أخبار

Read this in English

آن الأوان لإنجاز تحوُّل في مجال الطاقة يكفل خفض الانبعاثات وتحقيق العدالة

نشرت بتاريخ 19 يوليو 2023

ونحن على مشارف انطلاق قمة المناخ الثامنة والعشرين، المقرر انعقادها في مدينة دبي، يناقش الباحث محمود أبو النجا، زميل الحلول بمركز حلول المناخ والطاقة، مستقبل تقنيات إدارة الكربون في غير بلدان الشمال العالمي.

محمود أبو النجا

محطة الحوية لاستخلاص سوائل الغاز الطبيعي،
التابعة لشركة «أرامكو» السعودية، مصمَّمة لمعالجة 4 مليارات قدم مكعَّب قياسي من
الغاز الحلو يوميًّا، لتكون مشروعًا تجريبيًّا لاحتجاز الكربون

محطة الحوية لاستخلاص سوائل الغاز الطبيعي، التابعة لشركة «أرامكو» السعودية، مصمَّمة لمعالجة 4 مليارات قدم مكعَّب قياسي من الغاز الحلو يوميًّا، لتكون مشروعًا تجريبيًّا لاحتجاز الكربون


Maya Siddiqui/Bloomberg via Getty Images Enlarge image

خلال مؤتمر الاقتصادات الكبرى، الذي عُقد في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها عشر دول أخرى، من بينها مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، عن «تحدي إدارة الكربون» لديها؛ وذلك في إطار مبادرة عالمية تشجِّع على الاستعانة بتقنيات احتجاز الكربون على نطاقٍ واسع بوصفها وسيلةً لإبطاء وتيرة التغير المناخي. وتعتزم الدول المشارِكة إعلان أهدافها التفصيلية، والتدابير المُزمع اتخاذها في هذا الشأن، خلال الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُر المناخي (كوب 28)، التي تستضيفها دولة الإمارات في وقتٍ لاحق من هذا العام.

يكاد ينعقد إجماع في الأوساط العلمية على ضرورة تفعيل تقنيات إدارة الكربون على نطاقٍ واسع من أجل خفض الانبعاثات الكربونية بنسبةٍ معتبرة، ووضع حدٍّ لارتفاع درجات الحرارة العالمية بحيث لا يزيد مقدار هذا الارتفاع بحلول نهاية القرن الحالي عن 1.5 درجة مئوية، قياسًا إلى مستويات ما قبل عصر التصنيع. لكن لا ينبغي أن نتَّخذ هذه التقنيات ذريعةً للتقاعس عن الأخذ بحلول خفض الاحترار العالمي الأخرى، متعلِّلِين بأن إدارة الكربون ستكون متاحة، ويمكن التوسُّع في تطبقيها بسرعةٍ أكبر نسبيًّا، مقارنةً بغيرها من الحلول.

عندما يُطلق مصطلح «إدارة الكربون»، يُقصد به نوعان من التقنيات: تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS) التي تلتقط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من مصادر محدَّدة (مثل المنشآت الصناعية ومحطات الطاقة)، وتقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون (CDR) التي تنزع الكربون من الهواء الجوي مباشرةً. وفي كلتا الطريقتين، يُستخدم الكربون المحتجَز في صناعة منتجات منخفضة الكربون، أو يُخزَّن تخزينًا آمنًا في تكوينات صخرية أسفل سطح الأرض.

تتعدَّد أشكال احتجاز الكربون، لكنها تنضوي عمومًا تحت فكرة واحدة، تقوم على ما يُعرف بدورة الامتصاص وإعادة التوليد (absorption-regeneration loop). في البداية، يُضَخُّ غاز العادم داخل جهاز الامتصاص، حيث يتفاعل المذيب – كيميائيًّا كان أو فيزيائيًّا – مع ثاني أكسيد الكربون. ثم يُنقَل غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج، الغني بالمادة المذيبة، إلى مولِّد، حيث يجري تسخين الغاز إلى الحد الذي يسمح بفصل ثاني أكسيد الكربون. وهذه الحرارة الزائدة تعكس اتجاه تفاعل امتصاص ثاني أكسيد الكربون، لتكون نواتج التفاعل غاز ثاني أكسيد كربون نقيًا، ومذيبًا نظيفًا. وأخيرًا، يمكن إعادة المادة المذيبة لجهاز الامتصاص، لإعادة هذه الدورة من جديد.

وبعد احتجاز الكربون، أو التقاطه، يمكن ضغطه ونقله (عبر الأنابيب، أو غيرها من الوسائل) إلى محطته الأخيرة، حيث يجري استخدامه أو تخزينه. تعتمد تقنيات استخدام الكربون على غاز ثاني أكسيد الكربون بوصفه مادةً أوَّلية تدخل في تركيب المواد الكيميائية أو الوقود، كما يمكن أن يدخل هذا الغاز في إنتاج الأطعمة والمشروبات. ويمكن أيضًا تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى العديد من الهيدروكربونات عالية القيمة (مثل الميثانول، والإيثانول، والبوليمرات)؛ وهي واحدة من طرائق التحويل الواعدة. وثمة طريقة أخرى للاستفادة من الكربون، تتمثل في ترسيب المعادن أو «المعدنة» (mineralization)، وهي الطريقة التي تنطوي على إحداث تفاعل بين غاز ثاني أكسيد الكربون ومواد قلوية لإنتاج كربونات صلبة. وهذه الطريقة على وجه التحديد تنتظرها فرصة واعدة، تتمثل في خفض الانبعاثات التي يصعب التخلُّص منها، الناتجة عن عمليات إنتاج الخرسانة التقليدية.

أما فيما يتعلَّق بالتخزين، فنجد أن ثاني أكسيد الكربون يمكن حقنه أسفل سطح الأرض، في تكوينات جيولوجية بعينها، حيث يمكن تخزينه تخزينًا آمنًا. وعلى غرار ما يحدث في الطبيعة، في حالة النفط والغاز اللَّذين يكونان محتجَزَيْن أسفل سطح الأرض، يمكن لغاز ثاني أكسيد الكربون أن يبقى حبيسًا أسفل غطاء صخري يتألف سطحه العلوي من صخور ذات نفاذية منخفضة، تمنع تسرُّب الغاز إلى أعلى، ويُحاط من أسفل والأجناب بصخور عالية النفاذية، تحوي سائلًا يفُوق ثاني أكسيد الكربون كثافةً، ليبقى بذلك الغاز حبيسًا بين هذه التكوينات. زِد على ذلك أن هذا الغاز الحبيس يتفاعل بمرور الوقت مع المعادن في الصخور المحيطة، ليتحوَّل بمرور الوقت إلى كربونات صلبة، تزيد من إحكام هذه التكوينات الصخرية التي تحبس بداخلها ثاني أكسيد الكربون.

الجدير بالذكر أن مشروعات إدارة الكربون قد أحرزت تقدُّمًا ملموسًا على مستوى العالم. في الوقت الراهن، يبلغ عدد المشروعات التي دخلت حيز التشغيل 30 مشروعًا، بطاقة احتجاز سنوية كلية تقترب من 45 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. ويُضاف إلى هذه المشروعات 11 مشروعًا قيد الإنشاء، و153 مشروعًا آخر في مرحلةٍ أو أخرى من مراحل التنفيذ على مستوى العالم. وفي حال اكتمال إنشاء هذه المشروعات جميعًا، وبلوغها مرحلة التشغيل، فقد تصل القدرة الإجمالية العالمية لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون إلى 220 مليون طن في العام الواحد بحلول عام 2030. غير أن هذه القدرة تظلُّ بعيدةً عن المستوى الذي سنكون عنده على الطريق الصحيح الذي يقودنا إلى الوفاء بأهدافنا المناخية المرصودة لمنتصف القرن. فقد أشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة إلى أننا سنكون بحاجة إلى مضاعفة القدرة السنوية على احتجاز الكربون إلى ستة أمثالها بحلول عام 2030، لنكون على الطريق الصحيح نحو تحقيق الحياد الكربوني (أي الوصول بصافي الانبعاثات الكربونية إلى مستوى الصفر) بحلول عام 2050. 

إذا قَصَرنا النظر على منطقة الشرق الأوسط، سنجد أن تقنيات إدارة الكربون لم تحظَ إلا باهتمامٍ محدود، ولو أنه في زيادة. فقد دشَّنت الإمارات العربية المتحدة مشروع «الريادة» لاحتجاز 800 ألف طن سنويًّا من ثاني أكسيد الكربون المتصاعد من مصنعٍ لإنتاج الحديد الصلب. كما ضخت المملكة العربية السعودية استثمارات في سبيل إنشاء عدد من المنشآت في المنطقة الشرقية، حيث توجد مجموعة من المنشآت الصناعية التي تتيح تنفيذ مشروعات إدارة الكربون على نطاق واسع. من هذه المشاريع، مشروع «عثمانية» التجريبي، الذي يهدف إلى احتجاز 800 ألف طن سنويًّا من ثاني أكسيد الكربون المتصاعد من محطة غاز طبيعي. أما قطر، فهي صاحبة أكبر طاقة احتجازٍ للكربون في المنطقة، بقدرةٍ تبلغ 2.2 مليون طن سنويًّا من غاز ثاني أكسيد الكربون الصادر من محطة «رأس لفان» للغاز المسال. يُذكر أن تقنيات إدارة الكربون لا تسهم في خفض الاحترار العالمي فحسب، بل يمكن أن تساعد بلدان المنطقة كذلك على تقليل كثافة الكربون، ومن ثم تعزيز التنافسية لمنتجاتها كثيفة الكربون.

على أن الاهتمام بتقنيات إدارة الكربون لا يزال متركزًا في البلدان صاحبة الاقتصادات المتقدمة، حتى وقتنا هذا. ومن هنا تبزُغ الحاجة إلى بناء أُطر عمل عالمية لدعم التعاون بين شمال العالَم وجنوبه في أنشطة البحث والتطوير والتجريب ذات الصلة بتقنيات إدارة الكربون. من شأن ذلك أن يسهِّل نقل التكنولوجيا، ويتيح وضع السياسات الملائمة، ويخلق فُرصًا للتمويل، فضلًا عن الإسهام في بناء القدرات المحلية، وتحقيق التنمية الاقتصادية.

سوف تشهد المرحلة المقبلة إقبالًا أكبر على التحوُّل الصناعي في الاقتصادات النامية، حسبما نرى في جميع سيناريوهات التنمية الاقتصادية المستقبلية. ويمكن لتقنيات إدارة الكربون أن تتيح وسائل جديدة لنزع الكربون من هذه الأنشطة الصناعية، دون تكبيلها أو عرقلة مسارها. وعلى البلدان المتقدمة أن تبادر إلى الاستثمار في هذه التقنيات، سعيًا إلى خفض تكلفتها، ومن ثم إتاحة نقلها إلى البلدان النامية بكُلفةٍ أقل، بما يصبُّ في مصلحة خطط نزع الكربون لديها. إذا تحقق ذلك، فربما تجد الدول النامية لديها من المرونة ما يسمح بتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية لديها، دون التضحية بالأهداف المناخية العالمية.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.106