن بعض الباحثين يأملون في أن تكون هذه حالة عارضة، لا تلبث أن تنقشع مع عودة المجتمع الدولي إلى إلقاء ثقله وراء جهود إنعاش الشراكات، جنبًا إلى جنبٍ مع إعادة بناء البنية التحتية التعليمية والبحثية في غزة، بمجرد أن تضع هذه الحرب أوزارها، ويُتوصَّل إلى تسويةٍ ما للنزاع القائم. ولكن قِسمًا آخر لا يتحلَّى بالقدر نفسه من التفاؤل.
كان هشام الهِبطي، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، ومقرُّها مدينة سلا المغربية، من أوائل الذين تواصلوا مع دانيال شاموفيتس، رئيس جامعة بن جوريون، للتعبير عن مشاعر الحزن والمواساة إزاء ما جرى في هجمات السابع من أكتوبر. على مدى عامين، تعاونَتْ الجامعتان في مشاريع بحثية تتصل بالاستدامة والتغير المناخي، في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية الموقَّعة في عام 2020، والتي شرعت بعض الدول العربية بموجبها في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وقد تبادلت وفود من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الزياراتِ بين الجامعتين، التي أسفرت عن تدشين برامج بحثية في مجالات الزراعة، والمياه، والطاقة، واستصلاح الأراضي.
يرغب شاموفيتس في أن تستمر هذه الشراكات، بل وتتوسَّع. وفي تصريحاتٍ أدلى بها لدورية Nature، ذكر كيف أن جامعة بن جوريون تربطها علاقات وثيقة بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، وغيرها من جامعات المغرب. وقال: "تضم جامعة محمد السادس كنيسًا يهوديًا داخل حرمها للطلاب اليهود الزائرين".
يرى آري زابان، رئيس جامعة بار إيلان الذي يشغل أيضًا منصب رئيس رابطة رؤساء الجامعات في إسرائيل، أن الوضع الراهن "مؤسف بحق، ومؤلم بمعنى الكلمة. ولكني، في الوقت نفسه، على يقين بأننا سوف نتجاوز هذا، وباسم هؤلاء الذين فقدوا أرواحهم، سنجعل من هذا المكان مكانًا أفضل".
مما تجدُر الإشارة إليه أن جامعة بار إيلان قد وقَّعت اتفاقية تعاون ثنائية مع الكونسورتيوم المغربي الوطني لتحوُّل الطاقة (MNETC)، الذي يضم عشرين مجموعة بحثية من جامعات مغربية. ويتوقع زابان لهذه الشراكات أن تستمر. يقول: "المشروعات القائمة تتمُّ في غالبيتها على مستوى التواصل الشخصي، وحين يكون التواصل شخصيًا بين أناسٍ يتحدث بعضهم إلى بعض، فإن العلاقة تكون من القوة بحيث يصعُب كسرها".
إلا أنه، من جهةٍ أخرى، يُلاحَظ أن أكثر الطلاب والباحثين الأجانب، الذين عملوا في معهد وايزمان، قد عادوا إلى أوطانهم بالفعل، أو يستعدون للعودة، على حد قول الباحث في علوم الأرض بالمعهد، إيال روتنبرج؛ وهو الأمر الذي يعكس حجم الضرر الذي انتاب الشراكات العلمية الدولية.
والحال نفسه في الضفة الغربية. فقد ذكر رائد الدبعي، المتحدث باسم جامعة النجاح، أن هناك مشروعات مشتركة، ومنها مؤتمرات يشارك فيها زملاء من أوروبا والولايات المتحدة، يجري إلغاؤها أو إرجاؤها. وأبان أن الأكاديميين الأجانب لم يعد في إمكانهم القدوم إلى الضفة. يقول: "حتى الدخول عبر الجسر الواصل بين الأردن وفلسطين لم يعد آمنًا".
وأضاف: "كان مقررًا أن نعقد مؤتمرًا دوليًا عن طب الأسنان، لكنه تأجَّل. أما المؤتمر البحثي الدولي لطلاب الطب، الذي كان يُنتظر أن ينطلق يوم الثامن من أكتوبر الماضي، فقد أُلغي تمامًا".
كان هناك شكل من أشكال الشراكة غير الرسمية بين باحثين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية. إلا أن ياكوف جرب، باحث علم الاجتماع وشؤون البيئة بجامعة بن جوريون، يقول إن زملاءه المقيمين في قطاع غزة باتوا "يُمضون سحابة يومهم في البحث عن الماء النظيف، وتأمين الاحتياجات الأساسية".
يتولى ويليامسون أمانة «صندوق فلسطين التعليمي في دورهام»، وهو مؤسسة خيرية تدعم الطلاب والباحثين الفلسطينيين الملتحقين بجامعة دورهام. وهو يستمسك بالأمل في أنه "عندما تنجلي هذه الحرب، سوف يكون بإمكاننا حث الحكومات والأكاديميين المعنيين على التفكير في كيفية المساعدة في إعادة بناء منظومة التعليم العالي في فلسطين".
يقول: "إنْ استطعنا تحقيق ذلك، فلن يكون خطوة إيجابية تصبُّ في مصلحة الفلسطينيين فحسب؛ بل سيكون أمرًا لازمًا لتحقيق الأمن الشامل في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفضي بنا – بكل صراحة – إلى العيش في عالم أفضل".
هذه ترجمة لمقالة منشورة بالإنجليزية في دورية Nature بتاريخ ١٦ نوفمبر ٢٠٢٣.
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.273
تواصل معنا: