أخبار

غرسة تجريبية مُفرزة للإنسولين من أجل التحكم في الجينات كهربيًا

نشرت بتاريخ 13 أغسطس 2023

خلايا مُهندَسة للاستجابة لتيار كهربي تبشر بإمكانات جديدة تتولد عن استخدامها في العلاجات الطبية مستقبلًا.

ليلي توزر

 

Credit: Alfred Pasieka/Science Photo Library Enlarge image
يمكن لخلايا بشرية مهندسة وراثيًا بحيث تنتج الإنسولين عند تحفيزًا كهربيًا بتيار بسيط أن تفتح الباب أمام تطوير علاجات أفضل لداء السكري من النوع الأول.

هذه الخلايا استحدثها الفريق البحثي الذي صممها بحيث تخضع لتفاعل تسلسلي استجابةً لمركبات أكسجين تفاعلية (ROS)، أو جذور كيميائية حرة غير مستقرة تحتوي على الأكسجين تنتج عند تعرُض الخلايا سالفة الذكر لتيار كهربي، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تفعيل الجين المستهدف اللازم لإنتاج الإنسولين وتنشيطه.

وللبرهنة تجريبيًا على فاعلية هذا الابتكار من حيث المبدأ، غرس الفريق البحثي بعد ذلك هذه الخلايا في فئران، ليثبُت إفرازها للإنسولين عند تعرضها لتيار كهربي باستخدام إبر وخز مكهربة.

وهذه النتائج التي نشرتها دورية «نيتشر ميتابوليزم» Nature Metabolism في الواحد وثلاثين من يوليو الماضي تفتح بصيص أمل يبشر بإمكان استخدام هذه التقنية يومًا ما في غرسات طبية على حد ما أفاد مارتِن فوسِينيجر، اختصاصي الهندسة الحيوية من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في مدينة زيورخ السويسرية، الذي شارك في وضع الدراسة.

وحول التطبيقات المحتملة لهذا الابتكار، يقول اختصاصي البيولوجيا التخليقية من كلية إمبريال كوليدج لندن، رودريجو ليديسما أمارو، والذي لم يشارك في الدراسة، إنه يمكن لهذه التقنية "أن تستخدم البطاريات العادية وتيارات ذات مستويات أقل من الجهد كهربي توائم الأجهزة القابلة للغرس".

مفتاح لتفعيل النشاط الجيني

ظلت فكرة استخدام الكهرباء للتحكم في مسارات العمليات البيولوجية تداعب أذهان العلماء منذ ثمانينيات القرن العشرين، عندما عمد باحثون إلى بدء تطوير هذا المفهوم بالتلاعب بميكروبات. وقد أجرى فوسِينيجر وفريقه البحثي على الخلايا البشرية عددًا من الأبحاث التي تضع نصب اهتمامها "تطوير واجهة تفاعل بين العالم الكهربي وعالم الجينات". وهو إطار عمل يمكن استخدامه لاستهداف عدد من الأمراض الجينية بتفعيل نشاط جينات بعينها أو تعطيلها في غرسات خلوية، تسمح بإمداد الجسم ببروتينات حيوية له.

على سبيل المثال، تعجز أجسام المصابين بداء السكري من النوع الأول عن إنتاج هرمون الإنسولين، أو تنتج قدرًا ضئيلًا منه، وهو بروتين حيوي مسؤول عن التحكم في مستويات سكر الدم في جسم الإنسان. والقدرة على تحفيز الخلايا لإنتاج بروتين هرمون الإنسولين في الوقت المنشود قد تساعد في تجنيب المصابين بهذه الحالة المرضية ارتفاعَ مستويات سكر الدم إلى حد الخطورة.

نجح فوسيِنيجر وفريقه البحثي في هندسة خلايا منتجة للإنسولين، يمكن تنشيطها كهربيًا عن طريق التلاعب باستجابتها لمركبات الأكسجين التفاعلية، التي تُنتج جزيئاتها السامة بصورة طبيعية خلال عمليات الأيض في الخلايا، غير أن تشكلها يُمكن كذلك تحفيزه من خلال تعرض الخلايا لتيار كهربي. وتوضح إسما إسينوفيك الباحثة المتخصصة في دراسة تداعيات مركبات الأكسجين التفاعلية على الأمراض في جامعة بلجراد ذلك قائلة: يمكن لمركبات الأكسجين التفاعلية عند المستويات المنخفضة أن تخدم كجزيء تأشير مهم، يلعب دورًا حاسمًا في تنظيم التعبير الجيني". غير أنه تجدر الإشارة إلى أن المركبات نفسها عند فرط مستوياتها في حالات الإجهاد التأكسدي قد تهاجم الجزيئات الأخرى وتؤدي إلى اضطراب وظائف الجسم الطبيعية. ولتلافي حدوث ذلك، تنتج الخلايا عادة بروتينات مضادة للأكسدة لتحييد أثر هذه المركبات.

وفي الخلايا المُهندَسة سالفة الذكر، يجعل الفريق البحثي الجين الذي يُنتج الإنسولين في وضع "ُتخفٍ"، خلف منطقة تسلسل نيوكليوتيدي مُحفِّز، وهي منطقة بالحمض النووي ترتبط بتشكيل الجينات المنتجة لمضادات الأكسدة، تنشط بالاستجابة لمركبات الأكسجين التفاعلية. وتحتوي هذه المنطقة على سلاسل متكررة من "عناصر تحفيز الاستجابة المضادة للأكسدة"، التي تعزز بصورة طبيعية التعبير عن بروتينات مضادة للأكسدة خلال الإجهاد التأكسدي.

غرسة مفرزة للإنسولين

وما أن برهن الفريق البحثي واضع الدراسة على فاعلية هذا المنهج، مضى إلى خطوة جديدة؛ بإدماج هذه الخلايا البشرية المعدلة برمجتها في غرسة إليكترونية، زُرعت في فئران مصابة بارتفاع سكر الدم. ومع وصول التيار الكهربي للخلايا التي قبعت في كبسولة تحت جلد الفئران من خلال إبر الوخز المكهربة، أدى تحفيز الغرسة إلى ارتفاع مستويات الإنسولين في دم الفئران، وعاد سكر الدم إلى مستوياته الطبيعية لديها. كذلك أمكن التحكم في مستويات الإنسولين من خلال السيطرة على طول مدة التعرض للتيار وتغيير شدته.

ويأمل الفريق البحثي في إمكان مواءمة هذه المنظومة الحيوية الإلكترونية وتوليفها لتستخدم في الأجهزة الطبية القابلة للارتداء التي يمكن التحكم فيها بحاسوب أو هاتف ذكي.

غير أن هذه التقنية لا تزال في طور ولادتها، وثمة المزيد من الأبحاث التي ينبغي إجرائها قبل السماح بتجربتها على البشر. وترى إسينوفيك أنه من المبكر للغاية النظر في تطبيقاتها العلاجية. فتشير إلى أن الخطوة التالية هي دراسة أداء التقنية في أنواع مختلفة من نماذج الفئران وعينات أكبر حجمًا، ومن شأن هذا المساعدة في "بناء تصوُر مكتمل" للتطبيقات المحتملة لهذه المنظومة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.126