بعد الإطاحة بالنظام: هذه خارطة طريق للعلم في
سوريا
11 December 2024
نشرت بتاريخ 28 مايو 2021
يحتاج الباحثون في دول مثل مصر إلى مزيد من الدعم المركزي لجهودهم البحثية في التسلسل الجيني للفيروس
إن الوضع في الهند، حيث امتدت المحارق الجنائزية إلى مواقف السيارات، واكتسح سيل من النداءات العاجلة طلبًا لأسطوانات الأكسجين صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، هو بمنزلة تَذكِرة قاسية بحجم المعاناة التي قد يُخَلِّفُهَا تفشِّي فيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2 في بلدٍ ما، يَعزو بعض العلماء هذا الارتفاع الهائل في حالات الإصابة الجديدة بمرض «كوفيد-19» COVID-19 إلى ظهور متحوّر من الفيروس يُعرف بـB.1.617، وهو متحوّر جرى التعرُّف على سلفٍ له لأول مرة في الهند في ديسمبر 2020، بيد أن تشتُّت بيانات التسلسل الجيني للفيروس وعدم كفايتها مثَّلا عائقًا أمام التأكد من صحة هذا الارتباط، الأمر الذي حال بدوره دون المساعدة في توجيه جهود قطاع الصحة العامة في التعامل مع هذا الارتفاع الهائل في عدد الحالات.
إن جهود متابعة التسلسل الجيني للفيروس في معاهد البحوث في مصر محدودة كذلك؛ إذ تُمثل التسلسلات المنشورة أقل من 0.2٪ من عدد الحالات المُبَلَّغ عنها حتى الآن.
يقول رامي كرم عزيز، رئيس برنامج علم الأحياء الدقيقة والمناعة في مستشفى سرطان الأطفال 57357: "هناك جهود فردية مبذولة من جانب عدد قليل من الجامعات والمستشفيات البحثية في متابعة التسلسل الجيني في مصر"، إلا أن أصحاب تلك الجهود الفردية قد يقدمون ناتج عملهم البحثي لقاعدة البيانات العالمية أو لا يقدمونه على الإطلاق، وهو السلوك الذي يَعْزوه "عزيز" إلى غياب أي شروط تجبر الباحثين على تقديم ما لديهم من تسلسلات.
فور إعلان «كوفيد-19» جائحةً عالميةً في مارس 2020، سارعت بعض المعاهد البحثية في مصر بتطوير بنيتها التحتية استعدادًا لدراسة التسلسل الجيني للفيروس في العينات المحلية، كان الهدف الرئيسي من تلك الجهود حين ذاك هو تتبُّع الفيروس وتعقُّبه لمعرفة كيف دخل إلى البلاد.
كان أحمد مصطفى، أستاذ المعلوماتية الحيوية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفريقه من المجموعات التي عملت على تعقُّب الفيروس، وبفحص التسلسلات التي وردت إليهم من فريق بحثي في جامعة عين شمس، عمل الفريق على تجميع الجينوم ومقارنته بالجينوم المرجعي لفيروس «سارس-كوف-2»، يقول مصطفى: "خَلُصْنَا من ذلك إلى أن الفيروس جاء إلى مصر بنسبة كبيرة من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة"، لم تُنْشَر دراسة هذا الفريق بعد.
يقول عزيز إن تتبُّع انتقال العدوى على المستوى المحلي لم يعد ضروريًّا؛ فالأولوية الآن لمعرفة كيفية تحوُّر الفيروس وتغيُّره.
فجوة هائلة
يوضح عزيز أن "كل تسلسل هو، بشكل أو بآخر، مُتحوِّر"، إلا أن بعض المتحورات تستدعي الاهتمام، نظرًا لما قد يكون لها من قدرة أكبر على إحداث العدوى، إن التعرُّف على متحورات فيروس «سارس-كوف-2» هو أمرٌ لا غنى عنه في إطار جهود مراقبة الصحة العامة؛ إذ يساعد ذلك في صياغة الاحتياطات اللازمة وتوجيهها لاحتواء المتحورات الجديدة في أسرع وقت ممكن، على سبيل المثال، توخت المملكة المتحدة أعلى درجات اليقظة في هذا الصدد، وظهر ذلك في المسارعة بإعادة تطبيق تدابير الإغلاق في مناطق بعينها فور التعرف على متحور B.11.7، الذي تبيَّن أنه أكثر قدرةً على نقل العدوى، كما كانت المملكة المتحدة أيضًا واحدة من أوائل الدول التي فرضت إجراءات حجر صحي صارمة على الأشخاص القادمين من جنوب إفريقيا بمجرد التعرف على متحور B.1.351.
وكي تؤتي جهود دراسة التسلسل الجيني ثمارها، يحتاج الباحثون إلى دراسة تسلسل عدد كبير من العينات المأخوذة من حالات تأكدت إصابتها بـ«كوفيد-19»، وقد شاركت المملكة المتحدة بحوالي 400 ألف تسلسل جيني قدمتها لقواعد البيانات العالمية حتى الآن، وهو ما يمثل حوالي 9٪ من مجموع الحالات المُبَلَّغ عنها في البلاد.
بالمقارنة، اقتصرت مشاركة مصر على تقديم 410 تسلسلات جينية لفيروس «سارس-كوف-2» لقواعد البيانات العالمية، يرى عزيز أن وضع أي بلد في مقارنة مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة، اللتين ساهمتا بنسبة 31٪ و28٪ على التوالي من بيانات التسلسل الجيني للفيروس المتاحة حاليًّا على مستوى العالم، هو أمرٌ غير عادل.
يقول عزيز: "الجهود المبذولة لدراسة تسلسل «كوفيد-19» في مصر تُعتبر متوسطة بالمعايير الإقليمية والعالمية"؛ إذ بلغ حجم مشاركة المملكة العربية السعودية، وهي أكبر دول مجلس التعاون الخليجي 953 تسلسلًا حتى الآن، وهو ما يمثل 0.23٪ فقط من الحالات المُبَلَّغ عنها، كما قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة -وهي الدولة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال دراسة التسلسل الجيني للعينات- 1846 تسلسلًا، وهو ما يمثل 0.35٪ من الحالات المُبَلَّغ عنها.
لا بد من تكثيف الدعم الموجه لجهود دراسة التسلسل الجيني للفيروس بحيث تتناسب نواتجها مع عدد الحالات المُبَلَّغ عنها لدى هذه البلدان وغيرها، الأمر الذي سيضمن قدرة تلك البلدان على تتبُّع المتحورات الحالية بشكل صحيح والتعرُّف على أي متحورات جديدة.
التحديات القائمة
في مصر ودول أخرى مثلها لا تعاني من نقص في الخبرة التقنية، يواجه الباحثون عددًا لا يُحصى من التحديات اللوجستية الأخرى التي تحول دون تعزيز جهود دراسة تسلسل فيروس «سارس-كوف-2».
يكمن أحد أكبر التحديات في القدرة على جمع عينات تعكس البلاد جغرافيًّا بشكل دقيق، يقول عزيز موضحًا أنه في مصر، على سبيل المثال، جاءت أكثر من 90٪ من العينات التي خضعت للتسلسل الجيني من مستشفيين عامين رئيسيين في القاهرة، يمكن لذلك النوع من المتابعة أن يساعد الباحثين في معرفة إذا ما كانت الحالات قد نشأت من مصدر مشترك، لكن أهمية تلك المعلومات ليست كبيرةً في هذه المرحلة، يقول عزيز: "يجب إعادة صياغة السؤال البحثي ليكون: هل لدينا أي متحورات جديدة في مصر تختلف عن تلك التي وجدها الباحثون في أماكن أخرى حول العالم؟".
يواجه الباحثون صعوبةً أيضًا في تأمين ما يحتاجون إليه من الكواشف والمواد الكيميائية اللازمة لمتابعة تسلسل الفيروس، عندما كان مصطفى باحثًا في الولايات المتحدة، كانت الشركة التي تُنتج الكواشف التي يُعتمد عليها بجوار مختبره، يقول مصطفى: "كان بإمكاننا طلب ما أردناه في الصباح وتسلُّمه بعد ظهر اليوم نفسه ومواصلة عملنا".
ولكن الأمور أكثر تعقيدًا في مصر؛ حيث تتولى شركة واحدة فقط مسؤولية استيراد الكواشف إلى البلاد، وعندها تتدخل عوامل أخرى، مثل البيروقراطية واستخراج التصاريح اللازمة والإجراءات الجمركية البطيئة، تصبح عملية الحصول على الكواشف عملية طويلة وشاقة، قد تستغرق مدةً تصل إلى شهرين، يقول عزيز: "إنه أمرٌ محبطٌ للغاية عندما يتوقف عملك بسبب شيء كهذا".
جهود مركزية
يتفق عزيز ومصطفى على أن مصر بحاجة إلى مبادرة لجمع شتات جهود دراسة التسلسل الجيني لفيروس «سارس-كوف-2» على مستوى البلاد وتوجيهها إلى قاعدة بيانات مُوَحَّدة، يتطلب هذا النوع من برامج الفحص الشامل دعمًا حكوميًّا قويًّا وإرادةً سياسية.
يقول عزيز إن وضع مسؤولية تنظيم هذا النوع من الجهد الوطني وتسهيله في يد كيان مركزي سيجعل هذا النوع من البحث أكثر روتينيةً وغير تنافسي، موضحًا أن دراسة التسلسل الجيني لعينات هي عمل مكلف، وينتظر الباحثون جني ثمار ما استثمروه من جهود فيه على شكل دراسات منشورة.
يقول عزيز: "علينا أن نجد نظامًا مختلفًا غير النشر لمكافأة الباحثين الذين يؤدون هذا العمل لتشجيعهم على مواصلته، وعلى تقديم بياناتهم، قد يأتي ذلك على شكل حوافز أو اعتراف بجهودهم أو ترقية".
doi:10.1038/nmiddleeast.2021.51
تواصل معنا: