عاصفة من الجدل أشعلها حصول الذكاء الاصطناعي على اثنتين من جوائز نوبل
14 October 2024
نشرت بتاريخ 1 سبتمبر 2018
ضعف الروابط بين مجموعتين من المهارات يمنع العمال ذوي الدخول المنخفضة من الحصول على وظائف أعلى أجرًا.
قامت إحدى الدراسات بتصنيف الوظائف في الولايات المتحدة تحت مجموعتين: إحداهما تضم الوظائف التي تتطلب مهارات "حسية بدنية"، والأخرى تضم الوظائف التي تتطلب مهارات "اجتماعية إدراكية". وتم تصنيف تلك المجموعة الأخيرة من المهارات على أنها مجموعة المهارات التي تتطلبها الأعمال الأعلى أجرًا. وأظهر التحليل أيضًا أن العمال عادةً ما يكتسبون قدرات تندرج تحت واحدة من هاتين المجموعتين، وهو ما يعني أن العمال ذوي الدخول المنخفضة يبقون رهنًا بمسار وظيفي واحد.
استعمل الباحثون بيانات من وزارة العمل الأمريكية لتحديد المهارات المطلوبة في مهن بعينها، وكذلك لوضع معيار "للتكاملية بين المهارات"، أو –بمعنى آخر– احتمالية أن تكون مهارتان من المهارات مفيدتين في المهنة نفسها. واستنادًا إلى تلك البيانات، أنشأ الباحثون بنيةً لشبكة من المهارات التكاملية، وقاموا بتحليل هذه الشبكة خوارزميًّا.
قَسَّمت الخوارزمية الشبكة إلى مجموعتين: إحداهما صُنِّفت تحت اسم "المهارات الاجتماعية الإدراكية" –ومن أمثلتها القدرة على حل المشكلات المعقدة، والحصافة الاجتماعية، والقدرة على الإقناع– في حين صُنِّفت المجموعة الثانية تحت اسم "المهارات الحسية الحركية"، ومن أمثلتها الرؤية المحيطية، والقدرة على التحمُّل، والقدرة على تنفيذ الأعمال اليدوية.
يقول ديفيد أوتور، عالِم الاقتصاد لدى معهد ماساتشوستس للتقنية، والذي لم يكن مشاركًا في هذا البحث: "من المدهش أن هذه الخوارزمية التي لا تخضع للإشراف البشري تكشف عن مشهد عام للمهارات يتكون من مجموعتين رئيسيتين. لقد تم بناء هذه الخورازمية من الصفر باستخدام أنماط واقعية موجودة بالفعل ضمن البيانات وليس نتيجةً للتمحيص النظري، وهو ما يشير إلى أن تكتل البيانات في مجموعتين هو سمة دالّة على أن البيانات شمولية ومُحكمة".
عند ضم هذا التحليل إلى بيانات مأخوذة من مكتب الإحصاءات العمالية، اكتشف الباحثون أن الوظائف التي تعتمد بقدر أكبر على المهارات الاجتماعية الإدراكية تتميز بأجور سنوية أعلى في المتوسط. وأظهرت المرتبات ارتفاعًا مطردًا بما يتناسب مع عدد المهارات المطلوبة. وفي المُجمل، "تُوفِّر المهارات الخاصة بوظيفةٍ ما قدرةً تنبُّئية أقوى من تلك التي توفرها المتطلبات المتعلقة بمستوى التعليم أو غيرها من العوامل"، وذلك وفق أحمد العبد الكريم، الذي قاد أعمال المشروع ضمن رسالة الدكتوراة الخاصة به، التي يعمل عليها بمعهد ماساتشوستس للتقنية.
ومع هذا، يفتقر النموذج إلى الكثير من العوامل التي تؤثر في مستوى الأجور؛ فعلى سبيل المثال، يتقاضى عمال قطع الأشجار أجورًا أعلى مما هو متوقع بسبب المتطلبات المهارية اللازمة لهذا العمل، وهي متطلبات لمهارات تُعَدُّ حسيةً بدنيةً بشكل كبير. يقول العبد الكريم: "هذه الوظيفة من الوظائف التي تنطوي على قدر هائل من الخطورة، وهذا يرفع من تكلفة تعيين الموظفين لاعتبارات تتعلق بالعرض والطلب".
يقول فرانك ماكروري، عالِم الاقتصاد بجامعة فوردام، والذي لم يشارك في هذه الدراسة: "تطرق العديد من الأبحاث إلى تأثيرات الاستقطاب في سوق العمل، ولكن من دون التطرق إلى ’كيف‘ و’لماذا‘ يَصعُب التوصُّل إلى حلول واقعية. أما هذا البحث فيوفر إجابات وجيهة عن الأسئلة التي تبدأ بـ’كيف‘ و’لماذا‘".
وقام فريق العمل أيضًا بتحليل كيفية اكتساب العمال لمهارات جديدة، وكيفية تغيُّر المتطلبات المتعلقة بالمهارات عند انتقال العمال إلى وظائف أخرى. وتوصل الباحثون إلى وجود حِراك محدود فيما بين مجموعتي المهارات، وقد يكون هذا راجعًا إلى عدم وجود وظائف تعتمد على كلا النوعين من المهارات، وهو ما يَعوق حصول العمال ذوي الدخول المنخفضة على المهارات الاجتماعية الإدراكية اللازمة لوظائف أعلى أجرًا. يقول العبد الكريم: «يشبه الأمر سُلَّمًا تنقصه الكثير من الدرجات عند منتصفه".
ويتابع العبد الكريم قائلًا: "لقد كانت هذه النتيجة أكثر النتائج إدهاشًا بالنسبة لي؛ فمن حيث المبدأ، كان يمكن للعمال أن يحصلوا بسهولة على مهارات جديدة ليست متكاملة مع مجموعة المهارات الموجودة لديهم، لكننا وجدنا أن المهارات اللازمة لوظيفتك الحالية تُنبئ بقوة بالمهارات الجديدة التي سوف تكتسبها".
ووفق ماكروري، تُعَدّ المهارات المشتركة بين المهن ذات الأجور المنخفضة والمهن ذات الأجور العالية تلك المهارات الأساسية التي سبق لنا تعلُّمها في المدارس الثانوية. ويتابع ماكروري قائلًا: "آمل أن يساعد إثبات أن هذه المهارات هي اللبنة الأولى اللازمة للوظائف الأعلى أجرًا (وليس الشهادة الجامعية) في تحويل اهتمام واضعي السياسات من تحفيز الجميع للالتحاق بالكليات، إلى التركيز على التدخلات المبكرة التي تتم لإرشاد الطلاب، وكذلك التدخلات التي تقدم مساعدةً أكثر فاعليةً للعمال الذين تم تسريحهم من وظائفهم".
يمكن لواضعي السياسات استعمال هذه النظرات المتعمقة في توجيه وإثراء عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بتصميم برامج التدريب، أو غيرها من التدخلات التي تتم ضمن سوق العمل. وبالمثل، يمكن للناس استخدام الشبكة التي أنشأها الباحثون –وهي شبكة متاحة مجانًا على موقع «سكيل سكيب» Skillscape– للمساعدة في تخطيط مساراتهم المهنية من خلال تحديد الوظائف التي سوف تساعدهم على اكتساب مهارات جديدة ذات قيمة. يقول العبد الكريم: "الموقع مفيد كخريطة تساعدك في التحرك بشكل إستراتيجي وفي اتخاذ القرارات، لكنه لن يعطيك جوابًا ولن يخبرك بالمكان الذي يجب عليك أن تذهب إليه".
سوف ينتقل العبد الكريم إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية، وهي المدينة التي وفرت جزءًا كبيرًا من التمويل اللازم لهذه الدراسة. ويخطط العبد الكريم –بالتعاون مع الفريق العامل لدى معهد ماساتشوستس للتقنية– لإنشاء منظومة أدوات خاصة بالتوصيات يتم إلحاقها بالتحليل، ويخطط كذلك لتوسيع مجال البحث بحيث يشتمل على بلدان أخرى، تتضمن المملكة العربية السعودية. وبالرغم من القيود التي يتسم بها هيكل سوق العمل في المملكة العربية السعودية، يعتقد العبد الكريم أن الأداة التي تم تطويرها لا تزال قادرةً على مساعدة القائمين على التخطيط هناك.
doi:10.1038/nmiddleeast.2018.101
تواصل معنا: