كيف آل الحال بشركة سلحت علماءها بأدوات الذكاء الاصطناعي؟
09 December 2024
نشرت بتاريخ 1 أكتوبر 2023
قراءة جديدة لكتابات إسحاق نيوتن تُجلي ما قصد إليه أبو الميكانيكا الكلاسيكية في قانونه الأول للحركة.
بعد مُضي ثلاثة قرون على ظهور الترجمة الإنجليزية لقوانين الحركة، التي وضعها إسحاق نيوتن، خرجت علينا دراسة جديدة تكشف خطأً في ترجمة القانون الأول، ظلَّ خافيًا عن العيون والأذهان طيلة تلك الفترة، لتُلقي الدراسة بذلك ضوءًا جديدًا على ما كان يدور برأس رائد الفلسفة الطبيعية، الذي أرسى أسس الميكانيكا الكلاسيكية.
الصيغة التي اشتُهر بها قانون الحركة الأول، لنيوتن، هي: "الجسم الساكن يبقى ساكنًا، والجسم المتحرك يبقى متحركًا، ما لم تؤثر فيه قوة ما". إلا أن هذا القانون، الذي يبدو لأول وهلة مسلَّمةً بديهية عن القصور الذاتي، له تاريخ معقد. فالصيغة التي ظهر بها القانون في كتاب نيوتن، الذي وضعه باللاتينية في القرن السابع عشر تحت عنوان: «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية»Philosophiae Naturalis Principia Mathematica، يمكن أن تُترجم إلى الصيغة الآتية: "الجسم يبقى على حالته حال كونه ساكنًا أو متحركًا في خط مستقيم إلى الأمام وبسرعة ثابتة، [لا يتغير] إلا بمقدار ما تجبره القوى المؤثرة فيه على تغيير حالته".
وعلى مدار القرون الثلاثة الماضية، فسَّر عديد فلاسفة العلوم هذه العبارة على أنها إنما تصف الأجسام حال عدم تعرُّضها لأي تأثير أو قوةٍ خارجية، كما يقول دانييل هوك، أستاذ الفلسفة في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا. ففي عام 1965، مثلًا، وضع براين إليس، الباحث المتخصص في دراسة نيوتن، هذه الصيغة للقانون: "كل جسم ليس عُرضةً لتأثير أية قوة يظل ساكنًا أو متحركًا بسرعة ثابتة في خطٍّ مستقيم". غير أن هذه العبارة مُلغزةٌ بعض الشيء، على حد وصف هوك، وذلك لأنَّ الكون ليس فيه جسمٌ إلا ويقع تحت تأثير قوى خارجية ما. فلماذا يوضع قانون عن شيء غير موجود؟
وفي بحث حديث نُشر في دورية «فيلوسوفي أوف ساينس» Philosophy of Science، أكَّد هوك أن نيوتن لم يقصد بقانونه الأول الإشارة إلى تلك الأجسام المتخيَّلة، غير الواقعة تحت تأثير قوى خارجية. وقال إن استخدام نيوتن للكلمتين اللاتينيتين اللتين تقابلهما في العربية "إلَّا بمقدار" لم يكن مقصودًا منه قصرُ معنى القانون على تلك الأجسام، بل للدلالة على أنَّ الحركة تتغير، غير أن هذا التغيُّر متوقف على مقدار ما يقع عليها من قوة تجبرها على ذلك. وعلى ذلك، طرح هوك صيغةً أخرى للقانون، تجعل حُكمه ساريًا على الأجسام كافة، هي: "كل تغيُّر في حالة حركة الجسم يرجع إلى قوى مؤثرة فيه".
قد يبدو أن هذا الاختلاف تغلُب عليه الصبغة الأكاديمية أكثر من أي شيء آخر؛ فمهما يكن من شيء، ظهرت النظرية العامة للنسبية، التي وضعها ألبرت أينشتاين، لتحلَّ محل نظريات نيوتن. لكن عمل أينشتاين مبنى على نظريات نيوتن، حسبما يقول روبرت ديسالي، مؤرخ فلسفة الفيزياء في جامعة ويسترن في أونتاريو. ويقول ديسالي إن هناك مَن اتَّكأ على تفسيرات خاطئة لقانون نيوتن الأول في القول بوجود اختلافات فلسفية جوهرية بين نظريتي أينشتاين ونيوتن. وعلى وجه التحديد، أخذ البعض على القانون وقوع في مغالطة الاستدلال الدائري؛ ذلك أنه ينص على أنَّ الأجسام، حال عدم تعرُّضها لتأثير قوى خارجية، تتحرك في خطوط مستقيمة، أو تبقى في حالة سكون، لكن كيف لنا أن نعرف أنها ليست متأثرة بقوى؟ أجل، لأنها تتحرك في خطوط مستقيمة أو تبقى في وضع السكون!
ويقول ديسالي: "هذا البحث يُسهِّل معرفة السبب في خطأ هذا الرأي". فنيوتن لم يقصد إلى وضع قانون عن أجسام متخيَّلة، غير خاضعةٍ لقوًى خارجية؛ ليس هذا فحسب، بل إن معاصريه لم يفهموا عبارته على هذا النحو. يقول ديسالي: "أكبر الظن أنَّ هذا التأويل قد ابتُدع لاحقًا، وأُلصق بالقانون بأثر رجعي".
والحقُّ أن كتابات نيوتن اللاحقة تبيِّن تبيانًا لا مزيد عليه أنه إنما قصد من قانونه الأول الإشارة إلى الأجسام كلها، لا تلك الأجسام التي لا تتأثر بقوى خارجية، والتي لا توجد في العالم الفيزيقي، كما يقول جورج سميث، أستاذ الفلسفة في جامعة تافتس، والخبير المتخصص في كتابات نيوتن. يقول سميث: "المغزى الأساسي من القانون الأول هو الاستدلال على وجود القوة". ويقول إنَّه لو عُدنا إلى الزمن الذي عاش فيه نيوتن، لوجدنا أنه لم يكن من المسلَّم به إطلاقًا أن الأجسام تحتاج إلى قوة لتحريكها؛ بل ذاعت آنذاك أخلاط من النظريات القديمة التي قالت بوجود قوة متأصِّلة في الأجسام نفسها. فأرسطو، مثلًا، كان يرى أن الأجرام السماوية مكوَّنة من شكلٍ متخيَّل من المادة، يسمى «الأثير»، وأنها تتحرك في دوائر بطبيعتها. ويقول سميث إن نيوتن كان يعارض كل هذه الأفكار القديمة في كتاباته، موضحًا أنه لا يوجد جسم إلا ويتأثر بقوى خارجية ما.
وغالب الظن أن هذا الالتباس حول مقصد نيوتن قد استمر بسبب الترجمة الإنجليزية، التي نقلَها من اللاتينية أندرو موت في عام 1729، بعد وفاة نيوتن، مستخدمًا التعبير: "ما لم"، بدلاً من: "إلَّا بمقدار". يقول هوك إنَّ الاختلاف لم يكن ملحوظًا، لكنه جعل كلام نيوتن يبدو وكأنه يصف أجسامًا غير متأثرة بقوى خارجية، في حين أنه قُصد به تبيان سبب تأثُّر كل الأجسام بقوى خارجية. وذكر أنَّ معظم الناس بعد ذلك "لم يرجعوا، على الأرجح، إلى النص اللاتيني الأصلي".
ويرى رامون بارتيليمي، الباحث المتخصص في تعليم الفيزياء بجامعة يوتا، إن التفسير الجديد أكمل. ويؤكد أنَّ الكلمات التي يستعين بها العلماء على توصيل أفكارهم يمكن أن يكون لها تأثير كبير في فهم تلك الأفكار، خصوصًا لدى الطلاب. يقول: "أرى أنه من المُبهِج حقًا أنَّ هناك مَن ما زال يتحدث عن هذه المسألة. ففي هذا دلالة على أن فرصة النقاش لا تزال سانحة... وكلما أمكننا إتاحة مزيد من الفرص للطلاب، للمشاركة ورؤية تفسير مختلف، تكون هذه طريقة مثيرة لزيادة تعلُّقهم بالفيزياء".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.174
تواصل معنا: